كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
قالها رئيس الجمهورية اللبنانية الأسبق كميل شمعون سنة 1976 عندما سئل عن الوضع في لبنان «راقبوا العراق وانتظروا». ليس جديداً الربط بين التطورات في العراق وانعكاساتها في لبنان. لطالما كانت الظروف مشابهة بين البلدين وكذلك القوى الخارجية ذات التأثير الفاعل. طالما ان التمر العراقي لم ينضج فذلك يعد مؤشراً الى تأخر الحل في المنطقة. بطلب زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر سحب أنصاره من الشارع يعني ان الاوضاع الامنية في العراق ستكون تحت السيطرة بعدما سطرت نهاية الصدر الذي أعلن انسحابه من الحياة السياسية.
الصورة لم تتوضح بعد في العراق رغم حسم الموضوع الشيعي بعد إخراج الصدر من المشهد العراقي نهائياً، على اعتبار انه كان سبباً في خروج الشيعة على الاتفاق ووحدة الصف وتشكيل حكومة وحدة وطنية. على الصعيد الاقليمي، للعراق حساسية لدى ايران التي لن ترضى حكماً بحصول اضطرابات على حدودها خاصة في ظل معلومات عن وجود اطراف ستستغل الخلاف الشيعي وهو ما حاولت تطويقه. القرار اتخذ وأجبر الصدر على سحب قواته لوقف المشاكل وسفك الدماء والامور قد تكون متجهة نحو توافق سياسي.
يرتبط قرار مغادرة الصدر حلبة السياسة العراقية بالسيد الحائري وهو من رفاق وتلامذة والد مقتدى الصدر والرعيل الاول الذي كان معه ويتخذه مرجعاً. أصدر بياناً يقول سحبت مرجعيتي وأطلب من كل انصاري أن يتجهوا باتجاه مرجعية خامنئي، ويفتي بأن كل طرف عراقي يساهم بسفك الدم الشيعي لا يمت بصلة الى الصدر ولو كان اقرب المقربين في اشارة الى ابنه مقتدى الصدر، ما دفع الاخير للتنحي واعتزال العمل السياسي كلياً.
في تقييمها تقول مصادر عراقية ان الاداء الذي قدمه مقتدى الصدر لم يكن صحيحاً وهو سبق واعتزل العمل السياسي مرات عدة ثم اعلن عن انشاء جيش المهدي وحله واراد الاستئثار بحصة الشيعة في الحكومة علماً ان نتيجة الانتخابات لم تمنحه رقماً يخوله ذلك. كان التخلص من الصدر شرطاً اساسياً ومؤشراً الى الجهة التي كسبت معركة العراق والتي لها مؤشراتها على مستوى المنطقة ككل، لكن من السابق لأوانه التنبؤ بسياق التطورات التي ستلي وهل ان الاوضاع مرتبطة بالاتفاق النووي وقرب التوقيع عليه. وهل ما حصل تسببت به جهات متضررة من الاتفاق؟ ام ان اميركا ارادت التأكيد على فصل الاتفاق عن الاحداث في الاقليم؟ وهل الهدف الضغط على العراق لتخفيف الشروط او للقول ان الوصول الى اتفاق لن يؤدي الى تهدئة؟
أما في لبنان فلا انصار للصدر، وموقف الثنائي الشيعي واضح منذ البداية الى جانب وحدة العراق والدعوة الى التهدئة ومعارضة موقف مقتدى الصدر، خاصة لناحية حركة «أمل» وحساسية الامر لناحية تأييد موقف السيد سيستاني ضد الصدر الذي اصطدم معه مؤخراً. للبنان مصلحة بعودة الهدوء الى العراق وهو المستفيد من النسبة الاكبر من السياح العراقيين على اراضيه ومساعدة الفيول. وسياسياً فان اهمية العراق بالنسبة لمحور الممانعة هي بموازاة سوريا وربما الاهم على المستوى الاستراتيجي.
وحول ملف العراق وقرب التوقيع على الاتفاق النووي تختلف الآراء وتتفاوت بين من يتوقع قرب انعكاس ذلك متى حصل على الملفات في المنطقة تباعاً وضمنها لبنان حكومة ورئاسة وترسيماً، وبين من يقول ان حجم الازمات في المنطقة عالٍ ومستوى التعقيدات كبير ولذا ليس منتظراً ان يكون للاتفاق ارتدادات عالية. قد يخلق انطباعاً ايجابياً لكنه لن يحل الازمات المتراكمة من سوريا الى اليمن. لكن اي هدوء في المنطقة سيلفح الازمات حكماً.
أما في لبنان فالملفات متعددة وشائكة وقد دخلنا في شهر ايلول اي آخر ما تبقى من شهر دخول الدولارات الى اراضيه، بينما المهل المتعلقة بترسيم الحدود تقترب من نهايتها وحظوظ الحرب متساوية واحتمال الاتفاق، والوسيط الاميركي آموس هوكشتاين لم يحمل جواباً بعد. كان المطلوب فصل العراق عن ملفات اخرى في المنطقة كسوريا ولبنان لكن المحاولة انتهت ولم تنجح محاولات سحب الورقة العراقية من ايران وتأخير الاتفاق النووي ومفاوضات الحدود. اصحاب هذا الرأي يعتقدون ان اي تفاهم في العراق سينعكس حتماً على لبنان والخط من المتوسط الى ايران سوف يعاد فتحه في السياسة والاقتصاد وحينها سيكون مستبعداً انتخاب رئيس خارج هذا الخط.
لكن الدفع باتجاه تشكيل حكومة يشي بان الفراغ الرئاسي سيكون سيداً وان لا انتخابات رئاسية تلوح في الافق. ولذا فالمطلوب الدفع باتجاه تعويم الحكومة الحالية بتطعيمها ببعض الوزراء الجدد وهو ما يتم العمل عليه حالياً فيما الحصص ستبقى هي ذاتها. فهل تنجح مساعي الفاعلين على تحقيق هذا الهدف ومن قصد نائب «حزب الله» بقوله ان الدلع لا مكان له الآن؟ بالتأكيد لن يكون المقصود حليفهم رئيس الجمهورية فمن اذاً وما الترجمة العملية من قبل الحزب لمثل هذا الكلام؟