على الرغم من تَعاظُم قوة «محور المقاومة» وامتلاكه صواريخ دقيقة وتجربته في الحروب المتراكمة، فإن احتمال الحرب بين إسرائيل و«حزب الله» لا يزال متداولاً.
ويعتقد «محور المقاومة» أن عليه إبقاء الجهوزية مرتفعة على قاعدة أن إسرائيل قد لا تتسامح أو تطيق وجود تهديد خطير على حدودها الشمالية، وتالياً ستعمل على إزالته. ومع ذلك فإن «المحور» يعتبر أن أي حرب مستقبلية ستكون عواقبها مدمّرة بشكل كبير على كلا الجانبين إذا لم تُحترم قواعد الاشتباك.
وعلى الرغم من قوة إسرائيل العسكرية المتفوّقة، فإن عدوّها «حزب الله» يملك قوةَ نيرانٍ هائلة وان تجربته في الحروب الأخيرة في سورية والعراق واليمن، تُعَدّ من أهم التجارب التي خاضها منذ إنشائه.
وتعتقد مصادر داخل «محور المقاومة» أن المعركة المقبلة – إذا وقعت – فستستمرّ بضعة أيام فقط وستُضرب أهداف عسكرية بحتة. وهذه هي قاعدة الاشتباك الجديدة التي ستنظم المعركة بين المتحاربين. وإذا ضربت إسرائيل هدفاً غير عسكري، فستردّ المقاومة بالضربة نفسها ضدّ هدف مماثل.
وتعتبر المصادر أن معارك قطاع غزة التي خاضها الفلسطينيون وإسرائيل تشكل قاعدة للمعارك المستقبلية، حيث لم تستمرّ سوى أيام قليلة ضدّ أهداف عسكرية متبادَلة بين الطرفين. وفي كل مرّة كانت تخرج إسرائيل عن القاعدة وتضرب أهدافاً مدنية، كان المقاوِمون في غزة يضربون هدفاً مماثلاً إلى أن يعيد الطرفان الأمور إلى نصابها وإلى قاعدة الاشتباك للنأي عن استهداف المدنيين.
ولهذه الأمور وغيرها يعتبر «محور المقاومة»، أن الاحتمال يتعاظم بأن تقتصر المعركة المقبلة على الأهداف العسكرية دون سواها، وأن المواجهة – إذا حصلت – فستبقى ضمن السيطرة. فكل طرف من المتحاربين يملك القدرةَ التدميرية الكبيرة وحلفاءَ يستطيعون الدخول على خط المعركة إذا فُرضتْ.
وفي هذا الإطار، تعلن إسرائيل أن «حزب الله» يملك أكثر من 150 ألف صاروخ وقد يكون هدفها في الحرب المقبلة تدمير عشرات الآلاف من هذه الصواريخ. فهل تستحق الحرب ثمناً باهظاً من أجل هدفٍ مماثل؟ من الممكن أن تظنّ الدولة العبرية أن المسألة تستحقّ المغامرة، معتقدة أنها تزيل من أمامها آلاف الصواريخ وأنها تستطيع منْع الحزب من إعادة التسلّح. وفي حالة مثل هذه، لا تحتاج لتدمير القرى والمدن والبنية التحتية في لبنان لأن المعركة ستقتصر على أهداف نقطية من ضمن بنك الأهداف المتراكم على مدى الأعوام الماضية.
«هناك شك قوي لدى (حزب الله ) وحتى لدى إسرائيل بأن تستطيع منْع الحزب من أن يتزوّد بصواريخ أكثر حداثة ودقة. فحزب الله لا يحتاج لتخزين صواريخه داخل المدن والقرى لأن بإمكانه نصْب صواريخه على طول الحدود اللبنانية – السورية بعيداً عن الأماكن المأهولة وفي صوامع آمنة»، تؤكد المصادر.
وتضيف: «لا حاجة لقصف أهداف عسكرية إسرائيلية مهمة مثل المطارات السبعة في تل أبيب وحدها ومحطات الطاقة والصناعات الكيماوية والموانئ أو أي هدف مهمّ، إذا لم تقم إسرائيل بقصف أهداف مماثلة في لبنان. ولحزب الله وإسرائيل لغة يفهمها الطرفان: فإذا كان القصف محدوداً فهذا ليس دليل ضعف بل نية الأطراف باحتواء الضربة».
لا يريد «حزب الله» الحربَ ويفعل كل شيء لتجنّبها. ولهذا السبب ردَّ بطريقةٍ مدوْزنة على ضربة معوّض (في الضاحية الجنوبية لبيروت) عندما فشلت الطائرات الإسرائيلية المسلّحة ومن دون طيار بتحقيق أهدافها (أغسطس الماضي). ومن خلال هذا الردّ حينها، منع الحزب الحرب على نطاق أوسع لأنه من غير الممكن السكوت على اختراقات إسرائيل وتجرؤها على ضرب أهداف لـ«حزب الله» لأن ذلك من شأنه تشجيعها على الاستمرار بضرب أهداف أخرى، وتالياً تغيير قواعد الاشتباك.
وقد استهدف «حزب الله» آنذاك سيارة في أفيفيم بصاروخ موجّه بالليزر في وضح النهار بعد إجبار الجيش الإسرائيلي على الاختباء لمدة أسبوع وتراجُع كل قوات هذا الجيش عن الحدود بطول 120 كلم وعمق خمسة كيلومترات لتجنب وقوع خسائر في صفوفه.
وامتنعتْ إسرائيل عن الردّ وفضّلت قبول الإذلال الذي أصابها على الانجرار إلى حربٍ مدمّرة كان «حزب الله» مستعداً لها بينما الجبهة الداخلية الإسرائيلية لم ولن تكون أبداً مستعدّة للدمار الذي تستطيع قوة الصواريخ الموجودة عند «محور المقاومة» إحداثَه.
وقد اعتاد المسؤولون الإسرائيليون تهديد لبنان بإعادته إلى «العصر الحجري»، وهذا طبعاً في متناول اليد والقدرة العسكرية الإسرائيلية. إلا أن «حزب الله» أصبح أيضاً قادراً على إعادة الدولة العبرية إلى «العصر الحجري» من خلال صواريخه الدقيقة المتنوّعة التي تستطيع تدمير أي جسر أو مطار أو حاويات تخزين وقود أو محطات طاقة أو ميناء حيفا أو منصات البترول والغاز، وأي هدف عسكري.
وتراقب إسرائيل تَعاظُم قدرات محور المقاومة في سورية والعراق واليمن. وقد تسلّم حلفاء إيران الصناعة الأخيرة لصاروخ «فاتح» دقيق الإصابة، والصواريخ المضادة للسفن والحرارية المضادة للطائرات المروحية والحربية المحلّقة على ارتفاع متوسط.
ولن تتسبّب صواريخ «حزب الله» بإصابات دماغية بسيطة مثلما أصاب الـ110 جنود أميركيين من جراء صواريخ إيران ضد قاعدة عين الأسد العراقية. وتستطيع هذه الصواريخ متعددة السرعة تَجَنُّب الصواريخ الاعتراضية وتغيير قواعد الاشتباك وبالتالي تقليص احتمال الحرب وفرْض معادلة الردع.
وفي تقييمها الأمني لعام 2020، اعتبرت مديرية الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان)، خطأً، أن اغتيال اللواء قاسم سليماني عاملٌ «يقيّد حزب الله»، لأن سليماني «مسؤول عن مشروع تسليم صواريخ لحزب الله». وهذا الافتقار لفهْم العلاقة بين الحزب وطهران ودينامية التواصل والدعم بدا مدهشاً.
فالسيد علي خامنئي قال للسيد حسن نصرالله منذ زمن بعيد، إنه يعلم ما يجب فعله وما هي مصلحة لبنان ومتطلبات «محور المقاومة» من دون الرجوع إلى أحد. ولدى الحرس الثوري الإيراني تعاون يومي لا يتوقّف حتى ولو قُتل نصف قادة الحرس. ولم تعد حيازة الصواريخ الإيرانية الدقيقة سراً لأنها موجودة في لبنان وسورية والعراق واليمن.
لم يعد الأمس يشبه اليوم. فقوة التدمير تملكها الأطراف كلها ولم تعد حكراً على إسرائيل… لقد تغيّرت الحرب لتصبح اقتصادية لأن الحرب العسكرية غير واردة ما دام «محور المقاومة» يحدّث أسلحته ويُظْهِر قدرته من دون استخدامها ليحافظ على تكافؤ الردع.
(الراي)