أقام رئيس أساقفة أبرشية طرابلس المارونية المطران يوسف سويف، مأدبة إفطار رمضانية، كما جرت العادة في كل عام، بعنوان ” إفطار المحبة، مائدة الاخوة والسلام”، في قلاية الصليب في دار المطرانية في طرابلس ، شارك فيها السفير البابوي بولو بورجيا، النواب اللواء اشرف ريفي، ميشال معوض، وليد البعريني، احمد الخير، ايلي خوري، فادي كرم، جميل عبود، جورج عطالله، ميشال الدويهي، النائب السابق اسطفان الدويهي، مفتي طرابلس والشمال الشيخ محمد إمام، رئيس اساقفة طرابلس وسائر الشمال للروم الملكيين الكاثوليك المطران ادوار ضاهر، متروبوليت طرابلس والكورة وتوابعهما للروم الارتوذوكس المطران افرام كرياكوس، الشيخ وليد اسماعيل ممثلا مفتي عكار زيد بكار زكريا، المونسنيور اوتو جورجيس، المونسنيور ولف غان هابر، نقيبة المحامين في طرابلس الشمال ماري تراز القوال، نقيب المهندسين في طرابلس والشمال بهاء حرب، نقيب الاسنان في الشمال ناظم حفار، الاب كيريكو الفونسييكاني، وحشد كبير من رجال الدين وفاعليات.
وألقى المطران سويف كلمة قال فيها: “أشعر بالسعادة والفرح في لقائنا هذا في هذه المطرانية التي تحافظ على تقليد عتيق وهو ان نحيي في هذا الشهر الفضيل مائدة إفطارية والتي تحمل عنوان “مائدة المحبة، مائدة الاخوة والسلام”، رحم الله المطارنة الذين سبقونا بهذا التقليد المبارك في هذه المدينة الحبيبة على قلوبنا.
لقاؤنا اليوم ما هو سوى حقيقة لبنان الذي يعتبر رسالة حوار ولقاء محبة وسلام، وحوارنا اليوم مبني على حياتنا اليومية المبنية على التعددية التي قامت عبر تاريحنا وحياتنا الاجتماعية، والتعددية هي عطية الله للبنان خاصة ليكون وطن التعددية ووحدة العائلة اللبنانية”.
أضاف: “في هذه السنة كان صومنا متزامنا مع اخوتنا المسلمين بمختلف مكوناتهم، واختبرنا مبدأ الصوم والصلاة معاً، فالصلاة مبدأ مشترك بيننا انطلاقنا من معتقد كل منا. ففي هذا الشهر الفضيل يعود الانسان الى ذاته ويجدد عهد الحب مع الله ويكتشف ان الله هو المحبة والحب والرحمة اللامتناهية التي تجدد الانسان، لذلك نشكر الرب على هذا الصوم الذي مارسناه معاً”.
وتابع: “أما تنقية الذاكرة فنحن كلنا بحاجة لها، فكلنا عشنا الحرب ومأساة الحرب. لذلك، اليوم لا بد أن نعترف أننا أخطأنا وأسأنا الى الله والى نفوسنا، وقد حان الوقت لأن ننقي ذاكرتنا ونتبنى ثقافة المغفرة والتسامح، وهي ان نغفر لبعضنا البعض من أعماق جوارحنا. ولدينا تاريخ جميل ورائع. لذلك، لا بد أن نمحي الذكريات المؤلمة والسوداء والى الابد من الذاكرة الجماعية والوطنية، ليكون لدينا ضمانة للبنان الثابت من اجل أولادنا. مبدأ وعنوان الأخوة الذي أطلقه البابا فرانسيس وشيخ الازهر لا يعتبر في لبنان على انه مجرد أوراق واتفاقيات، بل اننا نعيشه منذ زمن بعيد عموما وفي طرابلس خصوصا. فلبنان ليس فقط بلد الرسالة بل بلد الأخوة الإنسانية بامتياز وهذا هو دورنا في المنطقة العربية وفي الشرق وعلى المستوى العالمي”.
وأكد أن “العائلة اللبنانية هي مثال التنوع والوحدة، فلبنان يريد أن يعيش الوحدة وليس الانصهار بل الوحدة المبنية على التعددية والثوابت الوطنية الواضحة كالإنتماء الى الوطن الحبيب والنهائي والأخير”. وقال: “لا بد أن نشكر ونحيي جهود سيدنا البطريرك الراعي الذي يشدد على العائلة اللبنانية الواحدة”.
وختم: “اليوم سنصلي معاً حتى يقضى هذا الاستحقاق وهو انتخاب رئيس للجمهورية. ليس من شأني أن أنخرط بالسياسة وليست هذه مهمتي، إلا أننا ندعو من منطلق سياسة الإنسانية وسياسة كرامة الوطن والإنسان الذي نأمل أن يعود ويقف على رجليه. لذا، علينا جميعا توحيد الصفوف والعمل الجدي على انتخاب رئيس للجمهورية لينتظم عمل المؤسسات ويعود لبنان الى سابق عهده وطن الرسالة والمحبة”.
المفتي إمام
وتحدث المفتي إمام فقال: “نشكر الأبرشية المارونية على الإفطار الذي يجمع الأحباء، ونحن لطالما ننتظر هذا الإفطار كل عام عند بداية شهر الصوم. سأتجنب الحديث عن العيش المشترك لأنه بالنسبة لنا هو تحصيل حاصل، والعيش المشترك هو كلمة لا تصف حالنا بشكل صحيح، فقد تجاوزنا ذلك وبتنا في حالة وحدة مع مختلف المكونات التي تضمها طرابلس. وانا ابن طرابلس أقول هذا الكلام. فهمومنا وآلامنا واحدة. ولا يسعني إلا أن أشكر الحضور الكريم وبالأخص سعادة السفير البابوي.
نحن في لبنان تاريخ جغرافيا وقد انبهرنا واستمتعنا بما قاله سيادة المطران سويف، نحن قد عشنا الحرب سويا كلبنانيين دون أن نفهم أسبابها ومكنوناتها. وهذه الحرب لا يجب أن تكون في موضع الإحياء وأن تعيش معنا وتقضي على حاضرنا كما أفسدت ماضينا. وأكبر دليل على ذلك أن الأيادي الشيطانية وأصحاب المخططات يحاولون إحياء هذه الحرب وتفعيلها واللعب عليها، والحكمة والوعي يدفعنا إلى نبذ ذلك. ونحن غير معصومين. وأول تراجع عن الخطأ هو الاعتراف به، ولنقل أننا جميعا أخطأنا وعدنا إلى وطننا ودستورنا وعيشنا مع بعض على طاولة الوئام والمحبة”.
أضاف: “نتمسك اليوم بميثاق الطائف الذي للأسف ايضا يعترف الجميع انه لم يأخذ حظه من التطبيق كما ينبغي. وهو كدستور كان جديرا بإنهاء الحرب العبثية ورسم مستقبل مشرق للوطن بتفاصيله، لكن لسنا بسياسيين ولكن للسياسة أربابها، ونحن لسنا في هذا المضمار ، الا اننا ندعي انه لدينا شيء من قواعد المنطق والمعرفة ببعض ضوابط السلوك. لذلك نقول: الحاضر والمستقبل افضل مما مضى ومما وقع فيه اللبنانيون في السابق واعترفوا بخطئهم. وما حدث قولا وعملا عندما تفاهموا واتفقوا على ميثاق جديد وهو ميثاق الطائف”.
وإذ لفت الى أن لبنان “ليس مفلسا او فقيرا بل هو غني بمقوماته وبما حباه الله تعالى من وضعية جغرافية مميزة بكل شيء”، قال: “أنا اذكر في مطلع السبعينات حيث توجه احد الكتاب لأهلنا في الخليج العربي وقال لهم: ”نعطيكم الماء لتعطونا النفط” فهذه ثروة لم نحافظ عليها ولم نحسن إنشاء بنى تحتية تجنب هذه الثروة من التلوث ونفقد هذه الميزة وهذه النعم الربانية، فالبحر والجبل من ذهب، بما يجعل لبنان من خلال ثرواته الطبيعية مصدرا كبيرا في الاقتصاد وموارد الدولة ناهيك عن المرافئ العامة كالمطار والحدود التي تعتبر مصادر دخل للدولة. لكن، لماذا نعاني اليوم من إفلاس في الخزينة او من عدم وجود خزينة قادرة على تغطية متطلبات الدولة؟ وهذا السؤال نوجهه لانفسنا وللمعنيين، فسوء الإدارة أوصلنا الى ما نحن عليه اليوم ولكن لنحسن الظن”.
تابع: “هناك وللاسف بعض من أداء الدولة التي لا بد من ضبطه وتحسينه. فنحن بحاجة لدولة المؤسسات الشفافة والرقابية والتي تضبط كل موارد الدولة من الاملاك البحرية التي تعتبر ملكاً عاماً لجميع اللبنانيين وهذا لا يقدر بثمن، ولكن للاسف لا يجد اللبناني ثمرتها ولا يعيش في خيراتها ونعيمها. وهنا نقول ان لبنان لا يواجه مشكلة بكونه لبنان او بكون شعب لبنان غير جدير بهذه النعم، فلبنان العربي الذي لطالما شارك بقضايا الامة العربية من القضية الفلسطينية الى قضية القدس الشريف، لبنان المتماسك والقوي اقتصاديا والمرتاح معيشيا انفع للمقاومة من لبنان ضعيف ومتفكك ويعيش أبناؤه تحت وطأة الفقر والعوز”.
ورأى المفتي إمام أن “على اللبنانيين كمقاومين ان يحافظوا على لبنان القوي والمؤسساتي الشفاف وخاصة في القضاء وفي سلسلة المعاملات التي تتمخض وتنقي كل شيء يصب في مشروع السلطة والمال بأعلى المعايير”. وقال: “دولة المؤسسات والأهلية والتي تعيش نظاما هو ما نريده اليوم. فلبنان شعبه مرتاح وموارده متاحة للشعب ينتفع بخياراته. ضبط الحدود والهدر والفساد وما يتسرب من الخزينة افضل لنا. هذه قضيتنا التي تصب في مبدأ لبنان قوي على مستوى الصراع الدائر في الاراضي الفلسطينية المحتلة والمغتصبة. شرف الهدف لا بد أن يلائم شرف الاسلوب والوسيلة. فالهدف الكبير من خلال مقاومة تضاهيها اداء على مستوى رفيع لننجح ونصل الى ما نسعى اليه”.
ختم: “التربية الاصيلة موجودة عند اللبنانيين وكذلك الوعي. ومن إيجابيات الحرب التي عاشها لبنان أننا تعلمنا أن لا نعيد ما حصل سابقا. واليوم نتجنب بشكل مطلق أي طريق ممكن ان يؤدي بنا الى حروب جديدة. وما نعيشه اليوم ما هو سوى مرحلة صعبة لن تدوم ان شاء الله. ولا بد أن تعود الامور الى الاستقرار والى سياقها الصحيح. وعلينا ان نرفع هدفنا ولا يمكن ان نتخلف عنه وهو ان نتجنب المشاغبات السياسية. فكل رجل سياسة اليوم يتبع خطّا سياسيا ومشروعا سياسيا وهذا هو غنى في التكامل والتنوع، لكن نسأل الجميع ما هدفهم السياسي؟ فهل هو الوصول الى لبنان المزدهر المستقر والعيش بكرامة وعدالة ودولة حاضرة؟ وبذلك لا بد اليوم ان تكون المشاريع السياسية تسعى لتحقيق هذه الاهداف في حين نجد لبنان يزحف باتجاه عكس الرؤى السياسية التي نرجو لها ان تتحقق”.
السفير البابوي
أما السفير بورجيا فشكر للمطران سويف دعوته الجامعة وللمفتي إمام مشاركته، كما شكر للمشاركين تلبيتهم الدعوة، واصفا مائدة الافطار في مطرانية طرابلس المارونية بـ”الهوية الحقيقية للبنان، بلد العيش المشترك والسلام والمحبة”، لافتا الى ان “مائدة الافطار هذه هي أجمل صورة عن لبنان”. وتمنى “الازدهار والنمو والامان والاستقرار للبلد”.