كترت ايفا ابي حيدر في “الجمهورية”:
منذ ان بدأ مصرف لبنان تقليص الدعم تدريجياً عن البنزين بدأ سعر الدولار في السوق الموازي بالارتفاع. ففي خلال شهر ارتفع نحو 7000 ليرة من نحو 30 الفاً في منتصف آب إلى ملامسته 37 ألفاً امس. توازياً، زاد سعر الدولار على منصة صيرفة نحو 3000 ليرة من 26 ألفاً ليلامس الـ29 الفاً امس. فهل رفع الدعم وحده هو وراء هذه الارتفاعات ام انّ هناك عوامل أخرى؟
في كل مرة كان يتفلّت فيها سعر الدولار في السوق السوداء، كان مصرف لبنان يبادر إلى «تخريجة» لضبطه، فيخفّض الدولار اصطناعياً وبشكل مؤقت، هذا ما حصل عقب الاعلان عن تشكيل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي حكومته الاولى في ايلول من العام 2021، فتراجع سعر دولار السوق السوداء مقابل الليرة من 18 الفا الى نحو 13 الفا.
في منتصف كانون الثاني من العام الجاري، ومع وصول الدولار في السوق السوداء إلى حوالى 34 الفاً، أصدر المصرف المركزي التعميم 161 الذي سمح بموجبه للمودِعين الذين يملكون حسابات بالليرة اللبنانية، بسحب ودائعهم ورواتبهم بالدولار الأميركي وفق سعر منصّة صيرفة، ما أدّى إلى تراجع الدولار إلى نحو 28 الفاً.
تكرّر الامر في ايار الماضي مع بلوغ سعر الدولار في السوق الموازي 38 الفاً، ما دفع بمصرف لبنان الى التدخّل عبر إصدار تعميمين جديدين للجم ارتفاعه، ما أدّى إلى هبوط كبير للدولار من 37 ألف ليرة إلى أقل من 30 ألفاً خلال ساعتين فقط. وتوجّه المركزي في تعميمه الاول إلى»جميع حاملي الليرة اللبنانية من مواطنين ومؤسسات، ويريدون تحويلها إلى الدولار الأميركي، التقدّم بهذه الطلبات إلى المصارف اللبنانية، وذلك على سعر منصة صيرفة، على أن تتمّ تلبية هذه الطلبات كاملة في غضون 24 ساعة»، وذلك بناءً على التعميم 161 ومفاعيله. وتوجّه في التعميم الثاني إلى المصارف لتبقي على فروعها وصناديقها مفتوحة لشراء الدولارات على سعر صيرفة لمن سلّم الليرات اللبنانية.
راهناً، ومع ملامسة سعر الدولار الـ37 الفاً في السوق الموازي، هل يخبئ المركزي تعميماً لضبطه اصطناعياً كما جرت العادة؟ وهل لا يزال قادراً على التحكّم بالسوق رغم تراجع احتياطه إلى مستويات غير مسبوقة؟
بداية، لا شك انّ عوامل كثيرة ساهمت بارتفاع سعر الدولار في السوق الموازي. وفي السياق، يقول الخبير المالي ميشال قزح لـ»الجمهورية»، انّ هناك عوامل عدة ادّت إلى ارتفاع سعر الصرف مقابل الليرة، لعلّ ابرزها رفع مصرف لبنان الدعم كلياً عن البنزين، أي توقفه عن تأمين الدولارات اللازمة لشرائه وفق سعر منصة صيرفة، واضطرار أصحاب المحطات إلى شراء الدولار لتأمين المبالغ المطلوبة، وبالتالي، باتت كل المحطات مجبرة على شراء الدولار من السوق. ويصل مجموع ما تحتاجه إلى ما بين 300 الى 350 مليون دولار شهرياً، وهذا المبلغ يُعتبر كبيراً، وهو العامل الاساس لارتفاع الدولار.
تُضاف اليها عوامل اخرى وهي:
– الزيادة التي أُعطيت إلى موظفي القطاع العام في نهاية آب الماضي، وهي عبارة عن بدل النقل وانتاجية، والتي رفعت من الكتلة النقدية في السوق وزادت بالتالي الطلب على الدولار.
– زيادة حصة السحب النقدي باللبناني للشركات. ففي السابق وصلت قيمة ليرة البنك في السوق إلى 34% ، أما راهناً فتراجعت إلى 10%، بعدما سمح للشركات برفع حصتها الشهرية من النقدي، وهذا ما يفسّر عدول بعض اصحاب السوبرماركت عن فكرة 30% كارت و70% نقدي، وعودتهم الى اعتماد 50%/ 50%
– إنتهاء الموسم السياحي وما أدخل معه من دولارات الى لبنان.
– الدولار الجمركي: ارتفاع طلب التجار على الدولار من اجل استيراد البضائع وتخزينها قبل اقرار الدولار الجمركي، من اجل اعادة بيعها لاحقاً بأسعار أعلى. هذا التحوط زاد الطلب على الدولار ورفع من حجم الاستيراد، بدليل العجز الكبير المسجّل في الميزان التجاري حتى نهاية شهر تموز. على سبيل المثال، بلغ حجم استيراد السيارات لهذا العام ما قيمته 850 مليون دولار وهذا رقم كبير، عدا عن ارتفاع استيراد الكماليات والذهب والماس… للأسف لم تتخذ الدولة أي إجراءات للحدّ من النزيف الحاصل.
أضاف قزح: «خلال هذه الفترة، عمد مصرف لبنان إلى ضخ ما بين 400 الى 500 مليون دولار في السوق، حتى وصل إلى تراجع في احتياطه بلغ 9.5 مليار دولار». انطلاقاً من ذلك وبناءً على المعطيات المتوفرة، توقّع قزح ان يستكمل الدولار الأسود مساره التصاعدي، مرجّحاً وصوله إلى 50 الفاً وربما أكثر قبل نهاية العام، الّا في حال قرّر مصرف لبنان إعادة استخدام صيرفة لخفض الدولار، تماماً كما فعل في المرات السابقة.
ورداً على سؤال، قال قزح انّ الطريقة الوحيدة التي يمكن ان يتدخّل فيها مصرف لبنان بالسوق شارياً لليرة ستكون بعد ان يصل سعر الدولار الموازي الى نحو 42 الفاً أو أكثر، فيقرّر مثلاً رفع حجم التداول عبر منصة صيرفة من خلال عدم تحديد كوتا لشراء الدولار للأفراد او للشركات، في حين هي راهناً محدّدة بـ 500 دولار فقط وتُستثنى منها الشركات.
رغم ذلك، لم يستبعد قزح ان ينعكس الاستقرار السياسي في حال تأمّن، ايجاباً على وضع الليرة، مثل التوافق على تشكيل حكومة وانتخاب رئيس جمهورية.