ناشد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي المسؤولين والسياسيين “الا تخيبوا مرة أخرى آمال شعبنا، ولا ترغموهم على العودة من جديد إلى الشوارع والساحات، من بعد أن حييتم حراكهم ورأيتم فيه دفعا أساسيا باتجاه وضع الورقة الإصلاحية”.
وقال الراعي في عظة الاحد بعنوان “أنت الصخرة، وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي” (متى18:16): “على صخرة إيمان سمعان بطرس بنى المسيح الرب كنيسته. وهي تنمو وتكبر وتنتشر بإيمان أبنائها وبناتها. يشبهها ببيت حجري، لكنها “بيت الله الروحي”، والمؤمنون والمؤمنات “حجارته الحية”. يجتمعون في “بيت الله” الحجري ليعبدوه، ويؤلفوا بيته الروحي كجماعة مؤمنة. في هذا البيت الحجري، الذي هو كنيسة الرعية يتاح لكل مؤمن ومؤمنة أن يصبح “هيكل الله الروحي”، بفعل الكلمة، ونعمة الذبيحة المقدسة، وحلول الروح القدس، وطعام جسد الرب ودمه”.
اضاف: “يسعدنا أن نجتمع اليوم، كجماعة مؤمنة، في أحد تقديس البيعة وبداية السنة الطقسية، لنحتفل بهذه الليتورجيا الإلهية في كنيسة الله الحجرية التي هي على اسم القديس جرجس، هنا في صربا، ولنحيي عيد شفيعها ولنختتم يوبيل المئة وخمسين سنة على بنائها. وقد أصبحت كاتدرائية الأسقف عند تأسيس أبرشية صربا، وظلت كذلك بعد أن أصبحت هذه الأبرشية نيابة بطريركية. لقد شيدت هذه الكاتدرائية سنة 1869 بمسعى من خادمها آنذاك الخوري العلامة بولس الأشقر إبن بلدة بجه الجبيلية. إنها تحفة الفن المعماري والهندسة الكنسية”.
وتابع: “إني أهنئ باليوبيل سيادة أخينا المطران بولس روحانا، نائبنا البطريركي العام في نيابة صربا، واهنىء سيادة اخينا المطران غي بولس نجيم الذي خدم هذه الرعية ككاهن غيور ثم كنائب بطريركي على النيابة. كما اهنىء كاهن الرعية الخوري فادي سلامه والكهنة معاونيه، ولجنة إدارة الوقف، وجميع أبناء الرعية وبناتها وحركاتها الرسولية ولا سيما اخوية الحبل بلا دنس التي ولدت مع بناء الكنيسة منذ 150 سنة. ونبارك لكل من له تعب في هذه الكنيسة من قريب او بعيد، ونذكر في صلاتنا كل الكهنة الذين تعاقبوا على خدمتها من البداية الى اليوم، ونأمل أن يعطي هذا اليوبيل ثماره الروحية المرجوة. إنه صلاة شكر لله على ما أفاض بشفاعة القديس جرجس من خير ونعم على الأجيال التي تعاقبت منذ التأسيس إلى اليوم؛ وهو صلاة استغفار عما صدر من خطايا ونواقص تجاه الله والناس. وهو عودة إلى الجذور في حياتنا المسيحية والرعائية، من أجل تصويب الحاضر، والانطلاق بمسيرة راعوية معا بخطى متجددة وفقا لمقتضيات الأنجلة الجديدة وأساليبها المتقدمة. كل ذلك وفقا لتوجيهات سيادة النائب البطريركي العام، وتعليم الكنيسة وإرشاداتها”.
وقال: “أنت الصخرة، وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي” (متى18:16). في قيصرية فيليبس، أعلن سمعان بن يونا إيمانه بيسوع أنه “المسيح ابن الله الحي”. فحول الرب إسمه إلى صخرة، وعلى صخرة إيمانه بنى كنيسته التي لن تقوى عليها قوى الشر مهما طغت. وعلى شاطئ بحيرية طبرية، أعلن بطرس حبه للمسيح حبا شديدا. وهو حب يعرفه الرب الذي يسبر أعماق الإنسان، فسلمه يسوع رعاية خرافه، النفوس التي افتداها بدمه، وهي البشرية جمعاء (راجع يو21: 15-17).
هكذا يتجلى سر الكنيسة: الإيمان بالمسيح هو أساسها، وتجسيد محبة المسيح رسالتها لدى جميع الناس. الإيمان والمحبة هما ركنا المسيحية وثقافتها ومصدر علاقتها مع الله ومع جميع الناس. في كنيسة الرعية الحجرية نلتقي لنعلن إيماننا ونثقفه وننضجه بواسطة الكرازة الإنجيلية والتعليم؛ ولنجدد محبتنا لله الذي أحبنا حتى جاد بابنه الوحيد، الذي افتدانا بذبيحة ذاته، وغذانا بوليمة جسده ودمه؛ ولنلتزم بشد روابط الأخوة مع جميع الناس، ونجسد محبة الله في أفعالنا وفي مؤسساتنا التربوية والاستشفائية والاجتماعية على تنوعها”.
وتابع الراعي: “الإيمان والمحبة هما ركنان لحسن استعمال السلطة في العائلة والكنيسة والمجتمع والدولة. وإليهما يرمز “سلطان الحل والربط” الذي سلمه الرب يسوع لسمعان بطرس وللكنيسة. عندما قال لتلاميذه: “من أراد أن يكون الأول فليكن خادما للجميع” وشجب في الوقت عينه “تسلط أسياد الأمم على شعوبهم” (مر43:10)، أراد القول إن السلطة هي لخدمة الناس، لا لاستغلالهم، والتسلط عليهم، وإهمال حقوقهم. هذا المفهوم للسلطة يفترض عند الرؤساء والمسؤولين الكثير من التجرد والتواضع والتحرر من الأنانية التي هي أصل الفساد الذي تعاني منه مؤسسات الدولة وإداراتها، والذي يحميه أصحاب النفوذ ممن هم في السلطة، إذ يغطون فساد جماعتهم. يعلنون وجوب مكافحة الفساد، وعندما يحاول القضاة القيام بهذا الواجب، يتدخلون في عملهم عن غير وجه حق، ويأمرون بالحد من ممارسة صلاحياتهم، وهم بذلك يخالفون أصول المحاكمات بالإفراط في استعمال سلطتهم. إنهم بذلك يقوضون القاعدة الجوهرية لقيام الدول: “العدل أساس الملك”.
وقال: “الشباب اللبناني الذي قام بالحراك الحضاري، الرافض للفساد لدى الجماعة السياسية، والمطالب بحكومة جديدة توحي الثقة، وتحقق الإصلاحات اللازمة في الهيكليات والقطاعات، والنهوض الاقتصادي والمالي، والعدالة الاجتماعية، وتضمن مستقبله في وطنه، لا يقبل بأنصاف الحلول، ولا يصدق بعد الآن الوعود. وقد قال بالفم الملآن المعتصمون في جميع المناطق اللبنانية بشبابهم وكبارهم، أن لا ثقة لهم بالسياسيين. فلم يجرؤ أحد من هؤلاء على الانضمام إليهم. الشعب يطالب بحكومة حيادية مصغرة من شخصيات لبنانية معروفة بقيمها الأخلاقية وإنجازاتها الكبيرة، وبتحررها من الروح المذهبية والطائفية والانتماء الحزبي والسياسي. فتباشر للحال في تنفيذ الورقة الإصلاحية. فيا أيها المسؤولون والسياسيون لا تخيبوا مرة أخرى آمال شعبنا، ولا ترغموهم على العودة من جديد إلى الشوارع والساحات، من بعد أن حييتم حراكهم ورأيتم فيه دفعا أساسيا باتجاه وضع الورقة الإصلاحية. وأنتم، أيها الشباب والكبار الذين اعتصمتم كمواطنين موحدين تحت راية الوطن، ومتجاوزين كل انتماء طائفي ومذهبي وحزبي، لا تخسروا هذا المكسب الكبير. أرفضوا كل اصطفاف ينال من وحدتكم، وتصرفوا بحكمة وفطنة تجاه كل من يستدرجكم للعودة إلى الانقسامات الفئوية. فمطالبكم والقضية اللبنانية توحدكم، ولبنان يعلو فوق كل اعتبار، لأنه بدولته القادرة يؤمن الخير للجميع، والخير الفائض. كلهم يخشون نهاية مصالحهم، أما أنتم فتخشون القضاء على بلدكم ووطنكم” .
اضاف: “القديس جرجس، قاتل تنين الوثنية وحامي الكنيسة، ابنة الملك، كما يظهر في صورته، يدعو كل انسان إلى قتل الوثنية التي فيه: وثنية الأنانية والجشع وحب الذات؛ وثنية عشق المال والسلطة، وثنية ما في الدنيا من شهوات؛ وثنية الإيديولوجيات وعبادة الأشخاص. إن ابنة الملك هي الكنيسة والوطن، ومن أجل حمايتهما نحارب تنين هذه الوثنيات” .
وختم الراعي: “إننا نلتمس من الله، بشفاعة القديس جرجس، أن يجعل من هذا اليوبيل موسم خير ونعم، وينصرنا جميعا على تنين الوثنية، ويلهم المسؤولين في إيجاد السبيل الأفضل إلى تشكيل الحكومة الجديدة في أسرع ما يمكن، حكومة حيادية توحي الثقة لشعبنا وقادرة على القيام بالإصلاح المنشود، والنهوض الاقتصادي والمالي، لخير جميع اللبنانيين. ونرجو بذلك أن يتمجد الله الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين”.