روزانا بومنصف – النهار
ادخل الموقف الاسرائيلي برفض الملاحظات او التعديلات التي قدمها لبنان على المسودة النهائية للاتفاق خوفا كبيرا الى قلوب مسؤولين بدا لهم ان اتفاق الترسيم قد يكون معرضا لان يذهب مع الريح او لن يتم توقيعه على الاقل قبل ان يغادر الرئيس ميشال عون قصر بعبدا منهيا ولايته في 31 تشرين الاول الجاري. فهذا الطموح العوني الملح الى تسجيل انجاز ما قبل انهاء ولايته لا يشكل نقطة اهتمام لا لاسرائيل ولا للولايات المتحدة ولا حتى للداخل بنسبة كبيرة . ولكن رئيس الوزراء الاسرائيلي يائير لابيد يهمه ان يربح الانتخابات التي ستجرى في الاول من تشرين الثاني وفي ظل تصعيد رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو وتوظيفه توقيع الاتفاق المرتقب ضد خصمه مستخدما استراتيجية حساسة ازاء ما اعتبره خضوعا من لابيد لارادة السيد حسن نصرالله . وهو لن يترك فرصة لا يستغلها من اجل تعزيز اوراقه وتحصين موقفه . لعله كان يتعين على اهل السلطة في لبنان رصد وتقويم رد الفعل المحتمل على الملاحظات او التعديلات لا سيما اذا لم تكن اساسية ولا تغير في جوهر البنود كما ارفقت السلطة موقفها على هذا الصعيد . هل داست السلطة في لبنان على لغم ارضي انفجر بها في توقيت غير ملائم ؟ يخشى كثر ذلك لا سيما ان الازمة السياسية في اسرائيل لا تقل حدة عن تلك التي يواجهها لبنان وكانت ولا تزال في كل مرحلة تنطوي على احتمال تأخير الاتفاق او استحالة الوصول اليه تحت وطأة المزايدات في الدرجة الاولى ثم الانتخابات مجددا في اسرائيل وكذلك في لبنان . يقول ديبلوماسيون ان لبنان ربما اقترف خطأ حين اعلن غداة الاجتماع في بعبدا برئاسة الرئيس عون انه قدم ” تعديلات ” على المسودة التي سلمها الوسيط الاميركي آموس هوكشتاين الى لبنان واسرائيل. وزع القصر الجمهوري على موقعه الالكتروني موقفا قال فيه ” بأن “ملاحظات فريق العمل جمعت في تقرير سيرسل إلى الوسيط الأميركي وفيه طلب التعديلات والملاحظات على عرضه”. اي ان هناك” تعديلات ” و” ملاحظات” معا على نحو سيربك السلطة ويحرجها العمل على تسخيفها او التقليل منها كسبيل الى التراجع عنها وفق ما بدت تعليقات بعض المسؤولين بعد تسريب اتجاهات الموقف الاسرائيلي الذي التقط او استغل هذه العبارات دعما لمواقفه في مواجهة نتنياهو . ويخشى في الواقع ان المسارعة الى تسجيل انتصارات شعبوية يمكن ان تكلف لبنان خسارة اتفاق كان وشيكا ومحتملا بنسبة كبيرة وسياسيون كثر كتموا ملاحظاتهم العميقة في هذا الاطار لئلا يبدو ذلك او يفسر معارضة لاتفاق مجز للبنان وفق التسويق الرسمي ومنح لبنان كل حقوقه. ولكن اذا كانت التعديلات او الملاحظات اساسية للبنان وترفضها اسرائيل بسبب التوقيت المتصل بالانتخابات او لارتباطها بمصالح اسرائيلية، فان المهمة ستطرح تحديات جديدة امام الوسيط الاميركي في محاولة لتقريب وجهات النظر وازالة العقبات وتجنيبا لتصعيد كبير قد يعود الى الواجهة بسرعة اذا تعثر الاتفاق . ولكنها ستطرح اكثر تحديا للبنان اذا لم يستطع التراجع عنها لاحقيتها وصوابيتها ، دعما لحقوقه، ايا يكن ما سيكون عليه مصير الاتفاق او حفظا لماء وجه السلطة واذا رفضت اسرائيل التجاوب .فهذا جزء اساسي من المخاوف والتساؤلات التي تسارعت في الساعات الاخيرة لجهة مدى اساسية التعديلات والملاحظات التي سجلها لبنان وما يمكن ان يقنع اسرائيل بقبول البعض منها من دون ان تؤثر على الانتخابات فيها . وتجدر الاشارة الى ان المحادثات الحدودية البحرية التي توسطت فيها الولايات المتحدة وفق ما يسمى ” honest broker “ وبذلت جهدا كبيرا بين لبنان وإسرائيل كانت طريقها من الاساس محفوفة بالمخاطر في ظل ظروف داخلية صعبة في كل منهما وكذلك في ظل جملة عوامل اقليمية ضاغطة تضيف عقبات كثيرة على العقبات الاصلية . وهذه العقبات الاقليمية لم تبرز بسرعة في هذا السياق ولكنها ستكون في الواجهة اذا تعثر الاتفاق جديا . ولكن الامور لم تصل الى هذه المرحلة بعد .
وقياسا الى موقفين على الاقل عبرت عنهما الادارة الاميركية لجهة الاولوية التي يعلقها الرئيس جو بايدن على اتفاق محتمل بين لبنان واسرائيل يحمل الاستقرار الى المنطقة ، فان انهيار توقيع الاتفاق في الاسابيع المقبلة ، وبغض النظر عن اهمية هذا الاتفاق بالنسبة الى الادارة الاميركية او موقعه من ضمن الاولويات او الاهتمامات الاميركية ، قد يوظف تراجعا ان لم يكن فشلا له قبل الانتخابات النصفية للكونغرس الاميركي مطلع تشرين الثاني المقبل. يضاف الى ذلك تزامن هذه التطورات مع قرار منظمة اوبك بلاس خفض الانتاج بحلول تشرين الثاني والذي قوبل برد فعل قوي من ادارة بايدن الذي اعتبر القرار “قصير النظر” اذ سرت انتقادات سياسية قوية لا سيما للمملكة السعودية على خلفية ان زيارة بايدن لها في تموز الماضي كانت بلا نتيجة وان ذلك يناقض الشراكة الاستراتيجية التاريخية بين البلدين . وفسر الديموقراطيون هذا القرار اضعافا لموقف الادارة قبل اسابيع قليلة من الانتخابات وسيؤثر عليها . واذا تم الجمع بين هذين العاملين ، فقد يكونان سلبيين جدا في تقويم انجازات السياسية للادارة الاميركية بغض النظر عن اهمية الاستقرار بين لبنان واسرائيل بالنسبة الى الداخل الاميركي. ويصعب بالنسبة الى بعض السياسيين عدم بذل هوكشتاين جهودا تمنع انهيار فرصة انجاز الاتفاق استنادا الى هذا السبب بالذات بالاضافة الى عدم رغبته في ضياع جهوده الشخصية ونجاحه الخاص الى جانب السعي الحثيث الى منع اي تصعيد سيكون صعبا تجنبه في المدى المنظور .