كتب أحمد الأيوبي:
تستجمع طرابلس قواها المجتمعية باحثة عن المخارج المتاحة مع تفاقم الانهيار فترى حراكاً لا يهدأ يخترق صمت العجز السياسي وغياب الدولة عن الكثير من الواجبات. وتراجعت صورة الفوضى والخروقات الأمنية لصالح مشهد يتماسك شيئاً فشيئاً في وجه ارتفاع منسوب المخاطر الناجمة عن تراجع قدرة المواطنين على الصمود وهم يرزحون تحت وطأة فقدانهم للقدرات الشرائية وتأمين الاحتياجات الأساسية، وما قد ينتج عن ذلك من تداعيات أمنية واجتماعية.
يحارب الجيش اللبناني في طرابلس على جبهات كثيرة، أولاها فرض الأمن ومنع الاختراقات وقمع الفوضى، وأبرزُها التصدّي لآفة المخدِّرات بمكافحة الشبكات والتجّار والأهمّ بدعم المجتمع المدني في مشاريعه الهادفة إلى مواجهة هذا الخطر، وأبرز المبادرات تلك التي صاغها تحالف «جمعية المنهج» الخيرية و»تجمّع أمّ النور» وكانت ترجمة هذا التحالف بقيام مديرية التعاون العسكري – المدني في الجيش (CIMIC)، بإطلاق العمل في مركز إعادة تأهيل المدمنين على المخدرات، في مركز طرابلس الصحي الاجتماعي دوار نهر ابو علي – التبانة في طرابلس، وهو الأول من نوعه في منطقة الشمال، ويُعتبر إنشاؤه خطوة متقدمة في سياق الجهود التي يقوم بها الجيش لمحاربة آفة المخدرات ومنع تفاقمها في المجتمع اللبناني، وقد أنشئ بالتعاون مع المملكة الهولندية.
تُظهر طرابلس تضامنها وشراكتها الوطنية عند كلّ منعطف فتُطفئ مرجعياتُها الدينية كلّ مظاهر الفتنة، على قاعدة احترام العقائد والمقدسات الإسلامية والمسيحية ورفض التعرّض لها بأيّ شكلٍ من الأشكال، وفي هذا الإطار تداعت المرجعيات الدينيّة في طرابلس والشمال الى اجتماع عُقد في دار مطرانيّة طرابلس للروم الأرثوذكس شارك فيه المتروبوليت أفرام كرياكوس راعي أبرشية طرابلس والكورة للروم الارثوذكس، ومفتي طرابلس والشمال الشيخ محمد إمام، والمطران يوسف سويف رئيس أساقفة أبرشية طرابلس المارونيّة، والمطران إدوار ضاهر رئيس أساقفة طرابلس والشمال للروم الملكيين الكاثوليك، والشيخ يحيي ماما ممثّلًا سماحة الشيخ محمد عصفور.
تأتي أهميّة هذا الموقف الجامع من منطلقات عدة أهمها: قطع الطريق على محاولات بعض المتطرّفين اللعب على وتر الإثارة الطائفية من منطلق اعتبار المسيحيين ساكتين على انتهاك مقدسات المسلمين، وبالتالي العمل على التحريض الفوضوي ومحاولة بثّ الفتنة في الشارع.
أما النقطة الأهمّ فهي التأكيد على هذا التماسك الوطني رغم كلّ عوامل التفرقة الجائرة التي يتعرّض لها اللبنانيون، والتركيز على حقوق الإنسان في العيش الكريم ورفض انتهاك حقوقه على جميع المستويات.
شهدت طرابلس سلسلة لقاءات هدفت إلى استجماع طاقات الجمعيات الناشطة كان أبرزها الاجتماع الذي عقد في القصر الثقافي البلدي (نوفل) برعاية رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ومشاركة جمعية «العزم والسعادة» ورئيس الهيئة العليا للإغاثة اللواء محمد خير وحشد من الجمعيات والشخصيات الناشطة في العمل المدني والاجتماعي للتعاون والتشبيك من أجل طرابلس جميلة، وإطلاق سلسلة حملات تشمل النظافة، التوعية الدينية والاجتماعية والثقافية في مجالات البيئة والصحة والمعاملات.
وهنا تبرز جهود إنارة الشوارع المظلمة لإحياء النشاط الاقتصادي في طرابلس، وخاصة ما تقوم به جمعية «للخير أنا وأنت» في خطوة تلاقي الاستعداد لخطة أمنية اجتماعية اقترب تنفيذها.
في إطار النشاط المدني الضاغط حضرت مجموعة العمل لطرابلس المكونة من شخصيات مستقلة ومتنوعة الاختصاصات تعمل لإطلاق منصة تعمل لتغيير الصورة النمطية لطرابلس وتروج لدعم المشاريع والمبادرات والحصول على الهبات من الجهات المانحة وفق أولويات استراتيجية تنموياً عبر تشكيل جسر تواصل بين المؤسسات والجمعيات العاملة في المدينة.
كان حدثاً سوريالياً أن تقرِّر منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) إدراج «معرض رشيد كرامي الدولي» في طرابلس على قائمتها للتراث العالمي المهدد بالخطر، فإذا بالبعض يحوِّلون القرار على أهميته إلى حدثٍ احتفاليّ، وهو يحمل في طيّاته ذروة الفشل في حماية وتشغيل هذا المرفق من قبل الحكومات المتعاقبة، بينما البحث الجدّي الآن هو في كيفية الحفاظ على هذا المرفق – المعلم وحمايته من الاندثار في عهد الانهيار.المصدر: نداء الوطن