لا يعرف أحد من القوى السياسية متى يحلّ «الوحي» ويُنتخب رئيس جديد للجمهورية. يسيطر الجمود على الملف الرئاسي، وتبقى الحركة مجمدة بانتظار حصول أي تطوّر خارجي يدفع الأمور نحو الحلحلة. لم يستطع الموفد الفرنسي جان إيف لودريان تحقيق أي خرق على الساحة الرئاسية. وتوقفت الأمور داخلياً بعد استطلاعه آراء الكتل. ويبحث عن حلّ في الأروقة الخارجية خصوصاً في الولايات المتحدة الأميركية وإيران، لكن حتى الساعة يبقى كل شيء معلّقاً بانتظار حصول تفاهم أميركي – إيراني وطبعاً للرياض دور كبير في العملية السياسية اللبنانية.
وينعم لبنان بصيف سياحي واعد خرقته الحادثة الأمنية في القرنة السوداء، لكن المعالجات السريعة أدّت إلى تراجع حدّة التوتر وعدم تحوّله إلى صراع مذهبي، ويبقى التركيز الأكبر على الإستحقاق الرئاسي.
ويُسجّل على الساحة الروحية والسياسية وجود تناغم بين بكركي ودار الفتوى من الملف الرئاسي إلى الصيغة وصولاً إلى طريقة معالجة أزمة القرنة السوداء ومواجهة الفتنة. والتناغم الأكبر في هذا المجال هو في ضرورة الحفاظ على الصيغة اللبنانية و»إتفاق الطائف» وحماية العيش المشترك والتمسك بالمناصفة، وهنا تقف بكركي في وجه أي إنقلاب على الدستور والقوانين، وتعتبر مسألة انتخاب رئيس جديد للجمهورية أساسية لإعادة الإستقرار وتأمين الشراكة ومعالجة الأزمة اللبنانية. لا يمكن لأحد إنكار وجود استياء مسيحي ووطني من الوضع الحالي ومن إنحلال الدولة وسيطرة «الدويلة» على القرار المركزي، وتؤكّد مصادر بكركي لـ»نداء الوطن» رفض الكنيسة لإدخال لبنان بصراعات المنطقة وضرورة خضوع الجميع لسلطة الدولة، ولا يمكن الرضوخ لأي مجموعة تستقوي بالمال والسلاح الخارجي، في حين يريد الشعب العيش بأمان ومعالجة مشاكله على الصعد كافة. وترى البطريركية أن أحد الحلول هو تطبيق «الطائف»، وأهم البنود هو اللامركزية الموسعة، فلماذا لم تطبّق حتى الساعة؟ فعند التطبيق يستطيع القيّمون على الدولة تصحيح الأخطاء.
وتلاقي دار الفتوى بكركي في نظرتها الاستراتيجية والسيادية، لكن ما هو مخفيّ رفض المرجعيات السنّية والمسيحية ومعهم المرجعيات الدرزية الإستمرار بنفس السلوك في ادارة الدولة في ظلّ اختلال موازين القوى، فلا يمكن الجلوس الى الطاولة لبحث الأمور الخلافية الكبرى وهناك فريق يجلس ويحمل مسدساً في يده ويريد فرض ما يريد ويعطّل البلد لتحقيق مطالبه وغاياته. وما يزيد من دائرة الرفض السنّي لأي بحث في الملفات الكبرى ومن بينها النظام الجديد، هو حالة التشتت والضياع بعد انسحاب الرئيس سعد الحريري من الحياة السياسية وتعليق تيار «المستقبل» عمله السياسي، وبالتالي غياب المرجعية السنّية ما جعل القرار السنّي غائباً.
وبما أن النظرة الكبرى متشابهة، تتّفق بكركي ودار الفتوى على إنهاء الشغور الرئاسي في أقرب وقت، وإذا كان البطريرك مار بشارة بطرس الراعي لا يوفر جهداً لكي يُنتخب الرئيس في أسرع وقت ممكن، فقد ظهر اهتمام مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان بهذا الملف من خلال بحثه القضية اللبنانية ومسألة الرئاسة خلال زيارته المملكة العربية السعودية، وتناول دريان الملف الرئاسي وكأن البطريرك حاضر. وتعتبر دار الفتوى أن مسألة إنتخاب رئيس هي وطنية قبل أن تكون مسيحية، والرئيس يُعيد انتظام عمل المؤسسات ويُعيد إلى الدستور هيبته، بينما تمدّد الفراغ سيقضي على المؤسسات وعلى ما تبقّى من حضور للدولة.
يدرس بعض الناشطين والمتابعين إمكانية عقد قمّة روحية من أجل الدفع إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية، لكنّ التريّث سيّد الموقف بسبب الإصرار على إنتاجية مثل هكذا قمّة، لا ان تقتصر على التقاط صورة ونشر بيان عمومي، بل يتطلب الموضوع القيام بخطوات عملية، وبالتالي يبقى التنسيق غير المعلن أهم في ظل وجود بعض المرجعيات التي لا تُشاطر بكركي ودار الفتوى رأيهما… لغاية في «نفس يعقوب» أو أكثر.
المصدر:نداء الوطن