كتب د. نبيل خليفة في “نداء الوطن”:
يوم الخميس 22 أيلول (سبتمبر) 2022 صدر عن مقرّ الأمم المتحدة في نيويورك بيان باسم وزراء خارجيّة الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة العربيّة السعودية، حول لبنان. ويأتي البيان في سياق مبدأ عام طالما تبنّته وتتبناه هذه الدوّل، وخلاصته المحافظة على سيادة لبنان وأمنه واستقراره. وتحقيقًا لهذه الأهداف الساميّة، تشير اللّجنة الثلاثيّة وتذكّر بضرورة القيام، على الصعيد اللبناني، بست مبادرات وأهداف لا بدّ من تحقيقها وهي:
1 – اجراء الانتخابات الرئاسيّة في موعدها الدستوري، واختيار رئيس يمكنه توحيد الشعب اللبناني والعمل مع الجهات الاقليميّة والدوليّة لتجاوز الأزمة الحاليّة.
2 – تشكيل حكومة قادرة على تطبيق الاصلاحات السياسيّة والاقتصادية وخاصة تلك المتعلقة بصندوق النقد الدولي.
3 – التزام هذه الدوّل واستعدادها للقيام بعمل مشترك مع لبنان لدعم تنفيذ هذه الاصلاحات التي تعدّ حاسمة لمستقبل الاستقرار والازدهار والأمن في لبنان.
4 – التأكيد على دور القوات المسلّحة وقوى الأمن الداخلي اللبناني ومسؤولياتها في حفظ سيادة لبنان واستقراره، مع استمرارها في حماية الشعب اللبناني في ظلّ أزمة غير مسبوقة.
5 – ضرورة قيام الحكومة اللبنانية بتنفيذ أحكام قرارات مجلس الأمن 1559، 1701، 1680، 2650 والقرارات الدوليّة ذات الصلة الصادرة عن جامعة الدوّل العربيّة.
6 – الالتزام باتفاق الطائف المؤتمن على الوحدة الوطنيّة والسلم الأهلي في لبنان.
لماذا الدوّل الثلاث … ولماذا البيان الآن؟
1 – ان لكل من هذه الدوّل الثلاث علاقة خاصّة بالقضية اللبنانية:
بالنسبة للولايات المتحدة يكفي القول ان التأمل في بنيان السفارة الأميركية في عوكر بضواحي بيروت يعطي صورة عن نظرة الولايات المتحدة الى الكيان اللبناني ودوره الجيو- سياسي في المنطقة وفي العالم.
أما فرنسا تاريخيًّا فهي الأم الحنون، للكيانيّة اللبنانية.
وأما السعودية فهي الأخ العربي الأكبر والأكثر تأثيراً وحضوراً في الواقع اللبناني على أكثر من صعيد وفي أكثر من مجال.
2 – ان استصدار البيان الثلاثي في هذه المرحلة، وفي هذا التوقيت بالذات يعود الى اعتبارات جيو– سياسية مصيريّة فهذه الدول، ومعها العديد من دول العالم، ليست مرتاحة الى اتجاه الأمور في لبنان بحيث تفرض ايران بواسطة «حزب الله» هيمنتها على وطن الأرز بشكل كامل، المطلوب ان تتصدى هذه الدول ومعها الدول الصديقة للبنان السيد الحرّ المستقل لمحاولات فرض نظام ولاية الفقيه على الجمهورية اللبنانية، وكما يقول ميشال شيحا: «إن كل محاولة تقوم بها طائفة في لبنان للسيطرة بالقوة على بقية الطوائف تكون بمثابة قنبلة لتفجير الوضعية اللبنانية»، والحقيقة، ان الطائفة الشيعيّة عبر «حزب الله» قد ذهبت بعيدا في سعيها لفرض هيمنة كاملة على لبنان: سياسياً وأمنياً واقتصادياً… وبالتالي لا بدّ من ايقافها عند حدّها. وكل نقاط البيان الثلاثي تلتقي حول هذا الهدف!
يعدُّ لبنان من أكثر الدوّل تنوعاً اثنياً ومذهبياً إذ هو يتألف بشرياً من أكثر من عشرين أقليّة. إن قيام نظام سياسي لبناني على قاعدة التنوّع والتعدّديّة والحياة المشتركة خاصة بين المسيحيين والمسلمين، هذا النظام أرسى فكرة «البلد الضرورة» ذلك ان كل محاولة لإرساء نظام سياسي في منطقة الشرق الأوسط، او في غيرها من مناطق العالم التي تشبهها، تتخذ من التجربة اللبنانية نموذجاً لها وخاصةً في موضوع الديمقراطيّة التوافقيّة. وعلى العكس من ذلك، فإنّ فشل النموذج السياسي اللبناني ينعكس سلباً على مجمل الوضع في المنطقة ويؤدّي الى كوارث اجتماعيّة. لذا تسعى الدوّل التي لها مصالح في المنطقة الى دعم ومساندة النظام اللبناني كي يظلّ قائماً وناجحاً، لأنّ في ذلك مصلحة حيوية لها من وجوه عدّة.
4- ان مراجعة متأنيّة لنصّ البيان الثلاثي الأميركي – الفرنسي – السعودي تبرز هدفاً أساسياً وجذرياً يعكس محتوى هذا البيان وهو عمل أي شيء وكل شيء لإنقاذ النظام اللبناني من كافة الصعوبات التي تعترض سبيل الشعب اللبناني في هذه المرحلة من التاريخ. فهو يهدف الى معالجة كافة القضايا التي تكسر قاعدة الضرورة في التجربة اللبنانية، ويعرض بالتالي لكافة المبادئ الاصلاحية المطلوبة لتحقيق الأهداف الأساسية لإرساء نظام لبناني سيّد حرّ ومستقل. والدول الثلاث تسعى في هذا البيان لتذكير اللبنانيين شعباً ومسؤولين، بما عليهم لإنقاذ بلدهم من الانهيار. ولعلّ الأهم في ذلك، هو التذكير بقرارات مجلس الأمن حول القضية اللبنانية ولاسيما القرار 1559 الذي هو المرجعية الأساسية للقرارات الأمميّة حول لبنان وفيه إلغاء المليشيات وسحب السلاح!
لبنان – الرمز !
1- في ما يتخطّى لبنان – الضرورة ، تحوّل وطن الأرز الى لبنان – الرمز: رمز لابنائه المقيمين والمنتشرين في جميع أنحاء العالم. فالكلمات المفاتيح في الجيو – بوليتيك اللبناني صارت واضحة: الأولويّة (لبنان أولاً) والميثاقية، والكيانيّة (10452 كلم) والنهائيّة والليبراليّة بما فيها الديمقراطية والتمسّك بالشرعيّة الدوليّة وبالاصالة – الانفتاح وثقافة السلام وحقوق الانسان. وأن نكون موحدين في اثنين كما يقول ميشال شيحا وهما: «الأرض والمصير!».
2- هذا اللبنان، بتركيبته الخاصّة، جبلاً وبحراً وحجراً وشجراً وصوامع فوق التلال قرب وجه الله المشرق علينا من علٍ. كل ذلك جعل من لبنان رمزاً دينياً وطنياً ترتبط به أكثر كلّما ابتعدت عنه أكثر، وتراه في عين الرؤيا أكبر كلّما رأيته في عين الرؤية أصغر!
***
خلاصة ذلك، يعكسها كلام للأب ميشال حايك يقول فيه: «ان لبنان هو الوحيد في العالم الذي جعل وجوده قضية لأجلها كان وسيكون أو لن يكون. بدونها لا حاجة لوجوده ومعها وجوده ضرورة عالميّة»!
… ومن أجل هذه الضرورة العالميّة كان البيان الثلاثيّ!!