كتب ألان سركيس-
نجح رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في عقد جلسة ثانية لحكومته متخطّياً كلّ الإعتبارات الميثاقية التي رفعها بوجهه «التيّار الوطنيّ الحرّ» ومجلس المطارنة الموارنة. عندما تمّ تكليف ميقاتي تأليف الحكومة عام 2021 بعد تنحّي الرئيس سعد الحريري، عمّت الفرحة أرجاء القصر الجمهوري وسط الإشادة بأداء ميقاتي وتأكيد عون أنه يستطيع التعامل معه بمرونة.
وما هي إلا أشهر حتى ظهرت الخلافات إلى العلن، من ثمّ حصل الإنفجار الحقيقي بعد تكليف ميقاتي تأليف حكومة ما بعد الإنتخابات النيابية واتّهام عون للرئيس المكلّف بأنه يماطل ولا يريد التأليف. وبعد اصطدام عون ومن خلفه رئيس «التيّار الوطنيّ الحرّ» النائب جبران باسيل بميقاتي خرجت أصوات من الطائفة السنّية لتؤكّد أنّ مشكلة عون وتيّاره هي مع رئيس الحكومة السنّي أيّاً كانت سياسته، والتجارب تؤكّد صحّة هذه النظرية.
وكما للرئيس عون وتيّاره قصة مع الحريري و»الحريرية السياسية»، كذلك لديهم ألف قصة مع ميقاتي، وهذه القصص بدأت مع التكليف الأول لميقاتي في نيسان 2005، وكانت مهمّة تلك الحكومة إجراء الإنتخابات النيابية وتأمين تسليم السلطة بعد تحرّر لبنان من القبضة السورية، يومها خرج عون الذي كان في منفاه الباريسي وانتقد حكومة ميقاتي قائلاً: «إنني أرى فيها مناضلين للسلطة وسوريا أكثر من ممثلين عن المعارضة».
مضت تلك المرحلة واستعاد سعد الحريري زمام القيادة، وبالطبع تصادم عون مع الرئيس فؤاد السنيورة وبعده مع الحريري قبل أن يُطاح بحكومته عام 2011، ووقع اختيار «حزب الله» على ميقاتي بدل الرئيس الراحل عمر كرامي.
إفتعل عون وباسيل المعركة الأولى مع ميقاتي عند التأليف إذ طالب الجنرال بكامل الحصّة المسيحية لتكتّله على اعتباره الممثل الأول للمسيحيين والوحيد في الحكومة، فحصد تكتّل «التغيير والإصلاح» 10 حقائب وزارية، وعند كل تعيين كانت هناك أزمة بين وزراء عون وميقاتي، إلى أن اصطفّ ميقاتي إلى جانب الرئيس ميشال سليمان والحزب «التقدمي الإشتراكي» وحاولوا تكريس نوع من التوازن المفقود، لكنّ الضغوطات أدّت إلى استقالة حكومة ميقاتي.
واستمرّ صدام عون مع رؤساء الحكومات، وتجلّى هذا الأمر خلال صراعه مع الرئيس تمام سلام عندما طُرح موضوع التمديد لقائد الجيش آنذاك العماد جان قهوجي، من ثم حاول كلّ من عون وباسيل تطويق الحريري خلال ترؤسه حكومات العهد الأولى.
يكتب اليوم فصل جديد من فصول الصدام بين «التيّار الوطنيّ الحرّ» وميقاتي، ولم ينتهِ هذا المسلسل بخروج عون أو حتى بانتخاب رئيس جديد للجمهورية وتأليف حكومة جديدة خصوصاً أنّ الإدارة الفرنسية تفضّل عودة ميقاتي إلى السراي.
وما هو مغاير في الظرف الحالي يتمثّل بموقف «حزب الله»، فمنذ توقيع اتفاق «مار مخايل»، و»الحزب» يقف دائماً في صفّ «التيّار» ظالماً كان أم مظلوماً، وبعد تمرّد باسيل على «الحزب» وعدم دعمه ترشيح رئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية يحاول «الحزب» توجيه الرسائل والصفعات إلى حليفه المسيحي، ويقف في صفّ ميقاتي حالياً وليس في خندق العونيين. إلى ذلك، تؤكد أوساط ميقاتي أنّ رئيس الحكومة لا يريد فتح جبهات أو الدخول في سجالات، لكنّه مصرّ على الدعوة إلى جلسة للحكومة متى دعت الحاجة الماسّة لذلك لأنّ من يعطّل جلسات انتخاب الرئيس هو من يدفع للوصول إلى هذه المآزق وليس رئيس الحكومة الذي يسعى جاهداً إلى تسيير شؤون الناس وعدم السماح للفراغ بأن يتنامى ويؤدي إلى مزيد من الإنهيارات.
وأمام تصلّب رئيس الحكومة، يبحث «التيّار» عن الخيارات المتاحة للمواجهة، فهو لم يعد في معركة مع ميقاتي وحده، بل إنّ الأمور قد تتطوّر لتصبح مواجهة أكبر مع «الثنائي الشيعي»، وهذه الكأس المرّة لا يرغب باسيل في تجرّعها.
المصدر: نداء الوطن