قطاعات الكهرباء والإتصالات والطرق والمرفأ والمياه والصرف الصحي… في حالات يرثى لها
يفتح النقاش الدائر حول موازنة العام 2023، التي أعلن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أنها شبه منجزة وأنه يتم التحضير لمناقشتها في مجلس النواب، الباب واسعاً عمّا يمكن أن تتضمّنه هذه الموازنة كمحاولة من المسؤولين للخروج من نفق الإنهيار المظلم الذي يطال كافة القطاعات، وخصوصاً البنى التحتية (الكهرباء/ الإتصالات/ المياه/ الصرف الصحي/ الطرقات/ المرفأ والمطار… ) أم أنها ستكون شكلاً آخر من موازنة العام 2022 التي كانت أقرب الى دفتر «دكنجي»، هدفه الأساسي تأمين دفع الرواتب من دون الإلتفات الى أي نفقات إستثمارية لتحسين وتطوير الخدمات العامة الأساسية بما يجذب المستثمرين وينتشل قطاعات أساسية من دائرة الإهتراء والتلاشي، مع ما يعنيه ذلك من ضرر فادح يلحق بيوميات كافة اللبنانيين الفقراء منهم والميسورين، وقطاع الاعمال الذي لا يزدهر ويخلق فرص عمل كما يجب إلا بوجود بنية تحية متطورة.
الإنفاق الإستثماري متوقّف منذ سنوات طويلة
ليس جديداً القول إن النفقات الاستثمارية التي تطال البنى التحتية متوقفة في لبنان فعلياً منذ سنوات طويلة، بعدما كانت بلغت ذروتها ايام الحكومات الأولى للرئيس الشهيد رفيق الحريري، بعده جرت محاولات متعددة لزيادة الاستثمار في الكهرباء والاتصالات وغيرها من المرافق العامة والتي كانت مشروطة بتنفيذ اصلاحات، وهذا ما نصت عليه المؤتمرات الدولية التي عقدت لمساعدة لبنان خلال تعثراته المالية المتكرّرة، بدءاً من باريس 1 في 2001 وصولاً الى مؤتمر سيدر في 2018 والتي باءت جميعها بالفشل بسبب العراك السياسي الذي كان ينشب بين القوى السياسية الحاكمة بهدف تناتش المصالح والمغانم.
إنفجرت الأزمة وتفاقمت الأوضاع أكثر
وبعد وقوع الازمة يعيش اللبنانيون سنوات عجاف تضاءلت فيها الاموال المخصصة لتأهيل البنى التحتية، من كهرباء واتصالات ومياه وصرف صحي الى حد الاختفاء (حالياً يمكن إعادتها الى الحياة من خلال تنفيذ الاتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي يجلب وراءه قروضاً ومساعدات من جهات دولية أخرى)، علماً أن هذه القطاعات اكثر من ملحة لابقاء البلاد على خريطة جذب استثمارات جديدة وبالحد الأدنى للبقاء على قيد الحياة وليس على هامشها.
ما شهدناه خلال أعوام الانهيار الماضية هو تهالك هذه القطاعات الى حدّ تلاشيها، وأبرز دليل على ذلك ما حصل ويحصل في قطاع الكهرباء والاتصالات والمياه والطرقات، ولغة الارقام تظهر حجم الانهيار الحاصل في البنى التحتية، ويمكن إعطاء نماذج عنها على النحو التالي:
مياه الصرف الصحّي: تلوّث وخطر على الصحّة العامة
تبيّن آخر الدراسات الصادرة عن وزارة الطاقة والمياه في «الاستراتيجية الوطنية لقطاع مياه الصرف الصحي»، بأن معدل مياه الصرف المنتجة في لبنان تقارب 310 ملايين متر مكعب سنوياً، منها 250 مليون متر مكعب حضرية ومنزلية و60 مليوناً صناعية. وتشير الدراسة الى أن 8% فقط من هذه الكميات الضخمة تصل إلى أربع محطات تكرير لمعالجتها (صيدا، غدير، بعلبك واليمونة)، بينما مياه الصرف الصناعية لا تعالج وتصب في الأنهر والوديان والبحر.
وتبعاً للبيانات المتوفرة، هنالك 166 محطة معالجة في لبنان لا تعمل بالمطلق، أو لا تعمل بشكل مقبول، بينها أكثر من 60 محطة صغيرة متعثّرة نُفّذت على مستوى بلدي. حيث تمّ إنشاء محطات لمعالجة مياه الصرف الصحي من دون شبكات، أو شبكات للصرف من دون محطات. وكل ذلك بقروض وفق استراتيجية لم تكن شاملة أو ممنهجة وشاب الصرف الكثير من الفساد.
وكان»مجلس الإنماء والإعمار» قد نشر بياناً ورد فيه أنّ قيمة العقود المنجزة من قبله في قطاع الصرف الصحي ما بين 1992 إلى 2017 وهي حوالى 745 مليون دولار أميركي. وبأنها تشمل محطات تكرير مياه، ومشاريع لتمديد خطوط وشبكات صرف صحي وتشييد محطات ضخ، وبعض أعمال التشغيل والصيانة، بالإضافة لتكاليف الدراسات والإشراف على التنفيذ. وأكد مجلس الإنماء والإعمار أن عدد محطات التكرير المنفذة من قبله يبلغ 22 محطة تكرير من بينها 15 محطة موضوعة في الخدمة حالياً. أما المحطات السبع الأخرى فهي بانتظار استكمال الشبكات أو في مرحلة التجارب تمهيداً لوضعها في الخدمة.
وفي دراسة لمركز مهارات نيوز نشر في آذار 2022 تبيّن أنه منذ العام 1990، جرى «إعطاء الدولة اللبنانية 23 قرضاً و14 منحة بقيمة بلغت 1.5 مليار دولار»، بالرغم من ذلك تصل الى بيوت اللبنانيين مياه مختلطة مع مياه الصرف الصحي بسبب اهتراء الشبكات والتي أدت مؤخراً الى ظهور الكوليرا.
قطاع المياه: سوء إدارة ولا رغبة في أي إصلاح
نشر موقع «فاناك واتر» دراسة أكد فيها ان تمويل قطاع المياه في لبنان يعتمد إلى حد كبير على التمويل الأجنبي، ويرجع ذلك أساساً إلى غياب التمويل المحلي الكافي وسوء سياسة المياه والتخبط التشريعي وغياب الإدارة القوية للاصلاح. وتشير التقديرات إلى أنه منذ عام 1992، قد تمّ توجيه حوالى 3 مليارات دولار من الأموال الأجنبية إلى قطاع المياه. وخلال مؤتمر «سيدر» CEDRE للمانحين في 2018، قد تلقى لبنان تعهداتٍ مالية بقيمة 11,5 مليار دولار، ومن هذا المبلغ، فقد كان من المقرر تخصيص حوالى الثلث لقطاع المياه والمشاريع المتعلقة بالمياه. وفي عام 2019، كانت قد تمت الموافقة على عدة قروض يرتبط بعضها بمشاريع المياه، لكن فشلت الحكومة في اتخاذ الخطوات الإصلاحية اللازمة التي طلبها المجتمع الدولي للحصول على أموال مؤتمر «سيدر».
أما البنوك والمؤسسات والدول التي تعتبر الممولة الرئيسية فهي: البنك الدولي، بنك الاستثمار الأوروبي، فرنسا (الوكالة الفرنسية للتنمية)، ألمانيا (المؤسسة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ) وبنك الإئتمان لإعادة التنمية (KfW))، إيطاليا، اليابان، الولايات المتحدة (USAID)، الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية والصندوق السعودي للتنمية.
ويُفترض أيضاً أن يكون تمويل المشاريع المخطط لها في الاستراتيجية الوطنية المحدثة لقطاع المياه من مصادر دولية، مع تمويل مشاريع محدودة محلياً.
الإتصالات: الشبكات مهدّدة بالتوقف في أي وقت
يلمس اللبنانيون يومياً أزمة قطاع الاتصالات نتيجة التردّي الكبير في خدمات هيئة «أوجيرو» (Ogero) الحكومية والتي تتغذى منها شركتا الهاتف الخلوي «ألفا» و»تاتش» وشركات الإنترنت الخاصة لتقديم الخدمات إلى زبائنها. وتوفر أوجيرو المازوت لنحو 2100 محطة كهربائية للاتصالات، وتواجه مصاعب كبيرة في تغطية نفقاتها وتراجع قدرتها على تقديم خدمات الصيانة نتيجة شحّ مواردها.
تاريخياً، كان يعد قطاع الاتصالات ثاني أهم مورد لإيرادات الدولة بعد الضرائب وكان يلقب بـ»نفط لبنان»، وكان يرفد الخزينة سنوياً بنحو 1.4 مليار دولار، لكن الواقع تبدّل رأساً على عقب، وعانى القطاع من خسائر هائلة ظهرت بعد الأزمة ولم يعد معروفاً اليوم القيمة الفعلية لوارداته التي قد لا تغطي نفقاته. وفي تصريح لوزير الاتصالات جوني القرم «منذ نحو 3 سنوات لا يوجد أي مصاريف استثمارية في أوجيرو، ولم تشترِ الوزارة أي مولد جديد، مما يؤثر على نوعية الخدمات والقطاعات عموماً، وقال قرم: «نسعى لبلوغ حلّ قريب ولو مؤقت يمنع انهيار القطاع». ويقول احد الخبراء إن «ميزانية قطاع الاتصالات لا تسمح بالصيانة والاستثمار، مما تسبب في انهيار دراماتيكي في البنى التحتية».
لا ألياف بصرية والإنترنت يتباطأ
تجدر الاشارة الى أنه جرى تمويل مشروع تمديد الألياف البصرية على المستوى الوطني الذي أطلقته شركة أوجيرو، عبر سلفة من الخزينة قدرها 100 مليون دولار أميركي، وافق عليها مجلس الوزراء في العام 2017. وأطلقت وزارة الاتصالات وهيئة أوجيرو في حزيران 2018 المرحلة الأولى من مشروع شبكة الألياف الضوئية في لبنان، لضمان الولوج الى شبكة الانترنت بسرعة 50 ميغابايت في الثانية على الأقل، ولم يستكمل المشروع. كما يمكن الاستدلال على حالة الاهتراء الحاصل في قطاع الاتصالات من خلال احد تصريحات المدير العام لهيئة أوجيرو عماد كريدية، الذي قال إن «شبكة الهيئة لم تخضع للصيانة منذ عام 2019 أي ما يقارب الـ 4 سنوات، فضلاً عن أن الشبكة قديمة ومهترئة»، كما يشير الخبراء الى أن «الإنترنت في معظم دول العالم يتوزع عبر «الألياف الضوئية»، في المقابل لا زال لبنان يوزع الإنترنت عبر «خط الهاتف» والذي يعمل بشكل بطيء جداً. لذلك فإن المنازل التي تبعد عن السنترال تعاني كثيراً من بطء سرعة الإنترنت، وقد جرت مشاريع لتمديد شبكة الإنترنت عبر هذه الألياف لمرات عدة ولكن كانت في كل مرة تجري سرقة الكابلات».
الكهرباء: أفظع أنواع الفشل تاريخياً
لا يذكر اللبنانيون عدد خطط الكهرباء التي تمّ اعدادها من قبل الوزراء المتعاقبين على وزارة الطاقة لانقاذ القطاع ناهيك عن الخطط المقدمة من القوى السياسية، لكن الجميع يقر بأن جزءاً من الدين العام هو بسبب دعم الدولة لتغطية نفقات مؤسسة كهرباء لبنان منذ ما يقرب من 30 عاماً، الى ان حصل انهيار القطاع بالكامل في 2021 مما ترك البلاد بلا كهرباء في معظم أوقات اليوم.
في المقابل تضمن الخطة التي طرحها وزير الطاقة والمياه وليد فياض إنشاء هيئة ناظمة لقطاع الكهرباء في لبنان، وهو نفسه يماطل في ذلك، ورفع أسعار الكهرباء لأول مرة منذ 3 عقود واستثمار 3.5 مليارات دولار لتأمين الطاقة على مدار 24 ساعة بحلول عام 2026. والنتيجة اليوم هي ان 90% من كهرباء البلاد تأتي من المولدات الخاصة ولا أفق لعودة خدمات كهرباء لبنان كما يجب.
المطار: أخطأ علي حميّة وتوقّفت التوسعة
الجميع يذكر قرار تلزيم توسعة مطار رفيق الحريري الدولي خلال العام الحالي الذي تسبب بسجال يضاف إلى السجالات المتفاقمة في لبنان، إذ انقسمت الآراء بين مؤيد لمشروع إنشاء مبنى جديد للمسافرين وبين رافض للطريقة التي اعتمدها الوزير علي حمية، وبين من يطالب الحكومة العمل على إنشاء مطار آخر بدل توسعة المطار الحالي، بالاضافة الى طرح شكوك حول شبهات فساد بسبب إبرام العقد بالتراضي وتغييب دائرة المناقصات عنه، ما يفقده مبدأ الشفافية والحفاظ على المال العام بحسب مراجع قانونية، الى ان تمّ الغاء المشروع.
وكان المبنى الحالي في مطار بيروت الدولي قد افتتح عام 1998 بطاقة استيعابية قدرها ستة ملايين مسافر سنوياً، ومنذ ذلك الوقت لم تحصل أي توسعة في المطار. وفي عام 2013 تجاوزت حركة المسافرين الفعلية طاقة المطار الاستيعابية ووصلت إلى ذروتها بعدد 8.8 ملايين مسافر في عام 2018 ويتوقع أن تصل إلى 7.2 ملايين مسافر في عام 2023.
المرفأ: عجز عن تأمين 400 مليون فقط
بعد انفجار مرفأ بيروت أعدت إدارة المرفأ مخططها الذي يتضمن بناء مبان موحدة للإدارات الرسمية وإعادة إعمار محطة الركاب وتوسيع المنطقة الحرة، وقدرت كلفة هذا المشروع بنحو 400 مليون دولار، يمكن تجزئتها على دفعات وإلزام المستثمر بخدمة مقابل خدمة. المشروع بات في عهدة وزارة الأشغال لكن الى الآن لم يحصل اي تطور في هذا المرفق الهام. وقدمت شركة المانية مشروعاً متكاملاً لتطوير مرفأ بيروت والمنطقة المحيطة به بكلفة 15 مليار دولار باستثمارات عامة وخاصة، لكن المشروع دخل طي النسيان او انه كان غير ملائم للطبقة السياسية والتجارية في البلاد.
الطرق: لا صيانة والسلامة العامة بخطر
في دراسة صادرة عن وزارة النقل والأشغال أكدت ان كلفة انشاءات الطرق لـ 6700 كلم تبلغ 3 مليارات و500 مليون دولار، وان الصيانة المتوجبة محددة بنسبة 3% من كلفة الإنشاء ما يعني 105 ملايين دولار سنوياً، فيما مشروع موازنة الوزارة للعام 2022 بلغ 39 مليار ليرة فقط.
تجدر الاشارة الى ان مجلس الوزراء اتّخذ قراراً في العام 2019 مبنياً على دراسة قامت بها الوزارة، كلفت بموجبه مكاتب استشارية متخصصة وبكلفة 600 ألف دولار وأقرّت في مجلس الوزراء، وتم بموجبها تحديد كلفة التنفيذ بـ120 مليون دولار لصيانة وتأهيل الاوتوسترادات الدولية، وبعد ذلك انهارت العملة اللبنانية ولم تلزّم تلك الأعمال. وأوضح وزير النقل والاشغال علي حمية في تصريح أننا بحاجة الى 220 مليون دولار مقسمة الى 105 ملايين للقيام بالصيانة الدورية و 120 مليوناً للقيام بصيانة وتأهيل الاوتوسترادات»، مؤكداً ان «كل طرقات لبنان تعاني من موضوع السلامة العامة».
مؤتمر «سيدر»: التمويل متوفّر شرط الإصلاحات
مقابل هذا الواقع لا بد من إلقاء الضوء على أبرز ما تضمنه مؤتمر «سيدر» لجهة الاستثمار في البنى التحتية مقابل إجراء إصلاحات عاجلة في المالية العامة للدولة، وضمان صرف الأموال وفق الشروط التي وضعتها الدول والجهات الدولية المانحة والمقرضة وهي كالتالي:
رصدت فرنسا في المؤتمر قروضاً للبنان بقيمة 492 مليون دولار، مقابل اجراء اصلاحات في قطاع الاتصالات والكهرباء والنقل والمياه ومعالجة النفايات تنسجم مع التشخيص الذي وضعه صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وقدم البنك الدولي من جهته وعوداً بقيمة 4 مليارات دولار وفق أهداف، بينها مليار كانت مرصودة مسبقاً ضمن برنامج دعم اللاجئين السوريين. ومثل البنك الدولي جاءت شروط الاتحاد الأوروبي على لبنان لإقراضه.
وتعهد الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية بـ500 مليون دولار على خمس سنوات، بشرط إقرار مجلس النواب اللبناني قرضين آخرين بقيمة 180 مليون دولار لتنفيذ مشروعات تنموية في مناطق تواجد اللاجئين السوريين، وتعزيز مشاركة القطاع الخاص.
وتحدث مسؤولو البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير عن نيتهم إقراض لبنان 1.2 مليار دولار خلال 5 سنوات، بشرط تطبيق برنامج الشراكة مع القطاع الخاص. أما القروض التي تعهد بها البنك الإسلامي للتنمية وهي بقيمة 750 مليون دولار على مدى ست سنوات، فشروطها مرتبطة بتسريع إقرار قوانين قروض سابقة مع البنك عالقة في مجلس النواب اللبناني. وعلى غراره اشترط بنك الاستثمار الأوروبي الذي تعهد بـ985 مليون دولار كقرض لمدة سنتين، موافقة البرلمان اللبناني على قوانين القروض مطروحة أمامه، وهو ما يمكن اعتباره استثماراً لتسهيل موافقة لبنان على قروضٍ أخرى.
الولايات المتحدة بدورها اشترطت تعزيز سياسة النأي بالنفس ومساعدة اللاجئين السوريين لإقراض لبنان حوالى 115 مليون دولار، فيما اشترطت إيطاليا إشراك القطاع الخاص لإقراضه نحو 147 مليوناً، في حين ذهبت تركيا إلى ربط مسألة إقراضها لبنان 200 مليون دولار لمشروعات الكهرباء والنقل بأن تنفذ الأعمال شركات تركية. ومثل الآخرين، تعهدت السويد بتقديم قروض بقيمة 200 مليون دولار، مشترطةً تنفيذ مشروعاتٍ في مناطق تواجد اللاجئين السوريين، وتعزيز المساواة بين الجنسين. ومثلها فعلت بريطانيا التي حددت مبلغ 225 مليون دولار، وقسمتها إلى 169 مليوناً كقروض ميسرة، و56 مليوناً لبرنامج الإسكان والبنية التحتية التي توفر فرص عملٍ للاجئين السوريين وللمواطنين اللبنانيين.
أما الشروط الألمانية فكانت تنفيذ مشروعات مياه وتكريرها وإعادة تدويرها لإقراض لبنان حوالى 60 مليون دولار. في حين اشترطت هولندا لإقراض لبنان 245 مليوناً خلال أربع سنوات، تخصيص جزء من هذه الأموال لمساعدة تصدير المنتجات الزراعية اللبنانية دعماً لقطاعات الإنتاج اللبنانية.
المملكة العربية السعودية وقطر لم تصرحا علناً عن شروطهما، فتعهدت الأولى بقروض بقيمة 1 مليار دولار، بينما تعهدت الثانية بـ500 مليون دولار بعد انتهاء المؤتمر.
يوسف: لا بدّ من شراكات مع القطاع الخاص… والخصخصة
أمام هذا الواقع في البنى التحتية الذي يعيشه لبنان، يشرح الوزير السابق غازي يوسف لـ»نداء الوطن» أن «الانفاق الاستثماري من قبل الدولة الى الآن لم يكن مجدياً، والانفاق الاستثماري على البنى التحتية حصل في ايام الرئيس الشهيد رفيق الحريري في تسعينات القرن الماضي، وبعدها توقف الامر في كل البنى التحتية التربوية والصحية والتقنية والمطار والمرفأ، ومنذ العام 2001 لم نستطع الانفاق على اي بنى تحتية بطريقة مجدية، بالرغم من بعض الهبات والقروض التي قدمها البنك الدولي والمتعلقة بمشاريع المياه والصرف الصحي لكنها لم تستكمل».
يضيف: «عادة عندما لا يكون للدولة القدرة على الاستثمار في البنى التحتية وفي هذه المشاريع الكبرى، تدخل في شراكة مع القطاع الخاص عن طريق الخصخصة أو الشراكة. وهذا ايضاً لم يحصل منذ اقرار قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، ولم يستطع اي مستثمر ان يتقدم الى اي مشروع بنى تحتية في لبنان لأسباب سياسية كانت ولا تزال»، لافتاً الى أنه «حين تم طرح خصخصة الكهرباء تمّ اتهامنا ببيع القطاع ببلاش، وتمّ الاعداد لمشاريع شراكة بين القطاعين العام والخاص فيها ولم تتم لأسباب سياسية. فالمستثمر في القطاع الخاص ليس لديه الادوات التي تمكنه من الاطمئنان على استثماره في ظل التقلبات السياسية والامنية في لبنان، وهنا لن يخاطر أي مستثمر بالدخول كشريك مع الدولة في تطوير اي قطاع، ولذلك نرى الانهيار الحاصل في القطاعات الخدماتية والحياتية المهمة ومنها الكهرباء والمياه والاتصالات لأن هناك غياباً لأي مستثمر، ولأن الدولة اللبنانية تديرها بخسائر ولا تستطيع تقديم هذه الخدمة».
يتابع: «برأيي نحن سائرون نحو انهيار تام في البنى التحتية ما لم تقم الحكومة اللبنانية بكل جدية بالاتفاق مع صناديق الدعم الدولية لهذه المشاريع. وعليها ايضاً تنفيذ الاصلاحات المطلوبة. لن يأتي احد للدعم والاستثمار في الكهرباء مثلاً، اذا لم تشكل هيئة ناظمة ولم تضبط الاستنسابية التي تمارسها السلطات السياسية في تنفيذ المشاريع»، مشدداً على أنه «يجب القيام بهذه الاصلاحات من قبل الحكومة اللبنانية وطرحها على الصناديق الاستثمارية العربية والاجنبية كبرهان على مصداقيتها ولجذب الاستثمارات الجديدة، وسحب يدها من ادارة كل هذه القطاعات الخدماتية والبنى التحتية».
يرى يوسف أنه «يجب انتخاب لرئيس للجمهورية وتشكيل حكومة من اختصاصيين غير مسيسين ويمتلكون مواصفات توحي بالثقة لتنفيذ برنامج متوسط الامد بالنسبة للإصلاحات المطلوبة، والا لن يحصل اي تطور ايجابي في موضوع جذب الاستثمارات لأن الدول الداعمة لا تعطي ضمانة بالتمويل، الا اذا لمست أن هناك اصلاحات وان المسؤولين عن تنفيذها هم اشخاص يحظون بثقة وعلم ومعرفة، عندها فقط يحصل خلاص للبنان».
ويختم: «الحكومة ليست قادرة من خلال مداخيلها المتدنية على الاستثمار في البنى التحتية التي تنهار حولنا، ولذلك الطريقة الوحيدة لاعادة بناء هذه القطاعات هي اعادة جذب هذا الاستثمار الخارجي وصناديق الدعم، مثل الصندوق العربي الاسلامي وصندوق الاتحاد الاوروبي. وهذا الامر لن يتمّ الا اذا كانت هناك خطة اصلاحية واضحة من دون تدخل سياسي في عمل هذه الصناديق».
بدارو: لزيادة الضرائب وجعلها تصاعدية
من جهته يوضح الاقتصادي روي بدارو لـ»نداء الوطن» أن «كلفة رواتب القطاع العام مليار دولار سنوياً وهناك نفقات جارية تحتاجها الدولة بقيمة 500 مليون دولار للنفقات الاجتماعية ومنها دعم الادوية. اعتقد ان الحكومة ستتمكن من جمع مليار ونصف من الايرادات ومنها الضرائب، خصوصاً اذا تمّ اقرار اعفاءات ضريبية على الضرائب «القديمة»، ولكن لن يعمد المكلفون عموماً الى دفع ضرائبهم على دولار 85 ألف ليرة في حين انهم يسحبون ودائعهم على دولار 15 ألفاً، يجب على الحكومة حل هذه المعضلة».
يضيف: «البنك الدولي وصندوق النقد يقدّران الدخل القومي في لبنان بين 20 و22 مليار دولار، علماً أنني شخصياً أعتبر ان الدخل القومي للبنان بين 30 و35 مليار دولار. وهناك قسم كبير منه بات ضمن اقتصاد الكاش والمكتوم»، مشيراً الى أنه «يجب تحصيل ضرائب بين 10 و 15 بالمئة من الناتج القومي كمرحلة انتقالية، وتصاعدياً مع ارتفاع النمو يمكن ان نصل خلال 5 او 10 سنوات لتحصيل 25 بالمئة من الناتج القومي كايرادات للدولة، منها ضرائب مباشرة او غير مباشرة ومداخيل مختلفة، وهذه الخطة التي يجب أن تعتمدها الدولة».
غبريل: بالإعتماد على الإتفاق مع صندوق النقد… ولكن!
يشرح الخبير الاقتصادي نسيب غبريل لـ»نداء الوطن» أنه «قبل الازمة كانت تضم الموازنات التي تم اقرارها نفقات استثمارية، ولكن نسبتها كانت محدودة مقارنة مع نفقات اخرى اهمها الرواتب والاجور والمخصصات والمعاشات التقاعدية للقطاع العام، وفي المرتبة الثانية كانت خدمة الدين ثم تحويلات الخزينة الى مؤسسة كهرباء لبنان»، لافتاً الى أن «موازنة الـ 2023 الى الآن لم تظهر أرقام الايرادات او النفقات فيها، ولا نعرف المجموع الذي حصّلته الدولة من الضرائب التي تمّ فرضها مؤخراً، ولا نعرف اذا كان هناك عجز او فائض في ميزانية العام 2023. وعلى هذا الاساس لا نعرف اذا كانت ستضم نفقات استثمارية ام لا، كما أنه الى الآن لم تصدر نتائج المالية العامة للعام 2022 بل للعام2021 فقط».
يضيف: «تضمّنت موازنة 2022 نفقات استثمارية لكنها غير كافية، لأن هذه النفقات من المفروض ان تأتي من الخارج لأننا في أزمة، وهذه النفقات كانت موجودة في مؤتمر «سيدر» الذي خصص 11 مليار دولار على فترة 12 سنة، لتمويل اعادة تأهيل البنى التحتية من طرقات الى قطاعات الكهرباء والاتصالات والمياه والسدود، لكن الحكومة اللبنانية لم تطبق أيّاً من الاصلاحات التي تعهدت بتنفيذها»، مشدداً على أنه «في حال تمّ توقيع الاتفاق النهائي بين لبنان وصندوق النقد الدولي، يُفتح الباب ليس فقط على 3 مليارات دولار كتمويل للدولة، بل ايضاً على 9 مليارات دولار من مؤسسات متعددة الاطراف وسيخصص جزء كبير منها لما يسمى النفقات الاستثمارية».
ويرى أن «الدولة اللبنانية لا يمكنها الصرف والاستثمار على البنى التحتية ولكن مصادر التمويل موجودة في حال تنفيذ الاصلاحات وهذا يحتاج الى ارادة سياسية. كانت أمامنا فرصة جديدة متوفرة منذ العام 2018 لو طبقنا الاصلاحات التي قدمتها السلطات اللبنانية في مؤتمر»سيدر»، وكنّا أعدنا تأهيل البنى التحتية تدريجياً وضخ هذه الاموال وتجنب الازمة لأن غياب النفقات الاستثمارية هي نتيجة ازمة سيولة ناتجة عن ازمة ثقة».
ويختم: «القول أن لا أموال للنفقات الاستثمارية غير دقيق، لأن الأموال موجودة في حال كانت هناك نية للاصلاح».