كتب ألان سركيس في ” نداء الوطن”:
لا يريد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الإستراحة من مهمّة البحث عن رئيس جديد للجمهورية حتى لو كلّف الأمر عقد إجتماعات متتالية في الصرح البطريركي. منذ انتخاب الراعي بطريركاً في آذار 2011، عمل على ادخال المدنيين في الشؤون الادارية للكنيسة، وحاول تغيير النمط السائد من أجل الدمج بين العمل الروحي والمدني، وإذا كان الراعي أراد تغيير نمط عمل الكنيسة، فايمانه بالمدنية في الحياة السياسية هو أكبر.
حاول البطريرك الإبتعاد عن الزواريب السياسية، لكن لعبة الخلافات المسيحية والوطنية جعلته في صميم المشهد السياسي، وهو الذي راهن ودعا منذ انتفاضة 17 تشرين 2019 الشعب إلى اختيار نوابه والتصويت «صحّ»، واعتبر أن خيارات الناس ستوصل بالتأكيد إلى انتخابات رئاسية سهلة تختار الرجل الأفضل على رأس الجمهورية اللبنانية.
ذهبت أمنيات بطريرك الموارنة والشعب التواق إلى التغيير أدراج الرياح، فكانت نتائج الإنتخابات مخيبة للآمال، وما زاد المشهد قساوةً هو إنقسام المعارضة على ذاتها وقيام بعض النواب بحراكات شعبوية لا توصل إلى أي مكان.
أيقن البطريرك الراعي أن حِمْل الرئاسة عاد وأُلقي على أكتافه، ودخلت البلاد مرحلة الفراغ الرئاسي ليل 31 تشرين الاول 2022، وبات عليه تكثيف حراكه من أجل خلق ثغرة في جدار الأزمة. عاد البطريرك من رحلته البريطانية وتشاور مع معظم الكتل المسيحية، إلتقى النائب ملحم رياشي موفداً من رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع من ثم رئيس «التيار الوطني الحرّ» النائب جبران باسيل ورئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية، وخرج باستنتاج حسبما تؤكّد مصادر بكركي وهو: «لا أمل في اتفاق الزعماء الموارنة ودرب الرئاسة ليست مُعبّدة مسيحياً».
لم يستسلم الراعي للواقع المرّ الذي تعيشه البلاد، إذ دعت بكركي إلى قمة روحية تُعقد عصر اليوم وسيسبقها الإجتماع الشهري لمجلس المطارنة الموارنة الذي من المتوقّع خروجه ببيان عالي النبرة في ما خصّ التعطيل المستمرّ للإستحقاق الرئاسي.
وتأتي قمة بكركي الروحية إستكمالاً للقاءات السياسية التي عقدها الراعي مع الكتل المسيحية، ويهدف هذا اللقاء حسب بكركي لوضع الجميع أمام مسؤولياتهم، فمسألة إنتخاب الرئيس تعني كل الطوائف المسيحية وليس الموارنة فقط، ويجب تأمين «لوبي» ضاغط أقله على الكتل المسيحية من أجل حثهم على تأمين مقومات إنتخاب الرئيس.
وتأتي القمة المسيحية أيضاً للتأكيد أن بكركي تفعل كل ما بوسعها من أجل عدم إطالة أمد الفراغ، فهي تعطي الدور لكل الطوائف المسيحية ولا تحصره بالموارنة فاذا تأمّنت أرضية مسيحية للإنتخاب، يسهل تأمين أرضية وطنية جامعة، لذلك يواظب الراعي على تفكيك كل الألغام من أمام درب الرئاسة.
يتطلّع البعض إلى عقد قمة إسلامية – مسيحية من أجل الملف الرئاسي، لكن أولوية بكركي الحالية تأمين إجماع مسيحي أولاً، فمثل هكذا إجماع سيجعل بقية الكتل تسير في طريق الحلّ وتخفف مستوى الشروط. عدا عن الملف الرئاسي، ستبحث القمة الروحية بشكل أساسي في الخطر المحدق بالمواقع المارونية من جرّاء موجة الفراغات التي ستتالى على المواقع المسيحية، إضافة إلى الدور المسيحي العام والخطر على الوجود مع تفاقم الأزمة الإقتصادية والإجتماعية، وإرتفاع منسوب الخطر على الكيان، وبالطبع سيكون هناك موقف كنسي جامع لدعم المحقق العدلي في إنفجار المرفأ القاضي طارق البيطار.
هناك رأي داخل مجلس المطارنة الموارنة يدعو الكنيسة، بعد فشل المسيحيين على الإتفاق على رئيس وفشل مجلس النواب في الإنتخاب، لتسمية مرشّح هو الأصلح لرئاسة الجمهورية وتقديمه على قاعدة: هذا الإسم نريده رئيساً، وذلك بسبب الخطر الذي يُحدثه الفراغ على الدور المسيحي وعلى لبنان الكيان. لذلك سيكون إجتماع مجلس المطارنة الموارنة الذي يسبق القمة الروحية مهماً في تحديد بوصلة التصعيد التي ستنتهجها بكركي.
ولا يزال البطريرك الراعي يرفض الدخول في زواريب الأسماء ويتعاطى كبطريرك أمين على الكيان اللبناني وليس كسياسي أو لديه مرشحون، من هنا صعوبة دفع البطريرك لتسمية رئيس للجمهورية لأنه يعرف «الفيتوات» المسيحية المتبادلة التي ستحرق أي إسم قبل الوصول إلى «فيتوات» بقية الكتل.
المصدر: نداء الوطن