كتبت ايفا ابي حيدر-
لطالما أُعيد الفشل في قطاع الكهرباء الى التعرفة المتدنية التي كانت لا تزال تحتسب كلفة الكيلواط / ساعة بـ 135 ليرة، اما اليوم وبعد رفع التعرفة، هل تتحقق وعود وزارة الطاقة برفع التغذية الى 8 ساعات؟ ام انّه طعم لرفع إيرادات مؤسسة كهرباء لبنان من خلال رفع المصاريف الثابتة على الفاتورة من دون تغذية اضافية؟ وإذا ما رُفعت التغذية، هل ستتمكن مؤسسة كهرباء لبنان من ردّ السلفة المالية في ظل مجموعة العوائق التي تحول دون ذلك؟
في كل مرة تواجه فيها الحكومة قصة فشل جديدة، تلجأ إلى جيوب الناس لتمويل فشلها، وتعويض عجزها عن القيام بالاصلاحات الضرورية لكسب الثقة وفتح ابواب التمويل والمساعدات. هذا التوصيف ينطبق على ملف تمويل شراء الفيول للكهرباء. وبعدما كان مطروحاً، ان يتولّى البنك الدولي تمويل عمليات استجرار الغاز من مصر والكهرباء من الاردن، انتهى الأمر الى فشل اضافي، بسبب عجز أو رفض السلطة تنفيذ الاصلاحات المطلوبة، كشرط للتمويل. والمفارقة، انّ المطلوب من قِبل البنك الدولي كان يُفترض ان يكون مطلباً لبنانياً، سواء لجهة تشكيل الهيئة الناظمة للقطاع، أو لجهة التدقيق المالي في اوضاع المؤسسة، او حتى لجهة وقف الهدر والسرقة. لكن الحكومة اختارت ان تتخلّى عن التعاون مع البنك الدولي وعادت إلى عادتها القديمة، أي مدّ يدها على اموال الناس، وهذه المرة من خلال الضغط على مصرف لبنان لدفعه إلى تمويل صفقات استيراد الفيول، عبر منصة صيرفة. هذا الامر سيؤدّي الى أمرين: اولاً، سيستنزف المزيد من اموال المودعين المتبقية في مصرف لبنان، وسيؤدّي إلى ضغط اضافي على سعر صرف الليرة، على اعتبار انّ المركزي سيحاول شراء أكبر كمية ممكنة من الدولارات من السوق السوداء، لتخفيف الإنفاق من الاحتياطي. وهكذا سيدفع المواطن الثمن مرات عدة: مرةً، من خلال فواتير الكهرباء المرتفعة، ومرة أخرى عبر ارتفاع سعر صرف الدولار، ومرة ثالثة من خلال نضوب إضافي في احتياطي مصرف لبنان من العملات، بما يعني تراجع إمكانات إعادة الودائع إلى اصحابها.
وبالتالي، لماذا تخلّت الحكومة عن مشروع الحصول على تمويل من البنك الدولي، وعادت إلى فكرة استيراد الفيول؟ وما هي حظوظ نجاح او فشل مشروع الحكومة تمويل الفيول عبر رفع تعرفة الكهرباء؟
في السياق، يقول المدير العام السابق في وزارة الطاقة والمياه غسان بيضون لـ»الجمهورية»، انّ ليس الحكومة من تخلّى عن فكرة اللجوء إلى البنك الدولي للحصول على تمويل لاستيراد الفيول، انما البنك الدولي وضع شروطاً يعرف مسبقاً انّه يستحيل السير بها في لبنان، فهو يعلم انّ الحكومة عاجزة عن تنفيذ الإجراءات الاصلاحية التي يطالب بها كغيره من المؤسسات الخارجية والدولية الداعمة للبنان، مثل إنشاء هيئة ناظمة للكهرباء. وقد اختارت الحكومة السبيل الأسهل، فلجأت إلى تنفيذ مشهد مسرحي مركّب عبر إيهام الناس انّ رفع التعرفة هو الحل، بدليل انّ البنك الدولي لم يقتنع بذلك. فما كان امامها الّا خيار اللجوء إلى اموال المركزي لتبييض الوجه وتحقيق انتصار في الكهرباء على حساب اموال المودعين.
وذكّر بيضون، بأنّ وزارة الطاقة سعت لأخذ نحو 10 آلاف و 500 مليار ليرة اعتمادات من مشروع الموازنة السابق ولم تفلح، كذلك حاولت أخذ جزء من الـ1800 مليار ليرة التي كانت ملحوظة لأعمال الصيانة وغيرها من الطروحات الجريئة، ولما لم تتمكّن من تحقيق مبتغاها تشاطرت على الحكومة باللجوء إلى مصرف لبنان لتسجيل إنجاز بكلفة ستصل إلى 300 مليون دولار من اموال المودعين، مع العلم مسبقاً انّ مصيرها سيكون الهدر مثل سابقاتها. ورأى بيضون، انّ مصرف لبنان بات يدرك هذه الألاعيب، وهو يعلم مسبقاً انّ مؤسسة كهرباء لبنان لن تتمكن من إعادة السلفات المالية.
أما عن حظوظ تمويل الدعم عبر رفع التعرفة، فيقول بيضون: «انّ المؤسسة تدرك مسبقاً انّ هذه الخطة لن تنجح، بدليل انّها، ولتبرئة ذمتها، اشترطت تقريراً خطياً من مصرف لبنان يؤكّد تأمين أموال او دولارات الفيول بسعر صرف معين، الّا انّ مصرف لبنان لم يلتزم بذلك، والأجدى كان ان يطلب هو منها التزاماً بأن تُدرج في موازنتها الاعتمادات اللازمة لتسديد القرض. لذا كان يجب إدراج مشروع التعرفة الجديدة للكهرباء في إطار موازنة المؤسسة للعام 2023.
كذلك طالبت المؤسسة ان تلحظ الدولة بموازنتها اعتمادات لتدفع الفواتير المتوجبة عليها للمؤسسة وهذا الامر لم يحصل.
واشترطت المؤسسة لإنجاح خطتها ان تتدخّل وزارات الداخلية والعدل والدفاع كي تتمكن من إزالة التعديات على الشبكة، والقاصي والداني يعلم انّ هذا الامر مستحيل، فهذا المطلب لم يُنفّذ ايام كانت هناك دولة، فكيف بالحري اليوم مع تحلُّل الدولة؟ كما أعلنت بشكل صريح انّ على الدولة مستحقات للمؤسسة وعدم الالتزام بالشروط الموضوعة يعفيها من تحمّل المسؤولية عن نتائج فشل القرار».
رفع التعرفة/رفع التغذية
إلى ذلك، انتقد بيضون بدء العمل برفع التعرفة قبل رفع ساعات التغذية، متوقعاً ان يكون هذا القرار كالطعم الذي سيحقق مبتغى رفع الإيرادات، من دون توفير بالمقابل ساعات تغذية اضافية، اقلّه ليس قبل شهر شباط المقبل، حيث من المتوقع ان يتمّ خلال هذه الفترة فضّ المناقصة واعلان نتائجها، وأن تؤمّن الشركة الفائزة الحمولة ويتمّ ايصالها إلى لبنان وفحصها وتفريغها…كل هذا ومصرف لبنان لم يعلن رسمياً بعد انّه سيؤمّن التمويل للمؤسسة.
وقال: «ولنفترض جدلاً انّ المركزي سيؤمّن الاموال وستزيد ساعات التغذية كما وُعدنا، ماذا ستفعل المؤسسة بعد 6 اشهر عندما سيطالبها مصرف لبنان بأموال السلفة؟»، برأي بيضون: «سيكون جوابها انّ 60% من اموال السلفة سُرق او أُهدر أو ضاع نتيجة التعليق وعدم دفع الدولة لمستحقاتها والتغذية المجانية للمخيمات والنازحين، وانّ الـ 40% المتبقية لم تجبها بالكامل بعد، لأنّه في غالبية المناطق هناك متأخّرات تعود الى عام ونصف العام تقريباً، وبالتالي انّ الاموال التي ستدخل الى المؤسسة خلال هذه الفترة بالكاد ستكفي لدفع تكاليف الصيانة ومصاريف متعهدي التشغيل ومقدمي الخدمات والمستخدمين وتعويضات ومساعدات وتقديمات…».
المصدر:صحيفة الجمهورية