عشرون يوماً بالتمام، اكثر من نصف الشعب اللبناني في الشارع، لا من يسمع ولا من يجيب في السلطة الحاكمة. مطالب الحراك واضحة كالشمس، لا تحتاج نقاشا يسعى اليه بعض المسؤولين ولا حوارا مع
الطاقم السياسي المتجذر في الحكم منذ 30 عاما. حتى استقالة الحكومة بقرار رئيسها سعد الحريري، وقد شكلت اول مطالب الانتفاضة، لم تكن لتحصل لو كان الخيار في غير يده. وقد جاءت الخطوة الحريرية تحت وطأة ضغط الشارع الذي يدين له رئيس الحكومة المستقيل بالكثير، في حين يسعى سائر اطراف الحكم الى البحث عن حكومة بديلة تؤمن لهم المكاسب والضمانات نفسها التي امنتها “الى العمل” بدليل رفضهم المطلق للتكنوقراط، وأقصى ما يقبلون به التكنو سياسية، التي يطرحها الحريري مع استمرار رفض فصل النيابة عن الوزارة الذي يضعه شرطاً باعتباره قد يلبي نسبيا طموحات المنتفضين في الشارع الذين لم يقولوا كلمتهم في هذا الشأن حتى اللحظة، في انتظار ما قد يؤول اليه الكباش بين الحريري من جهة وسائر القوى السياسية من جهة ثانية لا سيما التيار الوطني الحر الذي لم يخرج اجتماع رئيسه مع الحريري امس بنتائج ايجابية، وفق ما تسرب من معلومات، اذ ان الرئيس المستقيل اجرى جردة حساب ومراجعة نقدية للمرحلة التي سبقت الانفجار في الشارع والممارسات الخاطئة التي ادت اليه، ودعا الى وعي خطورة المرحلة ودقتها ووجوب التصرف بعقلانية وحكمة لتجنب الاسوأ والا.
هذه الضمانات، تقول مصادر سياسية مواكبة لـ”المركزية” لا يمكن ان يتخلى عنها من يتحصنون خلفها بالسهولة التي يعتقدها الثوار الذين وضعوا جميع من في السلطة في دائرة الاتهام بالضلوع بالفساد وهدر المال العام، فكيف يمكن للمتهم ان يُسلم نفسه لمن يحاسبه وهو يضع امامه “حبل المشنقة” ؟ وكيف يمكن لمن يتفيأ بظل شرعية الحكومة السياسية ان يتخلى عن هذا الفيء الذي يقيه شمس القرارات الدولية الحارقة اذا ما تشكلت حكومة تكنوقراط، قررت على غفلة مثلا تطبيق هذه القرارات وخصوصا الـ1559، او تعاونت مع المجتمع الدولي وتحديدا الولايات المتحدة الاميركية في شد حبل الخناق على حزب الله لنزع سلاحه والزامه بتطبيق سياسة النأي بالنفس المطلوبة دوليا ؟ وكيف للرئيس القوي ان يضحي بخليفته في رئاسة تياره الذي اوصله الى قصر بعبدا، وهو الزعيم الاقوى مسيحيا استنادا الى حجم كتلته النيابية كرمى لعيون الثوار الذين يحمّلونه تبعة كل الفساد فيما لم يمض على وجوده في الحكم اكثر من ثلاث سنوات؟
مجموع هذه التساؤلات، تضيف المصادر، تشكل حاجزا امام قبول السلطة بتلبية مطلب الشعب تشكيل حكومة تكنوقراط قد تكون مثابة “حكم اعدام” في حقها وحق معظم من توالوا على مقاليد السلطة منذ ثلاثة عقود، اذا ما ركنت الى المطالب الشعبية بانشاء محاكم لمحاسبة المتورطين بهدر مال الشعب.
غير ان، وعلى قاعدة اهون الشرور، توضح المصادر، ان حزب الله الذي يستشعر مما يجري في العراق ان البساط بدأ يُسحب من تحت قدميه ويخشى في ضوء انتفاض شارعه الشيعي في عقر داره اللبناني، من النبطية الى صور وبعلبك، يبدو يستدير جزئيا نحو القبول بعرض الحريري لحكومة تكنوسياسية، يبقى له فيها موطئ قدم ويحاول تقريب المسافات بين بيت الوسط وميرنا الشالوحي، وقد اثمرت جهوده حتى الساعة اجتماع بيت الوسط امس، درءا لخطر تدحرج كرة الانتفاضة الشيعية عليه واستقدام التجربة العراقية الى لبنان اذا لم تسارع السلطة الى اطفاء نار الشارع بحكومة حد ادنى من الطموحات.
الا ان الحزب لم يلقَ التجاوب الكامل مع مسعاه، اذ يراهن حلفاؤه على تعب الثوار وملل المنتفضين وكلل الشعب وعلى جملة اجراءات يعمد اليها لترهيبهم اما بالتسريبات والشائعات او مباشرة على غرار ما جرى ابان فتح اوتوستراد الزوق اليوم،علّهم ينسحبون من الساحات فتنطفئ ثورتهم من حيث بدأت.
المركزية