وفي اليوم 12 على «الثورة البيضاء» في لبنان، تزداد المخاوفُ من مؤشراتٍ متشابكةٍ تشي بأن «الأرضَ باتت تغلي» تحت أقدام الجميع، وسط ملامح «غبارٍ سبّاق» يُخشى أن يكون مقدّمةً لانزلاقٍ نحو «المواجهةِ» بين أطراف في السلطة وبين «الانتفاضة» من خلف ظهْر المحاولات الشاقة للخروج من المأزق الكبير الذي دخلتْه البلاد منذ 17 أكتوبر الجاري.
فرغم تدرج الحِراك الشعبي في وسائل الضغط على الائتلاف الحاكِم وصولاً إلى تنفيذه أمس «اثنين السيارات» الذي جرى خلاله قطْع الطرق الرئيسية بمئات السيارات التي شكّلت «جبهة متراصة» بوجه القوى الأمنية وفرضت استمرار الشلل في مختلف القطاعات، إلا أن ما يرْشح عن دوائر قريبة من السلطة وتحديداً فريق الرئيس ميشال عون و«حزب الله» يعكس أن «ثورة مضادة» تلوح في الأفق، لاعتباراتٍ سلْطوية داخلية وأخرى إقليمية تتقاطعان لتضعا لبنان «في فم» «مكاسَرةٍ» وقطوع قد يكونا الأخطر منذ أعوام.
وفي حين تراجعتْ أمس نهاراً مشهديةُ الساحاتِ بفعل الأمطار الغزيرة ومن ضمن ما يشبه تنويع «جرعات الانتفاضة» وتَفادي «تنويمها»، شخصتْ الأنظار على الجانب السياسي من المعالجات كما «المُراكمة» الإعلامية و«الميدانية» لفريق السلطة تحت سقف «مضبطة الاتهام» التي حوصر بها الحِراك وأعطى «حزب الله» إشارتها الأولى ولاقاه فيها فريق عون.
وفي هذا الإطار بدا واضحاً أن «الهدف الرقم واحد» للتظاهرات المتمثّل في إسقاط الحكومة الحالية وتشكيل أخرى غير سياسية من اختصاصيين يصطدم بـ«حائط صدّ» شكّله رئيس الجمهورية و«حزب الله» أمام أي تعديلٍ أو تغيير يكون من «أثمانه» إخراج رئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل من الحكومة، لأن ذلك سيعكس (بالنسبة إليهما) «تَفَلّت» الواقع الداخلي من يد الحزب وخسارة مزدوجة لعون عبر «إنهاء» عهده باكراً وضرْب حظوظ صهره (باسيل) لخلافته.
ولم يعد سراً أن تحالفَ «حزب الله» وفريق عون أقفل الباب أمام أي مخارج من شأنها تجنيب البلاد خيارات صعبة قد تفْضي إلى المجهول في ظل شبح الانهيار المالي – الاقتصادي الذي يقْرع الأبواب، إذ توالى إسقاطُ صيغ التعديل الوزاري والتغيير الحكومي بسبب الرفض الحاسم لـ«التضحية» بالوزير باسيل الذي تردّد اسمه في الساحات كرمزٍ لفشل السياسات التي اعتُمدت منذ التسوية التي جاءت بالعماد عون رئيساً.
وتقاطعتْ المعلومات في هذا السياق، عند مجموعة من الوقائع المتدرّجة التي جعلتْ من باسيل القفل والمفتاح في أي مبادرة لإعادة النظر في الواقع الحكومي استجابةً لمطلب الثورة وتلافياً للفوضى عبر ترْك الناس في الشارع والرهان على انهاكهم، وأبرزها:
* تَدارُك «حزب الله» لـ«ليونة» أبداها عون للوهلة الأولى بدخوله القوي على الخط ومنْع مطلب «تسليم رأس» باسيل عبر إقناع رئيس الجمهورية بأنه سيكون (أي عون) «الهدف التالي» للانتفاضة، إذ لم يرُق للحزب رؤية انهيار تركيبةٍ (عون – باسيل) استثمر فيها طويلاً، وشكّلت ذراعه المسيحية في الداخل وتبنّت خياراته في الاقليم.
* انتقال تحالف عون – «حزب الله» في هجومه لحماية باسيل ورفْض أي تغيير حكومي، إلى ربْط أي خروج للأخير من ضمن الصيغ المطروحة لحكومةٍ بديلة بخروج الرئيس سعد الحريري نفسه من السرايا، وهو ما نُسب إلى عون في قوله للحريري «انت كباسيل رئيس تيار سياسي، وحكومة من دون جبران يعني حكومة من دونك»، وما نُقل عن «حزب الله» من أن باسيل يوازي بمكانته كرئيس للكتلة الحاكِمة الحريري في إشارة إلى أنهما يبقيان معاً أو يخرجان معاً، وسط كلام عن محاولاتٍ من تحالف عون – الحزب لفرْض معايير في أي حكومة جديدة تفضي عملياً إلى إقصاء الحريري، وذلك في إطار السعي لقطْع الطريق على أي سيناريوات خارج ترميم الحكومة الحالية بتعيين بدلاء لوزراء «القوات اللبنانية» الأربعة.
وكان لافتاً أمس ما نُقل عن أوساط متابعة لاتصالات الحريري أن الأخير يعمل على خط الحل السياسي وضرورة ترجمة الدعوة التي صدرت عن بعبدا بإعادة النظر في الوضع الحكومي عملياً «فالبلد لم يعد يحتمل المزيد من الانتظار وهدر الوقت»، ومشيرةً رداً على سؤال حول أن بعبدا تطرح معايير موحّدة لأي تبديل حكومي إلى «ان طرح المعايير بهذا الشكل هو مشاريع إشكالية وليس مشاريع حلول والحريري يحتفظ بموقفه الذي يحمي المصلحة العامة ويمنع التدهور ويؤمن سلامة الاقتصاد، الوقت الآن هو للمصلحة الوطنية وليس التجاذبات».
وفي موازاة ذلك، مضى فريق عون و«حزب الله» في «شيْطنة» الانتفاضة ووضْعها في سياق «مؤامرة» خارجية، في ظلّ اندفاعة على خطيْن تشي بأن وقت «التصدي» للثورة ربما اقترب، الأمر الذي يجعل موقف الحريري «الحامي» لحرية التظاهر والتعبير عن الرأي والرافض أي مواجهة مع المتظاهرين أمام اختبار حقيقي.
وفي هذا السياق، يرتفع منسوب الترقب لكيفية ترجمة تحالف «التيار الحر» – «حزب الله» الرغبة الكبيرة بفتْح الطرق وانتزاع سلاح الضغط الأقوى من يد الانتفاضة، وسط ملاحظة أن هذا التحالف يصرّ على اعتبار انهاء قفل الطرق مدخلاً لأي إعادة نظر في الواقع الحكومي إلى جانب تشكيل وفد من المتظاهرين لمحاورة العهد.
ويترافق هذا الضغط مع «سيناريوات» تهديدية للحِراك، تجلّت بما أوردته وسائل إعلام قريبة من «حزب الله» حذّرت من أن قطْع الطرق «المنظّم في جغرافيات بالغة الدّقة، بات لعباً مكشوفاً لإحلال فوضى أهلية كبرى»، معتبرة ما يجري في لبنان من ضمن «سيناريو يشبه الانقلاب»، وملوّحة بمواجهة ستحصل في الشارع «بين قاطعي الطرق وبقية اللبنانيين».
وإذ ذهب بعض الإعلاميين المؤيّدين لـ«حزب الله» إلى رسْم مشهد «مُرعِب» لما قد يكون في البلاد استحضر معه «زومبي» حيث «الناس قد تأكل بعضها ويسود النهب في مناطق» خارج سيطرة «حزب الله» في حال طال أمد الاحتجاجات، كان بارزاً ما أوردته «وكالة الأنباء المركزية» نقلاً عن مصادر قريبة من العهد من «ان الخارج يقف وراء ما يحصل في لبنان وهو يتلطّى خلف الثوّار لتحقيق مآربه، وبما ان هؤلاء الثوّار يرفضون الدعوة الى الحوار التي أطلقها رئيس الجمهورية، فالمنطق يفرض التعاطي معهم (كثوّار انقلابيين) وقمعهم قبل تحقيق غاياتهم، لانهم يقوّضون حركة الناس بالتنقّل»، ومتخوفةً من «مواجهات مسلّحة تجد في الساحة المسيحية ارضاً خصبة لها (…) وخصوصاً في ظل تلكؤ السلطة العسكرية والأمنية في فتح الطرق».
الراي