هل ينجح تَحالُف رئيس الجمهورية ميشال عون – الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة «أمل») في استيلادِ الحكومة الجديدة قبل حلول السنة الجديدة، أم أن بعض التعقيدات التي ما زالت تعترض مسار التأليف، ستستدعي تأخير التسليم والتسلم بين حكومتيْ الرئيس المكلف حسان دياب وتصريف الأعمال برئاسة زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري إلى ما بعد طيّ 2019 آخِر أوراقها؟
هذا السؤال أرْخى بثقله أمس على بيروت التي تبدو وكأنها تنتقل إلى 2020 محمولةً على «صفيحِ» الأزمة اللاهبة السياسية – المالية – الاقتصادية التي تتفاعل منذ أشهر وخصوصاً بعد انفجار «ثورة 17 أكتوبر»، وموعودةً بتشكيلةٍ حكومية تقف أمام تحدٍّ «مثلث الضلع» لجهة مدى قدرتها على نيْل ثقتيْ الشارع المنتفض والمجتمع الدولي و«تضميد الجرح السني» الذي شكّله تعيين دياب من الثنائي المسيحي – والشيعي وبلا أي غطاء من «البيئة الضامنة» الطائفية التي يمثّلها في «هرم التوازنات» بلبنان.
وبدا أن تشكيل دياب للحكومة دخل في سباقٍ مع مهلة زمنية حدّدها ويلاقيه فيها رئيس الجمهورية لإصدار مراسيم التأليف بحلول الثلاثاء المقبل، بحيث تكون «عيدية» 2020 والمدخلَ المفترض لوضع البلاد على سكة وقف المسار الانهياري الذي انزلقتْ إليه في 2019 ويكاد أن يهدّد بسيناريوهاتٍ كارثيةٍ بدأت «طلائعها» بالظهور.
إلا أنه ورغم اللقاءات التي يعقدها دياب بعيداً عن الأضواء، والتي شملت في الساعات الماضية رئيس البرلمان نبيه بري وقبْله موفد الأخير الوزير علي حسن خليل والمعاون السياسي للأمين العام لـ «حزب الله» (السيد حسن نصرالله) حسين خليل، فإن «جبل جليدٍ» من صعوباتٍ «مركّبة» بدا وكأنه يكمن لما يفترض أن يكون «سفينة الإنقاذ»، سواء في الطريق إلى تأليف الحكومة أو في كيفية «تصفيحها» من «الرياح العاتية» التي تعترضها في الداخل والخارج.
ذلك أن المعلومات التي توافرتْ عن الصيغة الحكومية التي يعمل عليها دياب تشير إلى أنها ستكون مبدئياً مصغّرة من 18 وزيراً من الاختصاصيين بـ «قبّعاتٍ» سياسية، أي تسميّهم القوى التي ستشارك في الحكومة عبر تقديم لوائح من 4 أسماء عن كل حقيبة ليختار الرئيس المكلف بينها، وهي نفسها أطراف «تكليف اللون الواحد» الذي حمَل دياب الى رئاسة الوزراء بأصوات «صافية» من الأكثرية البرلمانية لتَحالُف فريق عون – «حزب الله» وحلفائهما، وعلى أن تتقاسم المكوّناتُ السياسية، ولو ضمناً، كممثّلة لـ «الكيانات الطائفية» والمذهبية الحصصَ الوزارية وفق ترسيمات ما قبل ثورة 17 أكتوبر.
وإذ أشارت تقارير إلى أن دياب عرض على بري خلال لقائهما مسودة تشكيلته ولا سيما الوزارات السيادية الأربع، فإن معطياتٍ تقاطعتْ عند أن عملية التأليف ما زالت تصطدم بعقبةٍ أساسية على مستوى التمثيل السني في الحكومة، حيث يُسجَّل رفْضٌ متكرّرٌ من الشخصيات السنية التي تَجْري مُفاتَحَتُها بإمكان توزيرها لدخول الحكومة في ظلّ «فيتويْن»: الأوّل مكتومٌ تضعه دار الفتوى على خيار دياب الذي اعتُبر تطوراً «كاسراً للتوازنات» الطائفية بعدما كانت المرجعية الدينية السنية زكّت الحريري «مرشحاً وحيداً للطائفة الإسلامية» لتأتي تسمية الرئيس المكلف، بعد «العزوف الاضطراري» من زعيم «المستقبل»، بأصوات 6 نواب سنّة فقط.
والفيتو الثاني معلَن ومن الحريري نفسه الذي ذهب في معرض تأكيد أن لا مشاركة في الحكومة العتيدة و«لن أعطي دياب الغطاء ولا الثقة» إلى حدّ وضْع المرحلة المقبلة تحت عنوان «لن أرضى بشيطنة السنّة، ولن أسمح باتهام الحريرية السياسية التي يريدون دفْنها»، وصولاً إلى إعلانه أن ما يجري العمل عليه هو «حكومة (رئيس التيار الوطني الحر) الوزير جبران باسيل».
وفي رأي أوساط واسعة الإطلاع، أنه حتى لو نجح دياب في استيلاد حكومته، فإنها باتت وحتى قبل أن تبصر النور أسيرة «حقل ألغام» تشكّله «البطاقة الحمراء» من الحريري الذي لم يَخْرُج شارعُه بعد من الاعتراض على الأرض على مآل مسار التكليف، والرفض غير المعلن من دار الفتوى للتكليف «الناقص»، والـ «لا» المرتقبة من الانتفاضة الشعبية على طريقة «تعليب» تشكيلةٍ محكومة بالمحاصصات الحزبية ولو المقنَّعة وقد تضمّ وجهاً من الحكومة السابقة ولا توحي الأسماء المتداولة لدخولها بأنها من النوع الذي يلبي تطلعات الثورة لحكومة اختصاصيين مستقلين تمهّد لانتخابات مبكرة، ناهيك عن أن المجتمع الدولي الذي كان حدّد للحكومة العتيدة «خريطة طريق» الخلاص المالي – الاقتصادي وآلياته قد لا يوفّر غطاء سياسياً لتشكيلةٍ «من لونٍ واحد» يتحكّم «حزب الله» بإمْرتها.
وفي موازاة ذلك، بقي الملف المالي – النقدي في صدارة الاهتمام في ظل إمعان المصارف في سياسة تقنين السحوبات بالدولار (نحو 200 دولار أسبوعياً) والتحويلات بالعملة الصعبة إلى الخارج وسط تزايُد الخشية من إجراءات جديدة مطلع السنة لجهة إحكام «حبْس» الدولار عبر وقف السحب النقدي به في شكل كاملٍ ما ينذر بمزيد من التفاعلات في الشارع الذي صار «معبّأ» ضد القطاع المصرفي ولا سيما مع القيود الكبيرة على السحب حتى بالعملة الوطنية والتي يفترض أن تتراجع مع طبع «المركزي» 9 أطنان من الليرة (وصلت قبل أيام).
وفيما كان أحد المصارف يشهد أمس سابقة في «يوميات الإشكالات» بين المصارف والزبائن تمثل في دخول مواطن فرع أحد البنوك رافعاً فأساً وصارخاً «أريد مال، أريد مالي»، تفاعلتْ نيابياً التقارير عن تحويل مليارات الدولارات في الفترة الأخيرة الى سويسرا وتعود لسياسيين وغير سياسيين وأن السلطات السويسرية في صدد درس مصدرها.
وحضر هذا الملف في اجتماع عُقد أمس برئاسة رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان وشارك فيه وزير المال في حكومة تصريف الاعمال علي حسن خليل وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة ورئيس جمعية المصارف سليم صفير وعدد من النواب.
وبعد الاجتماع قال سلامة ردا على سؤال عن التحويلات الى الخارج: «نحن سنقوم بكل ما يسمح لنا أن نقوم به لنتحقق من كل التحويلات التي حصلت في 2019. أكيد ان الناس حرة بأموالها، أما اذا كانت هناك أموال مشبوهة فنستطيع ان نعرف. هناك كثير من الكلام في هذا الموضوع، لا نستطيع ان نعلق قبل ان نتأكد، وقانونياً كل شيء ممكن ان يلاحق ولا شيء يمكن ان يختفي».
والى أي حد يمكن أن يصل سعر صرف الدولار (لدى الصيارفة)، رد سلامة: «ما حدا بيعرف» (حالياً يناهز 2000 ليرة)، قبل أن يوضح مكتبه الإعلامي «ان لا تغيير إطلاقاً في سعر صرف الليرة الرسمي والمحدد عند 1507.50».
من جهته، قال نائب «حزب الله» حسن فضل الله «اننا سمعنا ان هناك 9 مليارات دولار للمصارف موجودة في الخارج بعنوان أنها محولة للمصارف المراسلة وهناك بحدود مليارين عبارة عن قروض لأشخاص مقيمين بالخارج (…) وسألنا هل يمكن أن تساهم عودة هذه الـ 11 مليار في توفير السيولة»، ولافتاً الى أن «هناك أموالاً للعاملين في القطاع العام (سياسيون، متعهّدون ومصارف) وهذه الأموال سألنا هل تم تحويل شيء منها إلى الخارج لانها قُبضت من الدولة ويمكن أن بعضها تدور حوله شبهات»، وكاشفاً أن سلامة وعد «بتشكيل هيئة تحقيق للتحقيق بالتحويلات للخارج بـ2019 ويفترض ان تبدأ هذه الهيئة بجردة على هذه العمليات وإذا كانت الأموال التي حوّلت غير شرعية يجب ان تستعاد».
الراي