خاص Lebanon On Time – جوزاف وهبه
حين تموت الصحافة، يموت إدوار الزغبي.وحين يموت إدوار الزغبي، تموت الصحافة.هكذا هي المعادلة، بهذه البساطة وبهذا الوضوح.إنّه من “الجيل الأبيض الناصع”، جيل الكتابة بالقلم الرصاص، وبالكلمة التي تصيب كالرصاص عندما تتحوّل إلى حبر على ورقة، وإلى حروف سوداء فوق صفحات جريدة “النهار”، جريدة الكائن المختلف الراحل غسّان تويني، الخارج من فم التنّين أو من رحم التراجيديا اليونانيّة الغاضبة.
كان “ديك النهار” في الشمال مع الراحل نجيب اسكندر، ومع الحاج نعيم عصافيري أطال الله بعمره.هو من زمن كان فيه كلّ صحافي ديكاً فوق أوراق جريدته.لم يكن آنذاك من فرصة لمن يتلاعبون بالفكرة أو القول الجريء أو الصورة المشاكسة.كان، كباقي زملائه في هذه المهنة المعقّدة المتشابكة، يمارس جهداً لا محدوداً كي يصل إلى الخبر، وكي يصل الخبر إلى الناس بمهنيّة عالية واحتراف النسر الذي ينقضّ على فريسته بكلّ ثقة أنّه لا بدّ أن يصطادها!
في جعبة الزميل الراحل، الذي قضى آخر أيّامه مع حفيده الصغير بين الحقل والكلمة الطريفة، تاريخ حافل من اللقاءات مع كبار رجالات السياسة، وفي جعبته بالتأكيد الكثير من الأسرار التي يحرص عليها الصحافي المتمرّس، كما يحرص الكاهن على سرّية اعتراف مؤمن، ولو باح بالخطيئة الأصليّة.
عرفته قليلاً، ولكنّني احترمته وأحببته كثيراً.يؤلمني رحيله، ويؤلمني أكثر أنّ صنّاع مهنة الصحافة الجارحة الراقية الصافية كماء سلسبيل، إنّما ينسحبون، الواحد تلوَ الآخر، بصمت لا يتماهى مع تاريخهم الصاخب الذي كان “مالئ الدنيا وشاغل الناس”.
إدوار الزغبي صحافيّ أنيق، يستحقّ سفرة الدار.يستحقّ المقعد الأوّل.يستحقّ الإطراء والشكر على ما كتبه، وعلى ما لم تسمح الأيّام فرصة كتابته.قال الكثير، ولكنّ نبعه لا ينضب.كان يمكن له أن يقول أكثر وأكثر..ولكن ما كلّ ما يتمنّى الصحافيّ يدركه!
سلام إليك أيّها الزميل اللامع.سلام إلى روحك المتّقدة.سلام إلى قلمك الذي تقاعد..ولم ينكسر.سلام إليك يا “إدوار..”!