كتبت راكيل عتيّق في “نداء الوطن”:
فاجأ رئيس مجلس النواب نبيه بري، أمس، جميع الأفرقاء السياسيين والكتل النيابية، بتوجيهه دعوة لمجلس النواب الى جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية، غداً الخميس، وذلك بعد أن كان رئيس المجلس يتريّث بتوجيه هذه الدعوة، الى حين بروز حدّ أدنى من التوافق أو تبلور الاتجاهات الانتخابية. وفي حين كان يؤثر بري عدم الدعوة الى جلسة على طريقة «الفن للفن» ولـ»الفولكلور» بحيث ستقاطعها كتل نيابية ونواب مستقلّون فيتعذّر تأمين النصاب لانعقادها، إلّا أنّه عدل عن هذه المقاربة ودعا الى جلسة يعلم مسبقاً أنّه من شبه المستحيل أن يحضر 86 نائباً لعقدها. فماذا تغيّر في «ليلة وضحاها» وما هي الرسائل التي يوجهها بري من خلال هذه الدعوة والى أي جهات؟
يُبرّر قريبون من بري دعوته الفجائية الى جلسة لانتخاب رئيس في غضون يومين، بأنّه يلتزم الأصول الدستورية و»لا يقصّر» بواجبه الدستوري. وإذ يشير هؤلاء الى أنّه إذا حضر 86 نائباً وتأمّن نصاب الثلثين يُصبح من الوارد انتخاب رئيس للجمهورية في الجلسة الثانية، بحيث يُنتخب عندها بأكثرية النصف زائد واحد أي 65 نائباً، يقولون: «من ينادي بضرورة انتخاب الرئيس ضمن المهلة الدستورية، ليتفضّل ويحضر».
هذه الدعوة طبيعية بالنسبة الى بري ولا تستدعي «الاستغراب»، وإذا لم تُعقد الجلسة غداً، سيعمد رئيس المجلس الى تحديد موعدٍ جديد، وسيدعو الى جلسات أخرى، في فترات غير متباعدة، الى حين إنتخاب رئيس للجمهورية. وبالتوازي ستبقى الورشة التشريعية «ماشية»، بحيث لن يكون التركيز في مجلس النواب على الموضوع الرئاسي فقط، إذ إنّ المطلوب من لبنان كثير ويجب أن نقوم باللازم، على مستوى إقرار القوانين الإصلاحية المطلوبة، بحسب بري.
وفي حين يعتبر قريبون من رئيس المجلس أنّ من واجبه أن يدعو الى جلسة انتخابية أولى لكي يضع النقاط على الحروف، وللانطلاق بالعملية الانتخابية الرئاسية ضمن المواعيد الدستورية، تشير المعطيات الى أنّ هناك أسباباً أخرى لتوجيه بري هذه الدعوة في هذه اللحظة السياسية، وأنّها مرتبطة أولاً بـ»العرقلة» على الخط الحكومي، إذ إنّ ما ظهر من مطالب وشروط للإفراج عن تأليف الحكومة المرتبطة، خصوصاً من جانب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، يناقض الإيجابية التي كانت تُشاع حول الولادة الحكومية، قبل 48 ساعة.
وبالتالي من المرجح أن يكون السبب المباشر لدعوة بري الى جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية، الضغط على عون وباسيل للتراجع حكومياً، بعد أن فرضا شروطاً ومطالب جديدة إن على مستوى التوزير أو التعيينات والقرارات الحكومية التي يشترطان على المعنيين التزامها مسبقاً، إذ إنّ هذه الدعوة تُحرج باسيل لجهة حضور الجلسة أو مقاطعتها، خصوصاً أنّ أفرقاء كُثراً يعتبرون أنّ من مصلحة باسيل تأجيل الانتخابات الرئاسية والدخول في فراغٍ رئاسي علّ الوقت يلعب لصالحه رئاسياً، بحيث لا يُنتخب رئيس لا يضمن له مقاعد وزارية ووجوداً في السلطة في العهد الجديد. لكن الى هذا الضغط على عون وباسيل، يصيب بري «عصافير» عدة بحجرٍ واحدٍ، إذ إنّه بتوجيهه هذه الدعوة يبعث برسالة الى المجتمع الدولي ليُظهر أنّه ملتزم واجباته والمهلة الدستورية. كذلك من المؤكد أنّ كتلة «التنمية والتحرير» ستحضر الخميس الى مجلس النواب، وبالتالي إذا قاطعتها كتل نيابية أخرى، يكون بري يوجّه رسالة ثانية بأنّ كتلته تلتزم العمل المؤسساتي والمواعيد الدستورية، بينما لا يلتزمها أفرقاء آخرون.
الى ذلك يُحرِج بري جميع الأفرقاء، لا سيما منهم غير المستعدّين لهذه الجلسة والذين لم «تنضج» خياراتهم الرئاسية بعد، أكانوا حلفاء وأصدقاء كـ»حزب الله» و»الحزب التقدمي الاشتراكي» أو خصوماً ومعارضين، فيعتبر أنّه يفضح باكراً «معرقلي» جلسة الانتخاب أمام الرأي العام اللبناني والمجتمع الدولي على حدٍّ سواء. إضافةً الى ذلك، فتح بري بهذه الدعوة الباب الرئاسي فعلياً، فوضع الجميع أمام هذا الاستحقاق، لمقاربته جدياً وتسريع وتيرته، ربما للاستفادة من تسوية دولية تلوح في الأفق، وقد تنعكس على مستوى الرئاسة اللبنانية برئيسٍ توافقي أيضاً. وبالتالي، مهما كان مصير هذا الاستحقاق، يغسل بري يديه من جريمة تأخيره أو تأجيله الى ما بعد المهلة الدستورية التي تنتهي في 31 تشرين الأول المقبل، بحيث إذا حلّ الفراغ الرئاسي، يكون من غير المتسبّبين به، أقلّه شكلياً، إذ يكون «أدّى قسطه للعُلى» بالدعوة الى جلسات انتخابية ضمن المواعيد الدستورية إضافةً الى تلبية كتلته النيابية كلّ هذه الدعوات. وهذا تماماً كما يعتبر بري أنّه لم يلوّث يديه بالإقتراع لعون رئيساً للجمهورية، و»يحمد الله» على عدم انتخاب «الرئيسين» كما قال إثر انتخاب عون في 31 تشرين الأول من عام 2016، وقصد حينها بـ»الرئيسين» كلاً من عون وباسيل.
أمّا على مستوى تبنّي مرشح للرئاسة، فيبدو أنّ بري لم يصل بعد الى مرحلة فتح أوراقه وطرح أسماء للرئاسة أو العمل على تسويقها ورفع حظوظها، ولن يكشف أوراقه باكراً خصوصاً أنّ حليفه الشيعي «حزب الله» يلوذ بالصمت بدوره تجاه الترشيحات، مع الأخذ في الاعتبار أنّ القائم اليوم قد لا يكون قائماً غداً أو بعده، فهناك متغيرات كثيرة على الساحات الدولية والإقليمية والمحلية، و»كلّ ساعة وملائكتها معها»، وما نراه مستحيلاً اليوم قد يصبح غير مستحيل غداً، وبالتالي يقارب بري الترشيحات وفق معادلة عدم حرق الأشرعة والوقت على الطريقة اللبنانية.