لبنان الصغير بجغرافيته والكبير بانتشاره هو اكثر الدول الشرق اوسطية تأثرا بمحيطه ، مرت سنة ونصف مؤخرا من الاحداث الاقليمية كان لها ولا شك ابعادها على سياسة لبنان الداخلية والخارجية .
للوقوف على هذه الاحداث ومدى تأثيرها علينا التقينا سعادة النائب د.ايهاب مطر المعروف برؤيته الثاقبة المبنية على علاقات داخلية ودولية والمتتبع لنشاط النائب مطر خلال السنتين المنصرمتين يلاحظ وجوده القوي والفاعل والمتلقي لهذه المتغيرات بحكمة ووعي.
الفجر الجديد استعرضت مع النائب مطر اهم هذه المحطات الاقليمية والداخلية بلقاء ضمن كلام مسؤول واجرينا معه هذا الحوار .
1- من هو المؤثر الاقوى في سياسة لبنان على المستوى الداخلي والخارجي؟
للأسف، ولسخرية القدر، فإن من يتحكم بنا بالداخل والخارج، هو بنيامين نتنياهو. نعم إنه رئيس الوزراء الإسرائيلي، العدو القوي، والذي ازداد قوة وعدوانية بعد وصول دونالد ترامب الى سدة البيت الأبيض، وهو يشن منذ 8 تشرين الأول 2023 حربا شعواء على كل الجبهات، على امتداد الشرق الأوسط، فكان من النتائج الأولية لحربه هذا إغتيال “زعيم” حزب الله، حسن نصر الله، وضرب جزءا كبيرا من ترسانة هذا الحزب، الموالي لإيران، ما أفقده القدرة على التأثير داخليا، بعدما كادت دويلته تأكل الدولة، وجاء التجديد للقرار 1701 ليفرض ما تبقى من سلاح الحزب وغيره خارج شرعية الدولة أولوية الأولويات، وهو ما سهّل ما كان مستحيلا فعلا على المستوى السياسي، بانتخاب رئيس الجهورية وتكليف رئيس الحكومة، مع تشكيلة حكومية الأكثر تفلتا من شروط “الثنائي الشيعي”، وذلك بضغط يومي دائم من نتنياهو وجيشه بالخروق والغارات والاغتيالات، مع توقعات بأن تتسع الضربات بالمساحة والاستهداف. ومما تابعناه في زيارة المبعوثة الأميركية مورغان اورتاغوس، فإن كل شيء معلق بنزع السلاح: الدعم وإعادة الإعمار لا بل “الشراكة” مع أميركا.
2- كيف اثرت الاحداث في فلسطين وسوريا على المرحلة السياسية الجديدة في لبنان واين موقع لبنان حاليا على الساحة الدولية؟
عندما لا يكون عندك الا جارين، فلسطين المحتلة (إسرائيل) جنوبا وسوريا شرقا وشمالا، فلا مفر من تأثرك بشكل مباشر بما يحصل هنا وهناك. وفي وقت تتمادى فيه إسرائيل في حربها على الفلسطينيين بهدف شطب القضية الفلسطينية من الأجندات الإقليمية فإن لبنان، الذي يعتبر ساحة لجوء قديمة للفلسطينيين، سيتضرر حكما مع إنعدام أي رؤية بشأن الحفاظ على حق العودة للفلسطينيين، بينما يتم تهجير الملايين منهم مجددا، إذ يبدو خطر “التوطين” أشبه بالقدر الذي لا مفر منه. أما شرقا وشمالا وعلى امتداد مئات الكيلومترات من الحدود المشتركة، فإن سقوط النظام الأقلوي الأسدي وقيام الحكم الأكثري السني، وخطوط التماس الرخوة بين البلدين ستؤثر حكما على التوازن في النسيج المجتمعي، المذهبي، اللبناني، بعدما شكل النظام السوري السابق سندا أساسيا لحزب الله الشيعي.موقع لبنان حاليا على الساحة الدولية؟ للأسف نحن الآن في ثلاجة الإنتظار لحين إكتمال الصورة الإقليمية الكبرى، ونخضع لرقابة بل لوصاية مشددة لمتابعة قدرتنا وجديتنا في تلبية شرط نزع السلاح غير الشرعي.
3- المساعدات والقروض مرتبطة باصلاحات حكومية فهل يكفي عمر هذه الحكومة لانجاز الثقة والاصلاحات؟
المساعدات والقروض مشروطة بإصلاحات فعلية، ولم تكتفي الدول المانحة والصديقة بمجرد وعود، وعمر الحكومة، مهما طال أو قصر، لا يكفي إذا لم تتوفر الإرادة السياسية الحقيقية، ويجب أن يكون هناك توافق وطني على التغيير.
من الخطأ إعتبار الإصلاح سباق وقت، إنه قرار وإرادة، والشروط الإصلاحية ليست بجديدة، وإنطلقت مع باريس 1 وتكررت بباريس 2 و3 وسيدر. كان لبنان آنذاك ما بين الوصاية السورية والإيرانية، اليوم تحرر لبنان من كل ذلك، وهذا هو الفرق بين الأمس واليوم، لذلك اليوم المجتمع الدولي لم يعد يقبل بالوعود أو التجميل، بل أصبح يشترط التنفيذ قبل الدفع. يعني لم يعد هناك شي اسمه “ساعدونا لنقدر نصلّح”، صارت “صلّحوا لنقدر نساعدكم”!
4- برأيكم ما هي الاولويات لانعاش الاقتصاد اللبناني؟
الوقت ضيق ولا بيسمح بمشاريع طويلة النفس. وفي مثل هكذا وضع، الأولويات الاقتصادية الواقعية للحكومة حتى أيار 2026 يجب ان تكون مركّزة، عملية، وتحمل إشارات ثقة:
– وقف النزيف المالي: ضبط العجز، تحسين الجباية، وقف الهدر بالمؤسسات العامة (خاصة الكهرباء).
– إطلاق إصلاحات أساسية: مثل إقرار قانون عودة الإنتظام الى القطاع المصرفي، تعديل قانون السرية المصرفية، والمباشرة بتنفيذ خطة لإعادة الخدمات الى القطاع العام.
– تحسين الشفافية والحوكمة: عبر تفعيل مؤسسات الرقابة، ونشر التقارير المالية بشكل منتظم.
– إعادة تفعيل المفاوضات مع صندوق النقد: بهدف الوصول لاتفاق نهائي، حتى لو كان غير كامل، ولكنه يكون البداية.
– تثبيت حد أدنى من الحماية الاجتماعية: شبكات أمان للفئات الأضعف، عبر برامج مدعومة من جهات مانحة، وقد يكون هناك إمكانية للتعاون بين القطاع العام والخاص – المؤسسات الغير حكومية (NGOs).
– تعزيز الثقة: ليس فقط عند المجتمع الدولي، بل أيضاً عند اللبنانيين، من خلال قرارات جدية، حتى ولو لم تكن شعبوية.
– وأتمنى وأطلب من مجلس الوزراء العمل بجدية وشفافية على إنتاج مشروع الموازنة العامة للعام ٢٠٢٦ بشكل متوازن ويلبي طموحات الوطن والمواطن.