جريدة الكترونية تأسست
1/1/2015
الرئيسية / أبرز الأخبار / من سيستفيد أكثر من الترسيم، لبنان أم الحزب أم إسرائيل؟
News-T-666660-638004541458171597

من سيستفيد أكثر من الترسيم، لبنان أم الحزب أم إسرائيل؟

سابين عويس – النهار

يخطو لبنان خطواته الأخيرة نحو التسليم باتفاق الترسيم المقترح أخيراً من الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين، حيث سيضع الملاحظات أو التعديلات النهائية على المسوّدة، تمهيداً لوضعها على طاولة الناقورة في جلسة أخيرة تطلق إشارة الانتقال إلى مرحلة التنقيب والاستخراج.

أكثر من عقد استغرقت المفاوضات غير المباشرة حول هذا الملف الحيوي والهام بالنسبة الى لبنان، لم تنجح في إحداث خرق أو تقدّم، إلا قبل عام، عندما نجح رئيس المجلس نبيه بري في إرساء اتفاق إطار هو في الواقع الأساس الذي سيُرتكز عليه اليوم لتوقيع ما بات يُعرف بمحضر اجتماع، يصار الى تسجيله وتوثيقه في الأمم المتحدة على أنه الوثيقة التي تحدّد حدود لبنان البحرية.

لم يبق الملف في يد بري طويلاً قبل أن يستردّه رئيس الجمهورية من منطلق أن رئيس الدولة هو صاحب الصلاحية في التفاوض والتوقيع على المعاهدات الدولية. صحيح أن الترسيم ليس معاهدة أو اتفاقاً يُوقع بين بلدين، ولكن رئيس الجمهورية حرص على أن يتولى إدارة الملف طمعاً بترك بصمة إنجاز في هذا المجال، يمكن توظيفه أو استثماره سياسياً مستقبلاً، ولا سيما لدى واشنطن التي فرضت قبل فترة عقوبات على النائب جبران باسيل، حارمة إيّاه الدخول في السباق الرئاسي.

عشر صفحات تجري ترجمتها وتنقيحها وتصحيح بعض بنودها بناءً على الملاحظات اللبنانية ستظل خارج متناول اللبنانيين في الوقت الراهن حتى التوقيع النهائي، وسط أجواء متفاوتة في شكل فاضح بين مرحّب ومعترض في الداخل اللبناني، كما، للمفارقة، في الداخل الإسرائيلي أيضاً، ما يجعل السؤال المشروع والمبرّر: لمصلحة أي فريق جاء الترسيم، ومن سيفيد منه أكثر.

سيمرّ وقت قبل أن يتبيّن حجم التنازلات التي قدّمها لبنان لقاء الاتفاق، لكن الأكيد أن الوصول الى هذه التنازلات لم يكن ليحصل لولا الضغوط الاقتصادية والمالية التي تعرّض لها في الأعوام الثلاثة الماضية، والتي جاءت في سياق دفع اللبنانيين الى القبول بأيّ تسويات أو اتفاقات تقيهم شرّ الانهيار ومفاعيله الكارثية.

الأمر ينسحب على إسرائيل. فتحت ضغط حاجتها الملحّة الى تعويض أوروبا عن نقص الغاز الروسي، وافقت على التعجيل في الاتفاق، علماً بأن لإسرائيل مصلحة أخرى تكمن في الضمانات الأمنية التي حصلت عليها بموجب الاتفاق والتي تتيح لها الاستخراج في شكل آمن.
لا يمكن عدم التسليم بأن التنازلات التي لم تتضح بعد معالمها في شكل كامل قبل الاطلاع على الصيغة النهائية للاتفاق تقابلها مكاسب في السياسة والاقتصاد. وقد يكون “#حزب الله” الرابح الأكبر فيها، خصوصاً إذا ما كان ثمن قبول الحزب بالاتفاق، إطلاق يده داخلياً وتحصين نفوذه في السلطة، فضلاً عن حصة ما في التنقيب والاستخراج، في ظل ما يتردّد من معلومات عن أن خروج شركة “نوفاتيك” الروسية من الكونسورتيوم الذي ضمهّا الى شركتي “توتال” الفرنسية و”إيني” الإيطالية سيُستعاض عنه بشركة محلية أو ذات تمثيل محلي.

قد يكون الضغط الأميركي للتعجيل في التوقيع (وقد جالت السفيرة الأميركية أمس على كل المسؤولين داعية الى ذلك)، يَصبّ في مصلحة تأمين المصالح الإسرائيلية القاضية بتنظيم الاستخراج من حقل كاريش من دون أي تهديدات أو مخاطر من جانب الحزب، لكن هل يترافق هذا الضغط مع الإفراج عن الاستحقاقين الرئاسي والحكومي، بحيث يتوّج الترسيم بانتخاب رئيس جديد من ضمن رزمة الاتفاق؟ وهل يسهّل الحزب وصول رئيس بالتوافق أم يذهب في خياره الى رئيس تحدٍّ؟ علماً بأنه تريّث أو امتنع عن تسمية مرشحه في جلسة الانتخاب الاولى، واكتفى بالورقة البيضاء، ما يعكس عدم استعجاله على حرق أوراقه الرئاسية قبل إنجاز ملف الترسيم؟

كان لافتاً في المقابل، كلام نائب رئيس المجلس الياس بو صعب من قصر بعبدا، وهو مهندس الاتفاق، عن أن عامل القوة المتمثل بمعادلة الجيش والشعب والمقاومة فرض نفسه في المفاوضات. وقد بدا استحضاره للمعادلة الذهبية لـ”حزب الله”، بمثابة إعادة إرساء لها في أي مسار ستسلكه البلاد على طريق استحقاقاتها الدستورية الداهمة، وتجيير كامل للاتفاق لرصيد الحزب، علماً بأن بعض أصحاب النوايا الخبيثة ربط بين كلام بو صعب وسؤاله لرئيس المجلس عن طائفة رئيس الجمهورية، واضعاً الكلام في إطار استدراج عروض رئاسي أو أقله تحميل أي رئيس مقبل مسؤولية تبنّي هذه المعادلة.

الترسيم في مرمى الاقتصاد

على المقلب الاقتصادي، لن يتاح للبنان التعويل أو الإفادة من ثروته النفطية على المدى القريب لمعالجة أزماته الاقتصادية والمالية. ذلك أن دون هذا الأمر تحدّيين، أولهما يتمثل في عامل الوقت الذي لا يلعب لمصلحته أبداً، إن لجهة الإفادة المحلية من الغاز لتشغيل معملي دير عمار والزهراني لتأمين الكهرباء، أو لجهة ولوج الاسواق الأوروبية اللاهثة وراء الغاز. ذلك أن التنقيب والاستخراج سيستغرقان ما بين خمس سنوات وسبع، حين يكون العالم قد تحوّل تدريجاً وتلقائياً، واليوم قسرياً بسبب الحرب الروسية، الى موارد الطاقة المتجدّدة والاستغناء عن الغاز.

أما التحدي الثاني الذي لا يقل أهمية، فيكمن في المخاوف حيال مخزون واحتياطات الغاز المرتقبة وسط توقعات متفاوتة حيال حجمها. وهذا الامر دفع العديد من الخبراء الى الاستخلاص أن التوقعات تفوق الواقع وتنحو الى تضخيم أرقامها، فيما هي لا تتجاوز بضعة مليارات من الدولارات لا المئات منها.

لكن ما يمكن أن يشكل عاملاً إيجابياً وسط هذه الصورة الضبابية أن توقيع الترسيم سيتيح للبنان الانتقال من دولة فاشلة الى دولة نفطية، وإن بإمكانات لا تزال ضئيلة أو غير مضمونة، الأمر الذي سيحسّن المناخ الاستثماري ويوفر الاستقرار الاستثماري، خصوصاً إذا ما ترافق مع تطبيق رزمة الإصلاحات المطلوبة التي تعيد للبلد ثقة مفقودة وأماناً ضائعاً.