خاص Lebanon On Time _ خالد أبو شام
لم يزل نمط التسوّل المعتاد يفرض نفسه كل فترة في ملف الكهرباء لإثارة شفقة بعض الدول حتى ترسل إلينا شحنة فيول لتنقذنا من العتمة كل بضعة أشهر ينفد فيها المخزون، ويقف البلد على رجل واحدة يصرخ في وجه الظلام، لا سيما في هذه الأشهر اللاهبة من السنة _ والتي يا سبحان الله _ لا تنفد الشحنة إلا خلالها، وكأنه أمر مقصود لتعذيب الناس في هذا الحرِّ الشديد.
إنه لأمرٌ مخزٍ كل فترة أن يقف لبنان مستعطفًا مَنْ يحنّ على شعبه بشحنة فيول لإنتاج ساعتي كهرباء في اليوم، في وقت وصل فيه العالم لمستوى غير مسبوق في العلم والتكنولوجيا والصناعات والتطور، وصار موضوع الكهرباء في العالم تحصيل حاصل، ومن الأمور التي لا يمكن التكلم فيها أو طرحها للنقاش، بل إن أفقر دول العالم اليوم، وتلك التي تعاني من الحروب لا تنقطع فيها الكهرباء، إلا في لبنان سويسرا الشرق، الذي جعل منه سياسيوه أضحوكةً بين الأمم، يعيش اليوم في سنة ٢٠٢٤ على ساعتي كهرباء يوميا، دون أن تشعر الطبقة الحاكمة فيه بأي خجل بعد صرف أكثر ٤٠ مليار دولار على هذا الملف المضحك، مما يُظهر بلا أي مجال للشك مستوى الفساد المتعشعش في الدولة، وحجم السرقات والسمسرات على بواخر الفيول طوال عقود من الزمن بين سارق وساكت عن السرقة، متدرّعين بجملة واحدة عند المحكّ ” ما خلّونا”.
وعلى مسافة واحدة أيضًا، يتحمل قسم من الشعب اللبناني ما يجري في ملف الكهرباء نتيجة التعدي على شبكات الكهرباء والتهرّب من دفع الضرائب التي بدورها تؤثر على ميزانية الكهرباء وتُضعف عملية الجباية، ناهيك عن الصرف غير المسؤول والتبذير الحاصل لدى بعض المواطنين الذين يسرقون الكهرباء من الأسلاك العامة بشكل مباشر، ويُسرفون في استهلاك الطاقة في غير حاجة، مما يؤدي إلى الضغط الكبير على المراكز في بعض المناطق، وبالتالي يسبب في إحداث أعطال جسيمة في خزانات الكهرباء، أو انفجارها في بعض الأحيان وحرمان المنطقة كلها من الكهرباء لأيام وربما لأسابيع، وهذا ما رأيناه في العديد من المناطق، ما يعكس صورة قسم من الشعب اللبناني غير المنظّم ولا المنضبط، ويؤكد أن بعض اللبنانيين شركاء السلطة في عملية الفساد.
إن الأمر الأعظم من السرقة الجليّة في ملف الكهرباء هو ما تم تداوله مرة تلو المرة من قيام بعض الدول بالتكفل الكامل بإنشاء معامل كهرباء عصرية قادرة على إنتاج ٢٤ ساعة كهرباء مستدامة بتكاليف قليلة جدا، والتي كانت آخر هذه العروضات مبادرة دولة قطر منذ أشهر متعهدةً بإنشاء ثلاثة معامل على الطاقة الشمسية مجانا في لبنان، إلا أنَّها لم تتلقَ أي ردّ رسمي حول الموضوع، بل لم يكن ليعلم الشعب اللبناني بهذا العرض لولا خروج وزير الاقتصاد عن صمته والإفصاح عن هذه المبادرة التي نحن بحاجة ماسة لها، وكذلك تم لفلفة الموضوع وكأن عرضًا لم يكن، لأنه إذا تم تأمين الكهرباء المستدامة للبنان كيف سيستطيعون السرقة والسمسرة من وراء بواخر الفيول إذًا، ما يؤكد أن الوضع كارثي جدا، وأن لا مشكلة ستحلّ في لبنان طالما موجود هكذا حكام على رأسه!