Lebanon On Time –
إستضافت رابطة الجامعيين في الشمال وفي مقرها بطرابلس الكاتب الدكتور خالد جمال في ندوة بعنوان “الشرق الأوسط الجديد” في إطار رسالة الرابطة الهادفة إلى التفاعل مع المجتمع المحلي للعام الحادي والستين وتعزيز الحركة الثقافية والأدبية ونشر مفاهيم المواطنة وتغليب لغة الحوار والمعرفة.
الحسامي
وجاء في مقدمة الكلمة التي ألقاها رئيس الرابطة الأستاذ غسان الحسامي بحضور حشد من الهيئات الثقافية والفكرية والأدبية وأعضاء الرابطة ومهتمين. ندوة اليوم وهي الثانية لموسمنا الثقافي بعنوان: “الشرق الأوسط الجديد” يقدمها الدكتور خالد جمال، عنوان ضخم لحيّز جغرافي كبير من سوء قدره أنّ معظمه واقع على فالق كارثي دائم الحروب والإضطرابات منذ قيام الكيان الغاصب، أطلق الغرب عليه إسم “الشرق الأوسط” تم ترتيبه أو تقسيمه الجيوسياسي عقب الحرب العالمية الأولى (1914-1918) وإنهيار الدولة العثمانية.
وتابع: لعلّ أشهر من تبنى مصطلح الشرق الأوسط الجديد كانت وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأميركية كوندوليزا رايس إبان الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2006.
د. جمال
وإستهل المحاضر الدكتور خالد جمال كلمته قائلا: قبل التطرق إلى عنوان هذه الندوة، والذي هو “الشرق الأوسط الجديد”، لا بد من تعريف منطقة الشرق الأوسط جغرافياً، ومن ثم الحديث عن أوضاعها الاقتصادية، و البحث في تاريخها الحديث قبل أن نختم بتعريف الشرق الأوسط الجديد وإمكانية تحققه.
فمنطقة الشرق الأوسط تقع على تقاطع الطرق بين القارات القديمة الثلاث: آسيا، إفريقيا، وأوروبا، لذا فهي تكتسب مكانة مميزة، إذ إنها تقع على دروب الفيلة أو فالق الزلازل. فكل من أراد يوماً أن يعبر بين هذه القارات كان لا بد له أن يمر عبر المنطقة، وهي نفسها منطقة مليئة بالتاريخ القديم وخاصة أنها مهد الديانات التوحيدية الثلاث، مما يجعلها مرغوبة ومطلوبة. أما الدول التي تدخل في منطقة الشرق الأوسط فهي: مصر، فلسطين، إسرائيل، لبنان، سوريا، العراق، الأردن، المملكة العربية السعودية، الكويت، البحرين، قطر، الإمارات العربية المتحدة، سلطنة عمان، اليمن، ويضاف إليها إيران وتركيا، وفي بعض الأحيان يتم إضافة أفغانستان وباكستان.
وأشار أن في منطقة الشرق الأوسط قدرات مائية هائلة، فهي على احتكاك مع بحور:الأبيض المتوسط، مرمرة، البحر الأسود، الميت، الخليج العربي، بحر العرب، المحيط الهندي، الأحمر، قزوين. كما تحتوي على بحيرة طبريا وعدد هائل من الأنهار، أكبرها النيل، ثم دجلة والفرات، بالإضافة إلى مئات الأنهارالصغيرة والمتوسطة. وفي هذه المنطقة يقع مضيقا البوسفور والدردنيل، ومضيق هرمز، ومضيق باب المندب، وقناة السويس، وخليج العقبة.
وأوضح أن منطقة الشرق الأوسط تتميز بالكثافة السكانية، وخاصة في دول مثل: مصر، إيران، تركيا، العراق، سوريا، ولبنان. ويمتاز سكانها بأن أغلبهم من الفئة العمرية الشابة. كما تتميز المنطقة بالتجمعات البشرية الضخمة،وتتمتع بثروات طبيعية هائلة، ويكفي أن نذكر مخزون الطاقة الأحفورية من النفط والغاز في دول مثل: السعودية، قطر، الإمارات، العراق، وإيران، حتى ندرك مدى تأثير هذه المنطقة عالمياً.ومع ذلك تحاول هذه الدول تعزيز الاقتصادات البديلة والطاقة المتجددة، خاصة في دول مجلس التعاون الخليجي. وقد برزت هذه الدول بنشاطات متميزة في السياحة، مثل: مصر، تركيا، والإمارات، دون أن ننسى التطور الهائل في هذا القطاع في السعودية وقطر التي استطاعت أن تستضيف كأس العالم الأخير لكرة القدم.
وقال الدكتور جمال: نحن أمام منطقة غنية بكل ما يلزم لتحيا بشكل سلمي وبناء ومتعاون، فما الذي حدث، ولماذا كل هذه المآسي؟ علينا أن نعود الى الوراء قليلاً في التاريخ، لنقف عند محطات فيه، كي نعلم لماذا وصلنا إلى هذه الحال.
وتناول المحاضر المحطات التاريخية التي من المفيد التوقف عندها لفهم الوضع الحالي هي: مرحلة محمد علي باشا في مصر والمنطقة (من عام 1805 إلى 1845).وما تم إنجازه من تقدم في سائر القضايا التي شهدت تطورا لاسيما الزراعة والصناعة والاقتصاد والعلوم، ثم حاول السيطرة على المنطقة لولا التدخل السافر للأوروبيين، وهو ما يتحدث عنه المفكر ياسين الحافظ، الذي أطلق تسمية “الفوات التاريخي” على تلك الحقبة التي كان من الممكن أن تغير تاريخ المنطقة.
كما تناول المحاضر ظروف الحرب العالمية الأولى، التي انضمت فيها الإمبراطورية العثمانية إلى دول المركز، ثم أدت خسارتها للحرب إلى احتلالها وتقسيمها. واتفاقية سايكس- بيكو وتقسيم المنطقة بين البريطانيين والفرنسيين.فإتفاقية سايكس- بيكو هي اتفاقية سرية تم توقيعها في مايو 1916 بين المملكة المتحدة وفرنسا، مع دعم من روسيا، خلال الحرب العالمية الأولى.
وإستعرض التقسيمات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط في أعقاب تلك المراحل حيث خضعت معظم المناطق المستحدثة لسيطرة العثمانيين والبريطانيين والفرنسيين.
وأسفر وعد بلفور عن إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين وما ترتب عليه لاحقاً من حروب ونزاعات.ونص “الوعد”كان كالآتي: “تنظر حكومة صاحب الجلالة بعين العطف إلى إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل ما في وسعها لتسهيل تحقيق هذا الهدف.”
ويُذكر أن أهمية وعد بلفور: كان خطوة مهمة نحو تحقيق أهداف الحركة الصهيونية التي كانت تسعى إلى تأسيس وطن لليهود في فلسطين.وبعد الحرب العالمية الأولى سيطرت بريطانيا على فلسطين بموجب الانتداب البريطاني، الذي استمر من 1920 حتى 1948.وأعقب ذلك الحرب العالمية الثانية، وما أدت إليه من انتقال للنفوذ العالمي إلى الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، وفي غضون ذلك تم إعلان دولة إسرائيل عام 1948.
وتحدث المحاضر عما شهدته المنطقة من حروب متعاقبة (1948، 1956، 1967، 1973، 1982).
وقال: الحروب العربية الإسرائيلية هي سلسلة من النزاعات العسكرية التي دارت بين إسرائيل وعدد من الدول العربية منذ قيام دولة إسرائيل في العام 1948. هذه الحروب كانت تمثل صراعًا طويلًا ومعقدًا على أرض فلسطين والأراضي المجاورة لها، وشهدت تغييرات كبيرة في التوازنات السياسية والحدود في المنطقة.
وتابع : كانت النتيجة انتصار كبير لإسرائيل، حيث تمكنت من احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة من الأردن، واحتلال سيناء من مصر، وهضبة الجولان من سوريا. كانت هذه الحرب نقطة تحول رئيسية في الصراع العربي الإسرائيلي. فحرب 1973 (حرب أكتوبر)والسبب: رغبة مصر وسوريا في استعادة الأراضي التي خسرتها في حرب 1967، خصوصًا سيناء والجولان.والنتيجة: رغم المفاجأة التي أحدثها الهجوم العربي في البداية، إلا أن إسرائيل تمكنت من صد الهجوم واستعادة بعض المناطق، ثم انتهت الحرب بوقف إطلاق النار بعد تدخل دولي. وكانت هذه الحرب بداية لمسار السلام في المنطقة، حيث أدت إلى مفاوضات بين مصر وإسرائيل لتبرز عقب ذلك اتفاقية كامب ديفيد (1978-1979).
وتوقف المحاضر بشكل خاص عند ثورة 23 يوليو 1952 في مصر التي كانت حدثًا محوريًا في تاريخ البلاد وقامت بها حركة الضباط الأحرار بقيادة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وهي مجموعة من الضباط العسكريين الشبان الذين كانوا غير راضين عن الوضعين السياسي والاقتصادي في مصر، ويشعرون بأن الحكم الملكي بقيادة الملك فاروق كان فاسدًا وغير قادر على تحسين حياة المواطنين.
وبشأن الأسباب الرئيسية للثورة فيحددها بالفقر والبطالة: كان الكثير من المصريين يعانون من ظروف اقتصادية صعبة، ومن ارتفاع معدلات الفقر والبطالة بفعل الفساد السياسي، والنظام الملكي كان يعاني من فساد إداري، وكان هناك تزايد في النفوذ البريطاني داخل مصر.فالاحتلال البريطاني: رغم أن مصر كانت قد حصلت على استقلال جزئي في 1922، إلا أن بريطانيا كانت لا تزال تسيطر على قناة السويس وتدير أمورها العسكرية والسياسية.
وتناول المحاضر هزيمة 1948: الهزيمة العربية في حرب فلسطين التي كان لها تأثير كبير على صورة الملك والحكومة المصرية والتغييرات الكبيرة في المنطقة بعد عهد الجيوش ووصول حزب البعث إلى الحكم في كل من سوريا والعراق في ستينات القرن الماضي إلى إحتدام الحرب الباردة وسياسة الأحلاف كحلف بغداد.
وبشأن التطورات ما بعد الثورة وتأثيراتها فيقول: أدت الثورة إلى تغييرات كبيرة في إيران والعالم. فداخليًا، أصبحت إيران دولة إسلامية ذات طابع سياسي وديني، وأصبح دور رجال الدين في السياسة محوريًا. أما على الصعيد الدولي، فقد كانت الثورة الإسلامية ضربة قوية للهيمنة الغربية في المنطقة، وأثرت على العلاقات الدولية بشكل كبير، خصوصًا مع الولايات المتحدة والدول الغربية.
كما ألهمت الثورة الإسلامية حركات إسلامية أخرى في المنطقة، وأسهمت في صعود التيار الإسلامي في بعض البلدان. في المقابل واجهت إيران تحديات كبيرة بعد الثورة، بما في ذلك الحرب مع العراق (1980-1988) والعقوبات الدولية المستمرة.
وخلص إلى: ان الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 كانت نقطة تحول محورية في تاريخ البلاد والمنطقة.كما انالإطاحة بنظام الشاه وتأسيس الجمهورية الإسلامية شكل نقطة فاصلة في السياسة الإيرانية وأدى إلى تحولات عميقة في الحياة السياسية والاجتماعية والدينية في البلاد. ومنها
– دخول الجيش السوفيتي إلى أفغانستان في نفس العام (1979).
– حروب الخليج الثلاثة، والتي انتهت بسقوط حكم البعث في العراق ومقتل صدام حسين.
– حرب الخليج الثانية، التي مهدت لمؤتمر مدريد، ومن ثم اتفاق أوسلو عام 1993.
– خروج الاتحاد السوفيتي مهزوماً من أفغانستان عام 1989.
– سقوط جدار برلين في نفس العام (1989).
– سقوط جدار برلين في 9 نوفمبر 1989 كان حدثًا تاريخيًا محوريًا في نهاية الحرب الباردة وأدى إلى توحيد ألمانيا. الجدار الذي تم بناؤه في العام 1961 كان يفصل بين برلين الشرقية، التي كانت تحت السيطرة السوفيتية، وبرلين الغربية، التي كانت تحت السيطرة الغربية، وكان يُعتبر رمزًا للانقسام بين المعسكرين الشرقي والغربي.
وفي ذلك الوقت، كانت ألمانيا مقسمة إلى دولتين بعد الحرب العالمية الثانية: ألمانيا الشرقية (الاشتراكية) تحت النفوذ السوفيتي، وألمانيا الغربية (الرأسمالية) التي كانت مدعومة من قبل القوى الغربية. الجدار كان يهدف إلى منع الألمان الشرقيين من الهجرة إلى الغرب.
ففي أواخر الثمانينيات، بدأ الاتحاد السوفيتي، بقيادة ميخائيل غورباتشوف، في تنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية مثل “البيريسترويكا” (إعادة البناء) و”الغلاسنوست” (الانفتاح)، مما خلق مساحة أكبر للحريات السياسية في الدول التابعة له…
وتابع:لقد وجّه نجاح الثورة السورية في طرد الإيرانيين من سوريا ضربة قاصمة للمشروع الايراني، والحديث عن سوريا طويل، ولا نعلم بعد إلامَ ستؤول الامور، لكن القيادة الحالية في سوريا (وتحديدا احمد الشرع) تبدو متزنة وهي تحاول بناء سورية جديدة وعدم الدخول بأي مغامرات، ويكفي ان تغيير نظام آل الاسد هو بحد ذاته شرقاً أوسطَ جديداً، إذ ان سوريا هي العمود الفقري له.
وفي لبنان تم انتخاب رئيس جديد للجمهورية، بعد انقطاع دام اكثر من سنتين، وتم تكليف رئيس لتشكيل حكومة جيدة، فيما رئيس الجمهورية المنتخب ورئيس الحكومة المكلف لا يمتان بصلة الى ما يُسمى محور المقاومة، وكان مضمون خطاب القسم مختلفًا في الجوهر عما كان متبعا لسنوات طويلة سابقة. أما ما يظهر على وجه خامنئي فهو التوعد والتحريض دون أي أمل.
ونضيف هنا الى المشروع التغييري الكبير، ما يجري في السعودية، من حيث النهج والبرامج والطرق المتبعة في الحكم.
نسأل، هل سيكون لمدينتنا الحبيبة دور في هذه التغييرات، على الأقل من الناحية الاقتصادية، وخاصة بعد التعديلات التي جرت على المرفأ، وامكانية تشغيل مطار القليعات، وأحيلكم الى قول لأحد المهندسين البريطانيين في فترة الانتداب، إذ قال: ارم الحجر في كركوك يصل لوحده الى طرابلس، والمهندسون يعرفون قيمة الانسياب البري في المواصلات.
وتساءل:لكن هل يتحقق “الشرق الأوسط الجديد”؟
لقد تكوّن لدي انطباع بأن هذا المفهوم هو أشبه ما يكون بأسطورة سيزيف اليونانية، حين عاقبته الآلهة على شروره وأمرته بدفع الحجر الكروي إلى قمة الجبل، لكن في كل مرة كان يصل فيها إلى القمة كان الحجر يتدحرج إلى الأسفل، ليبدأ سيزيف المحاولة مجددًا… وهكذا إلى الأبد.