جريدة الكترونية تأسست
1/1/2015
الرئيسية / أبرز الأخبار / أزمة الجنوب اللبناني: عجز الدولة بين تحديات الحوكمة وتداعيات الصراع
images (8)

أزمة الجنوب اللبناني: عجز الدولة بين تحديات الحوكمة وتداعيات الصراع

خاص Lebanon On Time _ خالد أبو شام

تُظهر الاستجابة البطيئة والضعيفة للدولة اللبنانية في التعامل مع تداعيات الحرب في الجنوب أزمة هيكلية تتجاوز السياق الراهن، وتعكس تحديات عميقة في البنية الإدارية والسياسية، ففي الوقت الذي كان يُنتظر من الدولة أن توفر الحماية والمساعدات الأساسية لمواطنيها، برزت نقاط ضعف متعددة ساهمت في تعميق معاناة السكان المحليين، إذ لم تظهر الدولة خطط طوارئ واضحة أو جاهزية للتعامل مع النزوح الجماعي أو القصف المتكرر، على الرغم من الطبيعة التاريخية للصراعات في جنوب لبنان، حيث بقيت البنية التحتية والخدمات الأساسية غير مؤهلة لتحمل تداعيات أي تصعيد عسكري جديد. هذا القصور أدى إلى انهيار سريع في توفير المساعدات الإنسانية والاستجابة للأزمات.

فاقمت الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعيشها البلاد الوضع بشكل كبير، حيث تراجعت قدرة الدولة على تخصيص الموارد اللازمة لإغاثة النازحين وإعادة إعمار المناطق المتضررة، وبدا الاعتماد المفرط للدولة على المساعدات الدولية والمنظمات الإنسانية بدلاً من تعزيز الموارد الذاتية ما أدى بصورة واضحة إلى إضعاف السيادة الوطنية، وأظهر عجز القيادة السياسية عن استقطاب الدعم الخارجي بشكل استراتيجي وفعّال.
في هذا السياق، برزت الانقسامات السياسية الداخلية كعقبة إضافية، حيث عرقلت الخلافات بين الأطراف اللبنانية المختلفة اتخاذ قرارات موحدة وحاسمة، وبدلاً من التركيز على معالجة تداعيات الحرب، تحولت الأولويات إلى مناورات سياسية ضيقة تخدم مصالح حزبية، مما أدى إلى تعطيل الجهود المبذولة لتحسين الوضع الإنساني في الجنوب.

على الصعيد الأمني، ساهم استمرار العمليات العسكرية التي تنفذها إسرائيل وحزب الله في تعقيد الوضع، حيث بدا واضحًا غياب قدرة الدولة على ضبط هذه العمليات أو فرض خطوط حمراء تمنع التصعيد مع إسرائيل، مما أضعف دور الدولة كضامن للاستقرار في المنطقة. إلى جانب ذلك، فشلت الحكومة في التواصل مع السكان المحليين في الجنوب، ما أدى إلى تعزيز شعورهم بالتهميش، وزاد انعدام الشفافية بشأن خطط الإغاثة أو إعادة الإعمار من الفجوة بين الحكومة والمواطنين وأسهم في تقويض الثقة بمؤسسات الدولة.

إن تقصير الدولة اللبنانية في مواجهة أزمة الجنوب ليس نتيجة أحداث راهنة فحسب، بل هو انعكاس لأزمات بنيوية في الإدارة والسياسة والاقتصاد، وإذا لم يتم العمل على إصلاح شامل يعالج هذه الجوانب، فإن التحديات المستقبلية ستزداد تعقيدًا، وستتعمق الهوة بين الدولة ومواطنيها، حيث يتطلب الحلّ رؤية استراتيجية تعزز الحوكمة الوطنية وتدمج بين الاستجابة الإنسانية والتنمية المستدامة، مع ضمان الشفافية والمساءلة كركائز أساسية لاستعادة ثقة المواطنين.