كتب مجيد مطر:
لوحظ في الأيام الأخيرة صدور مواقف تبدو كأنها منسقة، جميعها تقول بسقوط النظام، المقصود اتفاق الطائف. وعلى وقع هذه التصريحات، جاء توقيع مرسوم استقالة الحكومة من قبل رئيس الجمهورية قبل يوم من انتهاء ولايته، بخلاف ما كان يصدر عن اوساطه.
وحيال هذا التوقيع بتنا امام تساؤلات عدة: هل لمرسوم التوقيع قيمة قانونية؟ وهل توقيعه جاء بخلفية الرئيس الحكم ام المنحاز لطرف بعينه؟ ولماذا لم يوقعه عشية انتخاب مجلس نيابي جديد؟ فماذا يقول الدستور امام هذا الواقع، وما هو دور رئاسة الجمهورية الفعلي وليس المتخيل، بعيداً عن الأحقاد والتفسيرات غب الطلب التي يراد منها تبرير تصرفات مخالفة للدستور نفسه؟
جاء في المادة 69 من الدستور ان الحكومة تعتبر مستقيلة:
اذا استقال رئيسها. اذا فقدت اكثر من ثلث أعضائها المحدد في مرسوم تشكيلها. بوفاة رئيسها. عند بدء ولاية رئيس الجمهورية. عند بدء ولاية مجلس النواب… الخ.
اذا بحسب هذه المادة اعتبرت الحكومة مستقيلة لمجرد بدء ولاية جديدة لمجلس النواب، وكلمة «اعتبرت» هنا تأتي في إقرار واقع قانوني لا يمكن لأي سلطة دستورية الا وأن تتعامل معها على هذا الأساس، ومفعول الاستقالة يحوّل الحكومة الى حكومة تصريف اعمال بالمعنى الضيق للكلمة. فلا تجتمع مجدداً. وإزاء هذا الواقع ما هي القيمة القانونية للتوقيع من عدمه؟
من المعلوم أن اتفاق الطائف أعاد تجليس هرم النظام البرلماني على قاعدته، بحيث أصبحت الحكومة مسؤولة امام البرلمان، باعتبار ان لبنان جمهورية برلمانية لا رئاسية، وقد فرضت مقتضيات المشاركة الفعلية في النظام عدم بقاء الحكومة رهينة لارادة رئيس الجمهورية، الذي اصبح رئيسا للدولة ورمز وحدة البلاد، يقوم بصلاحياته على قاعدة انه الحكم والمرجع للجميع، عند وقوع خلاف سياسي بين مكونات الحكم في لبنان الذي تتعدد فيه الطوائف والمذاهب. وقد أعطاه الدستور المكانة والدور، وحفظ موقعه بكونه حامياً للدستور والعيش المشترك. وكل هذه المهام هي اكبر واسمى من أن يعود الرئيس طرفاً، يتدخل في تشكيل الحكومة على قواعد مخالفة للمصلحة العامة. فرئيس الجمهورية يجب أن يراعي في تشكيل كل الحكومات المبادئ التي نص عليها الدستور، وأول تلك المبادئ المناصفة بين الطوائف، والنسبية بين المذاهب والمناطق، لا ان يقبل بوزراء قد يشكلون تحدياً فجاً، لمكوّن او لبرنامج الحكومة نفسه، او عليهم شبهات، او عقوبات دولية بخلفية فساد. بهذا الدور يمثل الرئيس كل لبنان.
فهل صحيح أنه لمجرد توقيع مرسوم الحكومة تفقد كينونتها كحالة قائمة بذاتها تتعلق باستمرار الدولة والمرافق العامة، الذي هو مبدأ يحكم واقعياً كل الرؤساء والمسؤولين مهما علا شأنهم او العكس. وبالتالي لا يمكنها ان تمارس وكالة صلاحيات الرئيس؟
إن رئيس الجمهورية قد سبق له وتعامل مع الحكومة على أنها مستقيلة، وقد التزم هو نفسه هذا الواقع، وقد أكد خبراء الدستور، أن قبول استقالة الحكومة دون صدور المرسوم لا يشكل تجاوزا للسلطة، وان جميع القرارات التي تصدر من حكومة مستقيلة سواء صدر مرسوم استقالتها ام لم يصدر، هي قرارات قانونية في حال التزمت النطاق الضيق لتصريف الاعمال.
ويجدر التنويه، أنه من المتبع أن يصدر مرسوم استقالة الحكومة مع مراسيم تأليف حكومة جديدة. وبعد تقديم الحكومة استقالتها يطلب رئيس الجمهورية من الحكومة الاستمرار في تصريف الاعمال العادية لحين تأليف حكومة جديدة.
هذا الواقع يفتح تساؤلاً مهماً: أيهما أوجب لدى رئيس الجمهورية المصلحة العامة ام مصلحة الفريق السياسي الذي يؤيده؟
فلو سلمنا قولاً، بأن توقيع المرسوم يفقد الحكومة كينونتها، فهل يحق لرئيس الجمهورية ان يصدر هذا المرسوم لتبقى البلاد بلا حكومة تصرف الاعمال، فقط لمنعها من استلام صلاحيات الرئيس التي لن تقدم ولا تؤخر شيئا؟ فحتى لو رضي رئيس الجمهورية بهذه الحكومة، تبقى خاضعة في كل الأحوال للمجلس النيابي الذي يراقب ويحاسب.
فهل يحق له ان يعمل لمصلحة فريق على حساب مصلحة البلد، ليجعل من هذه القضية مسار خلاف بين اللبنانيين، في هذه الظروف الصعبة التي تمر فيها البلاد؟.
همروجة المغادرة
ارتكب الرئيس عون خطأ رمزياً بمغادرة قصر بعبدا قبل يوم من انتهاء ولايته. فمراسم التوديع تصح عند آخر يوم للولاية. فهو له الحق ان ينتقل للرابية، ثم يعود في اليوم الأخير ويجري المراسم الوداعية.
جميع الرؤساء تمسكوا بولايتهم حتى آخر يوم لها. وخرجوا في آخر ساعة، كدلالة على أهمية موقع الرئاسة التي لا يجب ان تنتهك لا في الشكل ولا في المضمون، خصوصا وان الرئيس يقسم على حماية الدستور، وولاية ست سنوات كاملة من ضمنه.
بدت الرئاسة ضحية بقائه في القصر وضحية مغادرته له. أظهر انه أهم من موقع الرئاسة الذي بنى كل حياته السياسية للوصول اليه. ووجد من يصفق له على العمياني.
يبدو أن الجميع قد صدّق، أن ميشال عون رئيس إلا الرئيس نفسه.
المصدر:نداء الوطن