خاص Lebanon On Time – جوزاف وهبه
لا أحد في العالم يمكن له أن يكون يستعجل إنتهاء الحرب في غزّة بقدر ما تستعجله القيادة الإيرانية:فما يأتي يمكن له أن يقلب نتائج ما مضى رأساً على عقب..ما معنى ذلك؟
يٌجمع جميع المراقبين أنّ المستفيد الأوّل والأكبر من عملية “طوفان الأقصى” هو طهران دون منازع.فقد قطفت القيادة الإيرانية ما تتمنّاه من ثمار:
-إسقاط التطبيع الجاري بين دول الخليج وإسرائيل وبالأخصّ بعد تسارع الخطى مع المملكة العربية السعودية.
-توجيه ضربة غير مسبوقة الى غطرسة الجيش الإسرائيلي الذي لا يُقهر، حيث تمكّن مئات المقاتلين الفلسطينيين من إختراق الجدار الأمني، واحتلال العديد من المستوطنات، وقتل وجرح وأسر آلاف الإسرائليين.ويضاف الى ذلك، تمكّن معظم هؤلاء المقاتلين من الإنسحاب مع رهائنهم الى قواعدهم سالمين!
-تحقيق هذا النصر بفصيل سنّي جهادي، ما أعطى القيادة الشيعية في طهران دفعاً وجدانيًا كبيراً في الشوارع السنية والإسلامية، نظراً لأهميّة القضية الفلسطينية في الوجدان العربي والإسلامي.
وباتت كلّ ما تريده طهران هو “الحفاظ على هذا الرصيد”.ولكن الصراع لا يُدار من دفّة واحدة.فقد سارعت إسرائيل الى لملمة فضيحتها الأمنية العسكرية السياسية، وبدأت بشنّ حرب ضروس على غزّة، تتراوح بين التدمير شبه الكامل وبين التهجير من الشمال الى الجنوب، ربّما وصولاً – كما تقول القيادات الإسرائيلية – الى هدفين:الأول، معلن وهو إجتثاث حركة حماس قيادة وقاعدة..والثاني، غير معلن وهو تهجير أكبر عدد ممكن من الغزاويين الى صحراء سيناء المصرية أو النقب أو الأردن.
كما سارعت الولايات الأميركية المتحدة الى اعتبار ما جرى يشكّل خطراً استراتيجياً عليها، وخطراً وجوديّاً على دولة إسرائيل التي تعتبرها كإحدى ولاياتها الخمسين.وقد أرسلت درءً لهذه المخاطر أكبر حاملة طائرات في أسطولها البحري، معزّزة ببارجات ضخمة، كما أعلنت عن تحضير آلاف الجنود من النخبة والمارينز لمنع أيّ تدخّل إيراني في المعركة الدائرة في غزّة، أكان من خلال حزب الله اللبناني، أو كان من طهران نفسها، أو من أذرعها العسكرية في سوريا واليمن والعراق.
ماذا ستفعل إيران، وهي التي باتت أمام مفترق طرق؟
تحاول طهران أن تمارس بعض الضغوط الممكنة، إن من خلال تحمية الجبهة اللبنانية – الإسرائيلية في الجنوب (28 شهيداً لحزب الله حتى الساعة)، وإن من خلال بعض المسيّرات والصواريخ من طرف الحوثيين أو الحشد الشعبي أو الفاطميين في سوريا.ولكن ما تفعله طهران مضبوط الإيقاع، تتعامل معه واشنطن ببرودة أعصاب على اعتبار أنّه لا يمسّ الخطوم الحمراء التي رسمتها بإحضار كلّ هذه القوة المدمّرة.
ولكنّ حرب غزّة تتسارع، باتجاه ما أعلن عنه الجيش الإسرائيلي، أي الغزو البرّي ما يشكّل خطراً داهماً على وجود حماس، مهما كان مقاتلو شهداء الأقصى يملكون من شجاعة وعقيدة وأنفاق ومقوّمات صمود.الأمور تتّجه الى الحسم..فكيف ستتصرّف قيادة إيران؟
إنّ دخول حزب الله المعركة بكلّ ثقله الصاروخي والميداني سيُحسب على طهران.هي لا تستطيع أن تغسل يديها منه، كما فعلت مع “طوفان الأقصى”.وكلّ صاروخ ينطلق من أذرعها العسكرية، ستعتبره أميركا “صاروخاً إيرانياً” لا لبس في هويّته السياسية أو العسكرية.فهل تغامر وتتحدّى “الشيطان الأكبر” وفي ذلك ما تخسره من الأرباح التي حقّقتها؟ هل تكتفي بالمناوشات هنا وهناك غير مبالية بمصير غزّة وحماس، ما يجعلها تخسر ما راكمته في الشارع السنّي والفلسطيني؟
طهران التي تبدو منتصرة، لن يطول بها الأمر حتى تضطرّ للكشف عن وجهها الحقيقي:تحرير فلسطين..أو تجميع ما أمكن من الأوراق للجلوس على طاولة المفاوضات في رسم معالم الشرق الأوسط الجديد؟