كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
كما كان متوقّعاً، لم تنطلق محرّكات التأليف، على نحو جديّ، إلا قبل أسابيع معدودة من انقضاء عهد الرئيس ميشال عون، بعدما ارتفع منسوب المؤشرات التي تدلّ على أنّ الشغور يزحف نحو قصر بعبدا، وقد لا يخرج منه في المدى المنظور.
قبل ذلك، كان الفريقان، أي الفريق الرئاسي، وفريق رئيس الحكومة المكلّف نجيب ميقاتي يمارسان لعبة التشاطر على بعضهما البعض، من خلال سجال إعلامي لا يليق أبداً بتحدّيات المرحلة الحافلة بالأزمات والانهيارات المتتالية. وها هما يجلسان من جديد في محاولة للإتفاق على صيغة تحول دون اندلاع معركة قانونية حول دستورية حكومة تصريف الأعمال ومدى قابليتها وقدرتها على استلام صلاحيات رئاسة الجمهورية بعد وقوع الشغور.
صحيح أنّ الفريق العوني بقيادة رئيس «التيار الوطني الحرّ» جبران باسيل يهدّد جهاراً برفضه التسليم بواقع انتقال صلاحيات رئاسة الجمهورية بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون إلى حكومة منقوصة الدسم الدستوري، من خلال التأكيد أنّ بقاء رئيس الجمهورية في القصر بعد31 تشرين الأول هو «خيار أول ولسنا معه، ورأينا أن الرئيس يجب أن يغادر القصر مع انتهاء ولايته رغم أن هناك جواً متزايداً بأن الرئيس يجب أن يبقى في حال بقاء هذه الحكومة. الخيار الثاني هو سحب التكليف من رئيس الحكومة. والخيار الثالث هو أن يتم التفكير بتأليف حكومة أخرى»… إذاً كلّ الخيارات متاحة أمام هذا الفريق، و»رح نعمل مشكل كبير بالبلد»، «لن نقبل بأيّ شكل من الأشكال أن تأخذ حكومة تصريف أعمال، ليس لديها أساساً صلاحية أن تجتمع أو تتخذ قرارات وغير مكتملة الصلاحيات، مكان رئيس جمهورية مكتمل الصلاحيات».
لكنّ العارفين يجزمون بأنّ التهويل بهذه الخيارات الخارجة عن نصوص الدستور ليست سوى من باب ممارسة الضغط على رئيس الحكومة المكلّف، وليست لتجد طريقها إلى التنفيذ لاعتبارات كثيرة تجعل من حكومة تصريف الأعمال هي الخيار الوحيد المتاح في حال تأخّرت عقارب الرئاسة الجديدة وفي حال لم يتفق ميقاتي والفريق العوني على صيغة مشتركة تعيد تعويم الحكومة.
منذ لحظة تكليفه، حسم ميقاتي خياراته الحكومية، بصيغة واحدة وهي ترقيع حكومة تصريف الأعمال وتنقيحها من خلال اسمين أو ثلاثة على أبعد تقدير. وهذا ما يعني إعادة إخضاعها لثقة مجلس النواب حتى لو اقتصر الأمر على تبديل اسم واحد. وهو لغاية لقائه أمس رئيس الجمهورية، لا يزال عند رأيه: إعادة تعويم حكومة تصريف الأعمال مع بعض التعديلات الموضوعية، استناداً إلى النتائج التي أفرزتها الانتخابات النيابية. ولهذا اقترح ميقاتي في اللقاء الأخير الذي جمعه برئيس الجمهورية، أن يتولى الفريق العوني تسمية وزيرين، درزي بعد التشاور مع رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، ومسيحي بعد التشاور مع نواب عكار السنّة الذين يطالبون بتمثيلهم وزارياً لكي يمنحوا الحكومة الثقة.
لكن الخلاف وقع بفعل إصرار الفريق المقابل، أي الفريق الرئاسي على توسيع الحكومة لتصير ثلاثينية بعد ضمّ ستة وجوه تكون من الطقم السياسي في محاولة لتكريس فيتو معطّل في التوازن الحكومي الجديد. لكن رفض ميقاتي ترك الكرة في ملعب الرئاسة.
في الأيام الأخيرة، ارتفع منسوب مطالبة «حزب الله» بتوسيع وتيرة المشاورات الحكومية. اذ أكَّد رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد أنَّ «بلداً من دون حكومة لا يمكن أن يستقرّ وضعه»، معتبراً أن «الدّلع الذي نعايشه في طريقة تشكيل الحكومة لا محلّ له الآن»، فيما اعتبر رئيس المجلس التنفيذي هاشم صفي الدين أنّ «حزب الله سبّاق في التعاون ويعمل على تذليل العقبات»، مشيراً الى أن «الأطراف السياسية تُظهر جدية في الوصول إلى حكومة ونحن نعتقد أنه يجب أن تذلل العقبات وأن تطغى سياسة التنازلات من أجل الوطن ومصلحة كل الناس».
وقد تبيّن أنّ رجحان كفة الشغور في الرئاسة الأولى، أعاد تفعيل قنوات المشاورات السياسية، ولقطع الطريق أمام مزيد من الشلل قد يصيب حكومة تصريف الأعمال اذا ما اعتكف عدد من وزرائها وتعاطى معها الفريق العوني على أنّها غير دستورية خصوصاً إذا غرقت المفاوضات الرئاسية في مستنقع التعقيدات المحلية والاقليمية. ولهذا كان لا بدّ من تقريب وجهات النظر لكيّ يتمّ الاتفاق على حكومة جديدة تتولى إدارة مرحلة الفراغ.
لكنّ اللقاء بين عون وميقاتي غلب عليه الطابع التشاوري، على ما يقول المواكبون، إذ استبق رئيس الحكومة المكلّف الجلوس قبالة رئيس الجمهورية، ليشير مازحاً أمام الصحافيين المعتمدين في القصر، إلى أنّ «الرئيس نبيه بري في الجنوب، ما فينا نطلع المراسيم». وكان يفترض أن يخصص الاجتماع لاستطلاع موقف رئيس الجمهورية من العرض الذي سبق وتقدّم به ميقاتي في الجولة السابقة، ما يعني أنه لم يحمل في جعبته أي طرح جديد.
إلّا أنّ مشاورات اللقاء المسائي، أعادت الملف الحكوميّ إلى مربّع البداية، كما يقول المواكبون حيث بدا وكأنّ الفريق العوني يسعى إلى تحقيق ما عجز عن تحقيقه في السنوات الستّ من العهد، اذ يتمّ وضع الشروط والمطالب تباعاً، لتصير غير قابلة للترجمة أو التحقيق، بدءاً بوزارة الداخلية، مروراً بوزارة الطاقة، والتوزير السياسي وصولاً إلى «قبع» رياض سلامة.
ولهذا، يقول هؤلاء إنّ الاجتماع انتهى إلى «لا اتفاق» بشكل يرفع من شكوك رئيس الحكومة المكلف إزاء رغبة الفريق العوني في التأليف، ذلك لأنّ قيام حكومة جديدة يعني نزع حجّة التصعيد من يد باسيل الذي يصوّب على ميقاتي، لكنه في الحقيقة يقصد الثنائي الشيعي، ليس من باب الدفع باتجاه التأليف وإنما لتحصيل مكاسب في الملف الرئاسي. وهنا العلّة الأساسية.