فنون وابتكارات… بصمة خاصة تميّز احتجاجات لبنان

كان لمظاهرات الاحتجاج في لبنان وقعها الكبير على الساحتين العربية والدولية. فهي تضمنت مشاهد ولوحات خارجة عن المألوف لم يسبق أن شهدتها تظاهرات شعبية في أي بلد آخر. ولعلّ نسبة جيل الشباب الطاغية على مختلفها ساهمت في تحويل أنظار الناس عليها من كل حدب وصوب. فهي حملت إلى جانب رسالتها الأساسية التي ترتكز على الثورة والانتفاضة ضد واقع أليم يعيشه المتظاهرون منذ أكثر من ربع قرن، رسائل أخرى كسرت النمطية السائدة في هذا النوع من الاحتشادات.
وتأتي مدينة طرابلس العاصمة الثانية للبنان لتحصد المشهد الأهم في هذه المظاهرات التي تعم مختلف المناطق اللبنانية منذ نحو 5 أيام. فأطلق عليها لقب }نجمة المظاهرات} بعد أن تحولت ساحة النور فيها، إلى فسيفساء تتلون بفائض من التنوع استخدمه المتظاهرون والذي فاق عددهم الـ50 ألف شخص للتعبير عن مطالبهم وهواجسهم اليومية. وبلغ فن التظاهر في طرابلس الفيحاء بأن حوّل المتظاهرون ليلها إلى نهار من خلال حفلات غنائية أضاءتها أجهزة التلفونات المحمولة التي راحوا يلوحون بها على أنغام الموسيقى الصادحة الموقعة من الـ{دي جي} مهدي. كما كان لمشاركة الفنان مارسيل خليفة والوقوف بين المتظاهرين فيها برفقة}كورال الفيحاء} وقعها المؤثر على الطرابلسيين. فراحوا يرددون معه أجمل أغانيه الوطنية وهم يلوحون بالعلم اللبناني ابتهاجا. ولم تستثن اطلالة لحصان أبيض على الساحة المذكورة وأصوات موسيقى صادرة عن أدوات المطبخ للتعبير عن صمودهم على الرّغم من الجوع الذين يعانون منه. ودأبت بعض المطاعم ومحلات الحلويات في طرابلس كمطعم {دنون} و{حلويات الحلاب} إلى توزيع السندويشات وكعك الكنافة بالجبن على المتظاهرين للاشارة إلى دعم المتظاهرين وتشجيعهم في حراكهم المدني والسلمي.
وفي وسط بيروت لم يختلف المشهد كثيرا عن طرابلس الفيحاء. حيث توزعت على ساحتي رياض الصلح والشهداء نراجيل المعسل والتنباك، وكذلك مشاهد نزهات الـ{بيك نيك} التي ترافق اللبنانيين عادة في أيام العطل، من خلال إقامة حفلات الشواء وتقديم المشروبات الغازية للمحتشدين. كما ساهمت إحدى أكبر محلات السهر في بيروت ( غراند فاكتوري) على اقامة حفلات موسيقية في الهواء الطلق مع فريق موسيقي و{دي جي} لينشد معهما اللبنانيين أغانٍ وطنية معروفة وتردد في هذا النوع من المناسبات. حتى أن فريق }أسيد أراب} العالمي غرّد يشكر المتظاهرين في بيروت لاستخدامهم أحد مقطوعاتهم الموسيقية.
مدينة جبيل بدورها شهدت تظاهرات حملت شعارات كثيرة تصب في معاني السلم والسلام والوطن الواحد. وسادتها موسيقى كلاسيكية تارة ووطنية تارة أخرى بأصوات تسجيلات غنائية لفنانين شاركوا في مهرجاناتها كماجدة الرومي.
وفي بلدة جل الديب الساحلية افترش المتظاهرون بعض زوايا ساحتها الأساسية وراحوا يوزعون قوارير المياه على المحتشدين وعلى اقامة حفلات شواء منوعة.
وفي السادسة من مساء اليوم الرابع للمظاهرات أخذ المتظاهرون في جميع المناطق اللبنانية، التي تشهد الاحتجاجات الشعبية كما في مدن صور وصيدا وزحلة وحلبا والزوق وغيرها، على تلاوة النشيد الوطني اللبناني للدلالة على وحدة مطالبهم على الرغم من اختلاف مشاربهم الدينية.
ولاقت هذه التظاهرات تعليقات ظريفة وأخرى فكاهية جرى تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي. فنشرت صورة مركبة للفنان المصري عادل إمام كتب عليها {دي المظاهرات في لبنان؟ أمال أعياد الميلاد عندهم ازاي؟} فيما صورت منشورات الكترونية أخرى أحاديث إعلاميين مصريين يتمنون لو أنّ اللبنانيين ينظمون مظاهراتهم في مصر. فيما أُطلقت الألقاب على بعض المشاركين في هذه الحشود الاحتجاجية، كـ{أيقونة المظاهرات}، التي تناقلها المغردون على موقع تويتر لفتاة متظاهرة تركل رجل أمن مسلح. فيما أطلق على إحدى النساء المتقدمات في العمر لقب {المرأة ثورة} لحديث مؤثر أجرته مع أحد عناصر الجيش المشاركين في الحفظ على سلامة وأمن ساحة رياض الصلح وسط بيروت. كما صُمّمت فيديوهات مصورة وأغان خاصة لتواكب أيام المظاهرات بينها {انتو أحلى عالم} و{نحنا معك} و{صوتنا صوتك} وغيرها التي استخدمت في نشرات أخبار محطة {ال بي سي}، وفي تعليقات لفنانين وإعلاميين كنانسي عجرم وكارلا حداد وغيرهما.
وعلقت الفنانة أحلام عن رأيها بالمظاهرات التي تجري في لبنان فغردت تقول {الله عليكم تجمعتوا اخوان وأصدقاء.. فلتكونوا عبرة تعتبرها كل الشعوب للتاريخ. عملتوا بصمة اسمها ثورة وطنية حقيقية برافو}. وأرفقت تعليقها تقول }تمنيت أن أكون معاكم ربي يحميكم}.

(الشرق الاوسط)