على رغم التباينات الكثيرة معه حول مجمل الملفات السياسية والاستراتيجية وحتى الشخصية في قضية اغتيال والده الرئيس رفيق الحريري المتهم بها عناصر من حزب الله وفق قرارات المحكمة الدولية المرتقب صدور حكمها في وقت غير بعيد، يتمسك الحزب ومعه رئيس مجلس النواب نبيه بري، القطب الثاني في الثنائية الشيعية، بعودة الرئيس سعد الحريري الى رئاسة الحكومة، متجاوزا عتباً كبيرا عليه لم يخفِه، جراء استقالته من حكومة “الى العمل” بعدما كان امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله رفع لاء في وجه اسقاطها، كما انه لا يوافقه الرأي في رغبته بتشكيل حكومة تكنوقراط نزولا عند رغبة الشارع المنتفض، وعند ما يرى فيه املاءات من خلف البحار لاخراجه من المنظومة الحكومية تماشيا مع العقوبات الاميركية المفروضة عليه لخنقه، ومخالفة للمسار السياسي الديموقراطي الذي افرزته صناديق الاقتراع في ايار الماضي واعطته الاكثرية النيابية مع حلفائه. فلمَ هذا الاصرار وماذا في خلفياته وابعاده؟
تقول اوساط سياسية مراقبة لـ”المركزية” ان دقة المرحلة والانعطافة الخطيرة على المستوى السياسي التي احدثتها الثورة الشعبية قالبة المعادلات التي رسمتها للمرحلة القوى السياسية المتحكمة بالمشهد اللبناني رأسا على عقب وفارضة نفسها عنصرا اول على قائمة الاستحقاقات الدستورية لا سيما تشكيل الحكومة، تلعب دورا اساسيا في استمرار تمسك الحزب بالرئيس الحريري. فعلى رغم طرح اسماء سنّية كثيرة في بازار التكليف، والارجح ان هدفها الضغط على رئيس الحكومة المستقيل من اجل حمله على تقديم تنازلات في التشكيل المفترض، لا يبدو حتى الساعة في وارد التجاوب معها، يبقى الحريري الرقم واحد في سوق التداول والاكثر ترجيحا للعودة الى رئاسة السلطة التنفيذية، اذ ان الاعتبارات التي تتحكم بهذه العودة تفرض نفسها ليس فقط على المستوى السياسي بل على حزب الله الذي لا يجد في هذه اللحظة من يمكن ان يؤدي الدور الانقاذي غيره.
وتضيف ان الحزب وبعد دراسة تقييمية للواقع الحالي يتمسك بعودة الحريري للآتي:
-شخصية الرئيس الحريري التي تآلف معها الحزب على مدى سنوات اذ اثبت قدرة فائقة على تدوير الزوايا في الازمات والملمات وامكانية التعاطي مع المكونات السياسية كافة من دون قطع التواصل او الاصطدام مع اي منها.
– تقبّل حزب الله داخل الحكومة برحابة صدر وفصله بين شقيه السياسي والعسكري وقد اعلن وكرر في اكثر من موقف، ان مسألة سلاح الحزب شأن اقليمي فيما هو مكون سياسي شعبي لا يمكن تجاوز تمثيله في السلطة.
– يطمئن الحزب بعد تجربة طويلة مع الحريري الى انه ليس من السياسيين الممكن ان يطعنوا في الظهر او يغدروا به، وقد قدم الاعتبارات الوطنية على الخاصة في مقاربته لقضية الحكم المرتقب في اغتيال والده مقدما مصلحة لبنان على مصلحته الشخصية.
– خلافا لأي شخصية اخرى، يستطيع الحريري بما له من شبكة علاقات اقليمية ودولية واسعة من الاضطلاع بمهمة الانقاذ المطلوبة سريعا، من خلال المساعدات والدعم من الدول الصديقة وتأمين استثمارات خارجية كونه عنصر ثقة لدى الكثير من الدول.
-فيما تبدو المنطقة متجهة نحو زمن التسويات السياسية في مختلف الدول التي تشهد نزاعات في الاقليم، يضع الحزب في حساباته ان الاتفاقات اذا ما عقدت لا سيما بين ايران والسعودية، فإن المرحلة لبنانيا توجب وجود الحريري في الحكم للتعاطي معها وفق نتائج التسويات، وليس من هو أقدر منه على هذه المهمة.
– يثق حزب الله بأن مشروع الحريري لبناني محض بعيدا من الشخصانيات والتطلعات الخارجية، فهو لا ينفذ اجندة خارجية، ولا يطمح الى مواقع بل يعمل للبنان فقط.
مجمل هذه العوامل تختم الاوساط يضعها حزب الله في اعتباراته وينطلق منها في عملية التكليف، والارجح انه سيكرر سيناريو تسمية الحريري في الاستشارات متى حدد رئيس الجمهورية موعدها.