آلان سركيس:
“كلن يعني كلن والحريري واحد منن”، ربما هذا الشعار كان الأكثر تداولاً في الأيام الأولى للثورة قرب السراي الحكومي، على اعتبار أن الرئيس سعد الحريري كان يرأس الحكومة التي فرضت ضرائب على الشعب وعلى رأسها ضريبة “الواتساب”، لكن الحريري لم يكن وحده في “بوز” المدفع، إذ إن صديقه رئيس “التيار الوطني الحرّ” جبران باسيل دخل على خطّ المنافسة وزاحمه، لا بل تفوّق عليه، ونال علامة أعلى منه في مستوى الغضب الشعبي العارم، خصوصاً ان البلاد حُكمت منذ التسوية الرئاسية في 31 تشرين الأول 2016 بثنائية الحريري – باسيل. والجدير ذكره أن المناطق ذات الغالبية السنية، أي طرابلس وعكار وبيروت وصيدا كانت أول من هتف لإسقاط حكومة الحريري، وهي التي تعاني من الحرمان ولا يتمّ الإلتفات إليها إلا في زمن الإنتخابات. ولعلّ ما راكم من تراجع رصيد الحريري، إضافةً إلى مفاعيل التسوية مع باسيل، هو ما بدا من تمسّك لدى “حزب الله” برئاسة الحريري للحكومة باعتباره يؤمن الغطاء الحكومي لـ “الحزب”. إذ وبحسب مصادر متابعة فإن الحريري بات في موقع لا يحسد عليه عربياً ودولياً، سيما في ظل ما يطرحه البعض من علامات استفهام حول علاقته بالسعودية، بينما الأميركي لا يخوض معركته للبقاء في سدة الرئاسة الثالثة، حتى أنّ البعض ينقل عن سفير دولة خليجية تتابع الشأن اللبناني، أنه لدى سؤاله في إحدى الجلسات هل ستتركون “حزب الله” وحلفاءه يسيطرون على لبنان بعد استحواذهم على الأغلبية النيابية في الإنتخابات، أجاب: “وهل نحن قلنا لسعد الحريري أن يسير بهذا القانون الإنتخابي (النسبي) المعروفة نتائجه مسبقاً لصالح “حزب الله”، وهل نحن قلنا للحريري تحالف مع “التيار الوطني الحرّ” وامنحه هدايا نيابية؟.
إنتخابات… وبواخر
وفي هذا المجال، يستذكر البعض كيف أنّ الحريري، قبل أسبوع من الإنتخابات النيابية التي جرت في 6 أيار 2018، وقف في بلدة راسنحاش السنية في قضاء البترون، وقال مخاطباً جمهوره: “صوتكم التفضيلي بدنا نعطيه لجبران صديقي”، وبالفعل منح الحريري الأصوات التفضيلية لباسيل. كما أنه أهدى “التيار الوطني” نائباً في الكورة هو جورج عطالله بعد التحالف معه في دائرة الشمال الثالثة وخسارة مرشحه النائب الراحل نقولا غصن، وأهداه نائباً في جزين هو سليم الخوري بعد رفض “المستقبل” التحالف مع مرشح “القوات” عجاج حداد، وكذلك أعطاه نائباً إضافياً في زحلة بعد التحالف معه، ومنح أصواته التفضيلية في الأشرفية للائحة “التيار الوطني الحرّ” ما منح الأخير نائباً إضافياً. وهنا يتحدث البعض عن إبرام تسوية بين “المستقبل” ممثلاً بوزير الداخلية آنذاك نهاد المشنوق و”حزب الله”، سُمح بموجبها بحشد “الحزب” للناخبين في بعلبك – الهرمل بعد الساعة السابعة يوم الإنتخاب، من أجل منع خرق لوائح الثنائي الشيعي بمقعد شيعي في مقابل تأمين فوز المشنوق، وبالتالي لو أن هذه المقاعد ذهبت إلى قوى 14 آذار لكانت تغيرت إتجاهات الأغلبية بعد انشقاق نائبي كسروان نعمت افرام وشامل روكز عن تكتل “لبنان القوي”.
ومن المآخذ أيضاً على الحريري أنه وباسيل كانا بطلي صفقة البواخر التي عملا على استئجارها من دون المرور بدائرة المناقصات، وأنهما كانا يتصرفان على قاعدة إذا كانت مفاعيل اتفاقهما بخير يعني أنّ حقوق المسيحيين والسنّة مؤمنة، فيما الحقيقة أن منسوب الهجرة كان يرتفع بشكل جنوني عند المسيحيين، ونسبة البطالة والفقر تزداد عند السنة. أما لحظة إختلافهما فباتت حقوق المسيحيين في خطر، وأصبح أي رئيس حكومة يكلّف غير الحريري “باش كاتب” عند صديقه جبران.
ضرب الثورة
وبينما كان الحريري يمارس سياسة “التردد” التي اعتمدها في سياق لعبة حرق الأسماء المرشحة لرئاسة الحكومة، كان “حزب الله” يحاول من جهته أن يفرض بقاءه على رأس الحكومة، لكنّ موقف “القوات” و”التيار الوطني” أدى إلى عدم إعادة تكليف الحريري، ما دفع الحزب وفريق “8 آذار” لحثه على أن يسمي أحداً ويدعم ترشيحه في التكليف والتأليف، وكذلك فعل باسيل الذي قال إن الميثاقية تفرض أن يُسمّي الحريري رئيساً للحكومة، لكن للمفارقة أنّ السفير نواف سلام الذي كان الحريري طرح ترشيحه منذ اليوم الأول لاستقالته وسرعان ما لاقى رفض “حزب الله”، عاد الحريري وآثر عدم تسميته في استشارات بعبدا، ولم يشفع له نفيه بعدها ما تحدث عنه وزير “حزب الله” محمود قماطي عن أنه وافق على تسمية دياب، إذ إنّ وليد جنبلاط بادر إلى مهاجمة سلوك الحريري في عدم تسميته لسلام، وسط تخوّف البعض من صفقة تمت بين الحريري و”الثنائي الشيعي” لم تكشف تفاصيلها بعد، على اعتبار أنّ نواف سلام قد يشكل خطراً على الحريري في المستقبل، خصوصاً وأنه بات من مطالب الثورة وله تاريخ نظيف، كما أنه يتمتع بعلاقات دولية واسعة، إضافة إلى انه إبن عائلة بيروتية عريقة لها إمتداداتها، فكان رفض “حزب الله” لنواف سلام خشبة خلاص للحريري الذي لم يسمه، فمرّ تكليف دياب بسلاسة.
أما شعبياً، وبعدما كان أنصار “حزب الله” و”أمل” ينزلون إلى ساحة الشهداء مانعين الشعب من إطلاق شعار “كلن يعني كلن”، وعلى رغم دعوة الحريري مناصريه للخروج من الشارع، غير أنّ جمهور “المستقبل” نزل إلى الساحة مانعاً التعرّض للحريري ورافضاً إقصاءه عن رئاسة الحكومة، الأمر الذي رأى فيه البعض تصرفاً يلاقي فيه “المستقبل” أداء “حزب الله” ويتحملا معاً من خلاله مسؤولية إندلاع أي توتر سني- شيعي من شأنه أن يضرب الثورة ويكسر وحدة المطالب بين طرابلس والنبطية، وبين بيروت وصيدا وصور، وسط تأكيد الشارع السني الثائر أولاً أنه لن ترتفع متاريس تحمي السياسيين الذين جوّعوا الشعب.فشل التسوية الرئاسية
المعترضون على أداء الحريري السياسي يعدّدون جملة محطات أوصلته إلى ما وصل إليه اليوم بعد 17 تشرين الأول… فبالعودة إلى التاريخ القريب، تصرّف الحريري منذ العام 2005 على أنّ حليفه المسيحي (القوات اللبنانية) غير موجود أو بالأحرى تابع له، مستغلاً عنوان المعركة السيادية لتحقيق مكاسب في الدولة، وصولاً إلى الإعلان العام 2007 على لسان النائب عمار حوري عبر قناة “العربية” عن ترشيح “المستقبل” و”14 آذار” للعماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية. في تلك الفترة كان النائبان بطرس حرب ونسيب لحود مرشحين للرئاسة باسم 14 آذار، وكان البعض يتحدث عن الإنتخاب بالنصف زائداً واحداً، لكنّ الحريري تخلى عن دعمهما عبر وسائل الإعلام، والأمر نفسه بالنسبة لرئيس حزب “القوات” سمير جعجع والرئيس أمين الجميل وبقية قوى 14 آذار الذين تفاجأوا بهذا الترشيح. أما بالنسبة إلى تسوية إنتخاب عون، فمن أوصل إلى هذه التسوية هو الحريري نفسه، خصوصاً وأنّ جعجع كان مرشح 14 آذار وكان الهدف الوصول إلى مرشح قريب من هذه القوى، لكن الحريري رشح رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية من دون التنسيق مع الحلفاء مستعجلاً إنضاج التسوية من أجل العودة إلى السلطة، ما وضع رئاسة الجمهورية في يد “8 آذار” بعدما أصبح الخيار بين عون وفرنجية، وبالتالي يعتبر المعترضون على أداء الحريري أنه هو المسؤول الأول عن تسليم رئاسة الجمهورية لحلفاء “حزب الله”. وأمام كل هذه الوقائع، يتواصل مسلسل الانحدار السياسي في البلاد… بينما تستمر الناس في الشوارع من دون أن يسمع صوتها أحد من السياسيين الذين يمسكون بزمام الحكم منذ ما بعد “الطائف”.