خاص Lebanon On Time – جوزاف وهبه
كيف يمكن ل “جثة” أن تحكم بلداً، إذا لم يتحوّل هذا البلد الى مقبرة مفتوحة..وهو ما بات ينطبق قولاً وفعلاً على البلد المسمّى لبنان، والذي عبّر عن أحواله الرئيس السابق ميشال عون بقوله عن التمديد لقائد الجيش جوزيف عون بأنّه “لن يمرّ إلّا على جثّتي”.صحيح أنّ مكتبه الإعلامي قد عاد ونفى حرفيّة القول، ولكنّه أكّد على صوابيّة رفض التمديد!
وفي ذلك، سرعان ما لاقاه حزب الله، ما جعل جلستي مجلس الوزراء تغضّان النظر عن الفراغ الممكن حصوله في قيادة الجيش، وهو ما يمكن أن يؤدّي تلقائيّاً الى “موت” آخر المؤسسات الفاعلة في البلد، أي مؤسسة الجيش:جيش الدولة ومقاتلو الدويلة لا يلتقيان..إلّا على جثّة الوطن.أوليس ذلك ما هو حاصل على جميع المستويات الإقتصادية والمالية والسياسية؟
قرار السلم والحرب في قبضة المقاومة الإسلامية التي باتت تتّسع، بحكم الحاجة، الى فرقاء آخرين كقوّات الفجر (الجماعة الإسلامية) وحركة أمل (تصوّروا بلداً لرئيس مجلسه النيابي ميليشيا تعمل من خارج إمرة الدولة، ومن ضمن إمرة الدويلة!) وحركتي حماس والجهاد الفلسطينيتين، حيث يضطرّ الحزب للسماح لهما، بين الوقت والآخر، ببعض العمليات الإستعراضية (إطلاق رشقات من الصواريخ غير الذكيّة) وذلك للتعويض عن التقصير في التزامه الصادق بشعار “وحدة الساحات” الذي تدفع ثمنه، وحيدة، غزّة وشعبها المشرّد من الشمال الى الجنوب، ومن الجنوب الى صحراء سيناء وبادية النقب وربّما باقي أصقاع الأرض!
منذ عملية “طوفان الأقصى” (رغم بطولة مقاتلي القسّام الأسطوريّة، ورغم انكسار صورة الجيش الذي لا يقهر، ورغم حجم الخسارة التي أصابت الكيان الصهيوني)، وقطاع غزّة يتحوّل الى ركام من الحجر والبشر، حيث المستشفيات (وآخرها مستشفى الشفاء) تستصرخ ضمائر العالم بأنّه لم يعد هناك من مكان لدفن الجثث (شهداء من كلّ الأعمار، من المسنّين الى الأطفال الخدّج)، أي أنّ غزّة التي تتسع لمليوني مواطن قد تحوّلت الى جثّة، بالرغم من شارات النصر التي يرفعها بعض الممانعين:فكيف يمكن لكائن حيّ أن ينتصر بلا ماء ولا غذاء ولا كهرباء ولا دواء.كلّ عناصر الحياة قد اختفت في شهر واحد:تُرى من استطاع أن يبهر العالم بشبكته العنكبوتية من الأنفاق، أما كان قادراً أن يبني الملاجئ كي يحتمي الناس من هول الطائرات والدبابات والصواريخ والقذائف؟ للعلم والخبر، (وليس لإضعاف الروح الوطنية كما يدّعي غلاة الممانعة الذين يجهدون في كمّ الأفواه، كما فعلت المحكمة العسكرية مع الإعلامية ليال الإختيار العاملة في تلفزيون “العربيّة”)، أنّ العدو الإسرائيلي قد أعدّ مليون ملجأ لحماية شعبه من الصواريخ، فيما نحن نكتفي بتعداد الشهداء بالآلاف، وكأنّه قدر لا مفرّ منه أن يموت هذا الشعب العربي، من الشام الى اليمن والسودان وليبيا..وغزّة والضفّة الغربية ولبنان!
ومنذ “إتّفاقية مار مخايل” لا يزال الثنائي نصرالله – عون يقودان هذا البلد الصغير الى التهلكة، تارة باسم استرداد مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وطوراً في الطريق القدس (75 شهيداً كطرابين الحبق..)، وأحياناً كثيرة باسم “الدفاع عن حقوق المسيحيين”.هذه الإتفاقية قد حوّلت البلد الى “مقبرة مفتوحة” من الشهداء والنازحين والمهاجرين جوّاً وبحراً بحثاً عن وطن يقلّ فيه الموت وتكثر فيه الحياة!
من جديد “جثّة” تحكم بلداً:كيف يمكن لنا أن نبقى في بلد تحكمه جثّة بالتكافل والتضامن مع من يستسهلون الموت كأصغر جندي في جيش المرشد الأعلى؟