تبدو السلطة السياسية غير مدركة حجم الاخطار التي ستلحق بلبنان الدولة، اقتصادا وشعبا وسيادة، وتلك التي ستصيب اللبنانيين في يومياتهم الصعبة اصلا، أكانوا مقيمين او موجودين في دول مجلس التعاون الخليجي، إن هي لم تسرع الى خطوة ما، تخفّف من حدّة الاجراءات العقابية التي يتّجه الخليجيون نحو اتخاذها، بحسب ما تقول مصادر سياسية مطلعة لـ”المركزية”. السفراء العائدون من هذه البلدان، يدقون جرس الانذار ويحذرون ويحثّون على حل الازمة الدبلوماسية الناشئة، حمايةً للبنانيين، وهم يجولون منذ ايام على المسؤولين في البلاد رافعين الصوت ومطالبين اياهم بفعل ما يجب فعله، لكن حتى الساعة، “لا حياة لمَن تنادي”.
امس، استقبل البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي في بكركي، سفيري لبنان في السعودية فوزي كبارة والبحرين ميلاد نمور، وتم عرض للتحديات التي تواجه اللبنانيين في بلدان الاغتراب وبخاصة في المملكة والبحرين. كما أطلع السفيران البطريرك الراعي على ارتداد الأزمة الأخيرة على الزراعيين والصناعيين اللبنانيين، مع عدم تمكنهم من التصدير والسفر الى دول الخليج. واعتبر السفيران أن “الأزمة الديبلوماسية الأخيرة على خلفية تصريحات الوزير قرداحي، تتفاقم يوما بعد يوم، من خلال ايقاف إصدار التأشيرات وإيقاف استقبال الصادرات اللبنانية، وأن الحل يكون بأخذ الخطوات اللازمة لإعادة الأمور الى مسارها الطبيعي، وهذا ما عرض مع البطريرك الراعي وكان تأكيد على دور دول الخليج في مساعدة لبنان ودعم اقتصاده، وضرورة الاسراع في إعادة الأمور الى مسارها قبل أن تتوسع الفجوة”. وبالنسبة إلى الاجراءات التي اتخذت وتتخذ في حق لبنانيين مقيمين في دول الخليج، أكد السفيران أن “الأمر جدي وسيتفاقم في الفترة المقبلة، ولهذا الأمر ارتدادات كارثية، فواردات لبنان من المملكة فقط، هي 600 مليون دولار سنويا، وبالتالي المصانع اللبنانية ستواجه خطر اقفالها”.
ماذا فعلت الدولة اللبنانية لرأب الصدع فيما توشك الازمة على دخول اسبوعها الثاني؟ لا شيء، تتابع المصادر. هي تنتظر وساطات خارجية، وتعوّل تارة على دور لجامعة الدول العربية، وطورا على مبادرة مصرية او قطرية او أميركية او فرنسية، الا ان ايا من هذه الدول غير قادر على فتح ثغرة في الجدار الاخذ في الارتفاع بين لبنان والخليج.
فبحسب المصادر، الحل يجب ان يأتي من الداخل فقط، ولا دور للخارج في هذا الخلاف. الحكومة يجب ان تتخذ موقفا مباشرا تدين فيه تصريحات وزير الاعلام وتعلن تمسّكها بهوية لبنان العربية التاريخية، قبل ان تبادر الى اقالته. بهذه الخطوات، لن يُحلّ الخلافُ طبعا، ولن تعود الامور الى مسارها الطبيعي السليم بين الجانبين، الا ان التدابير المرتقبة على صعيد منح التأشيرات وترحيل لبنانيين ووقف التبادل التجاري ووقف الرحلات الجوية، قد يتم التريث في اتخاذها.
غير ان الحكومة أعجز من اتخاذ اي قرار بهذا الشأن بفعل رفض حزب الله اي تراجع امام الخليجيين. حتى ان رئيسها نجيب ميقاتي الذي استقبل منذ ايام وزير الاعلام، لم يتمكن من اقناعه بالاستقالة، فكيف يفعل، فيما الاخير بات “يستقوي” بعضلات “الحزب”؟ وبذلك، تثبت الدولة احقية السبب الذي من أجله، ابتعد الخليجيون عن لبنان: رضوخها لحزب الله. وعلى الأرجح، اذا لم تفرز التطورات الاقليمية وابرزها المحادثات النووية نهاية الشهر، جديدا ما، يليّن موقفَ الحزب في هذه القضية، فإن الازمة الدبلوماسية ستستمر، ووقعُها وتدابيرها سيشتدان ويصبحان اكثر ايلاما…
(المركزية)