كتب مايز عبيد في “نداء الوطن”:
ما أكثر أخبار السلب والنشل في مدينة طرابلس هذه الأيام! إذ تكاد لا تمرّ ليلة، إلّا وتسمع عن عشرات العمليات من هذا النوع، مرة بقوة السلاح ومرة عبر نشل محفظة سيدة من كتفها، ومرة عبر سرقة درّاجة نارية وأخرى باعتراض سيارة لنشل صاحبها؛ وآخرها تلك العملية التي حصلت في منطقة البداوي حيث تعرّض أحد الأشخاص لعملية سلب خلال منتصف الليل مع قيام مجهولين باعتراض طريقه عندما كان يمرّ بالقرب من مبنى البلدية وتمّ الإعتداء عليه بشفرة وسلبه درّاجته النارية وهاتفه الخلوي.
ولا تتوقّف عمليات السلب على الأسواق القديمة والأحياء الداخلية، إنما تعدّتها إلى شوارع التل وعزمي ومتفرعاته ومنطقة الضم والفرز ومناطق أخرى لم تكن تشهد تلك الظواهر من قبل. وبحسب شهود عيان فإنّ أعمال النشل غالباً ما يقوم بها شخص أو اثنان يستخدمان درّاجة نارية ويقومان بنشل السيدات أكثر الأحيان. أمّا السرقات وأعمال السطو فتنفّذها مجموعات تتحرّك على درّاجات نارية أو سيارات وتنصُب الكمائن للسيارات المارّة، أو تقوم بسرقة المحال أو المنازل.
لا يمكن فصل ما يجري في طرابلس في هذا الإطار؛ عن الواقع الأمني الصعب الذي تعيشه المدينة والتي يغيب فيها الأمن والأمان وبالأخص في فترات الليل. ويتساءل مواطنون في هذا الصدد عن الخطة الأمنية التي سبق ووضعها وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي في أيلول الماضي، عندما أعلن في حينه أنّ «الأمن لا يكون بالتراضي إنما بالفرض وإن كل القوى الأمنية والعسكرية تقوم بواجبها وتتابع القضايا الأمنية بدقة، من السطو المسلّح وعصابات الأشرار وتفلّت السلاح وملاحقة كلّ الخارجين على القانون… نحن نحمي أمن المواطنين وأمن البلد».
هذه الخطة لم يرَ المواطنون لها أثراً، لولا الدوريات التي يقوم بها الجيش اللبناني وتمركزه في بعض النقاط من المدينة. غير أنّ تواجد قوى الأمن الداخلي لا يلحظه الناس، لا سيما في الليل ولهذا السبب تكثر عمليات السلب والنشل من شارعٍ إلى آخر ومن منطقة إلى أخرى، خصوصاً في الأماكن التي تغيب فيه الإنارة الليلية بشكل كامل. ما يحصل في طرابلس يزرع المخاوف في نفوس المواطنين. فسكان المدينة يحسبون خطواتهم في الليل ولا يتحرّكون إلّا لطارئ. أما زوّار المدينة من عكّار ومناطق الجوار فإنهم لا يفضّلون أن تستمرّ زياراتهم إلى فترات الليل، ويعودون أدراجهم قبل حلول الظلام خوفاً من ظواهر السلب المنتشرة.
ويكشف مصدر أمني لـ»نداء الوطن أنّ «هذه الأعمال غير محصورة في طرابلس فقط، ففي بيروت مثلاً نسبتها أعلى من طرابلس، فيما تحصل أكثرية هذه العمليات بسبب الأوضاع المعيشية الصعبة، وغالباً ما يقوم بها شخص واحد أو اثنان، وأن التحقيقات مع من يتم القبض عليهم تشير إلى أنهم يقومون بهذه الأعمال لأسباب اجتماعية صرف».
وإذ يعترف المصدر الأمني بازدياد ظواهر السلب والنشل في طرابلس وبعدم قدرة القوى الأمنية على الحدّ منها بشكل نهائي بسبب ما تمرّ به القوى الأمنية من صعوبات، فإنّه يضيف: «من الصعب في هذا الوقت تسيير الوحدات والدوريات الأمنية في فترات الليل حيث تكثر هذه الحوادث، كما أنّ أوضاع العناصر الأمنية صعبة كذلك الأمر فإنّ الآليات بحاجة إلى محروقات وصيانة وغيرها وكلّها غير متوفّرة في هذه الظروف».
ويشدّد المصدر الأمني عينه على أن القوى الأمنية ورغم الظروف الصعبة «لا تزال تتابع الشكاوى التي ترد من المواطنين عن ظواهر سلب وسرقات وتقوم بتوقيفات أيضاً وهناك توقيفات شبه يومية لشخصين أو ثلاثة أشخاص، وأحياناً لمجموعات كاملة كما حصل قبل أيام».
النائب اللواء أشرف ريفي قال لـ»نداء الوطن» في هذا السياق: «في الحقيقة ونتيجة الواقعين الإجتماعي والإقتصادي، وفقدان الدولة جزءاً كبيراً من هيبتها، لا نتوقّع أن تنتهي هذه الأعمال. فالمعروف عالمياً عندما يكون المجتمع مأزوماً ويعاني صعوبات في تأمين حاجياته المختلفة من استشفاء وكهرباء وسائر الخدمات، تنعكس هذه الأمور على الأوضاع الأمنية، فتكثر الجرائم».
ويضيف: «الحل ليس أمنياً، لأن الأمن يعالج النتائج وليس الأسباب والمطلوب معالجة الأسباب التي أدَّت إلى هذا الفلتان. يجب تأمين حياة إجتماعية كريمة للناس للقضاء على هذه الظواهر».
ويلفت إلى أنّ الناس «فقدوا كل شيء حتى الأمل، وقد رأينا ظواهر مراكب الموت وكيف هرب بها الناس من هذا الواقع المزري. نأسف أن نقول ذلك ولكن يجب الإسراع بإعادة الإنتظام السياسي العام من خلال انتخاب رئيس للجمهورية غير خاضع لإيران وتشكيل حكومة تعيد العلاقات اللبنانية العربية إلى سابق عهدها، والعلاقات مع دول العالم لاستنهاض البلد».