انطلق من الإمارات العربية المتحدة أمس، مسارٌ جاء ليضخّ جرعة ثقةٍ في الواقع المالي – الاقتصادي الذي أعطى في الأسبوعين الأخيريْن إشاراتٍ غير مسبوقة إلى اقترابه من دخول مرحلةٍ هي الأدقّ في ملامستها حدود انهيارٍ يُصارِع لبنان لـ«الإفلات» منه عبر روزنامة إصلاحات «قيصرية» مطلوبة دولياً لـ«تأهيله» للاستفادة من رزمةِ مخصصاتِ مؤتمر «سيدر» ووضْع البلاد على سكة «استعادة التوازن» المالي وتَفادي تَدَحْرُج الأزمة التي عبّر عنها انكشاف شحّ الدولار الأميركي.
واستقطب مؤتمر الاستثمار الإماراتي – اللبناني الذي عُقد أمس، في أبو ظبي بحضور رئيس الحكومة سعد الحريري، والذي تُوّج بلقاء الأخير بولي العهد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان الاهتمام من زاويتيْن:
* الأولى سياسية عبّر عنها الكلام الأوّل من نوعه للحريري بإزاء مشكلة «حزب الله» وأدواره في المنطقة، معلناً عبر وكالة أنباء الإمارات «وام» و«بصفتي رئيساً للحكومة أرفض أي تورط لبناني في النزاعات الدائرة حولنا، كما أشدد على أن الحكومة اللبنانية ترفض التدخل أو المشاركة في أي أنشطة عدائية لأي منظمة تستهدف دول الخليج العربي».
وأوضح «أن الحكومة اتخذت قراراً بعدم التدخل في النزاعات الخارجية أو في الشؤون الداخلية للدول العربية، ولكن مع الأسف يتم انتهاك هذا القرار، ليس من الحكومة ولكن من أحد الأطراف السياسية المشارِكة فيها»، مشدداً على أنه ينبغي توجيه الاتهام إلى «حزب الله» بوصْفه «جزءاً من النظام الإقليمي وليس بصفته أحد أطراف الحكومة اللبنانية».
وتوقّفت أوساطٌ متابعة في بيروت عند هذا الموقف من رئيس الحكومة الذي بدا وكأنه يقدّم «فذلكةً» جديدة لوضعيّة «حزب الله»، التي تُثْقِلُ على مجمل الوضع اللبناني في ضوء اندفاعة الحزب على خط المواجهة الكبرى في المنطقة وتشكيله كرأسِ حربةٍ للمحور الإيراني «خطَّ تماسٍ» مع أكثر من دولة خليجية، وتَدَحْرُج العقوبات الأميركية عليه وارتسام ملامح تَوسُّعها نحو حلفاء له من خارج الطائفة الشيعية، وسط تقارير اعتبرتْ أن «عقوبات مقنَّعة» بدأت تطول نواباً وشخصيات مسيحية من «التيار الوطني الحر» (حزب الرئيس ميشال عون) أو قريبة منه على شكل حظْر غير معلن لهؤلاء على دخول الولايات المتحدة عبر تأخير وتصعيب الحصول على تأشيرات دخول.
وحسب الأوساط، فإن الحريري الذي جاءتْ «زيارة الدولة» التي قام بها للإمارات وما رافقها من حفاوة وخلاصات بمثابة فكِّ عزْلةٍ عن العهد الذي تعاني علاقته مع بعض الخارج المؤثّر من أزمة ثقة، يحاول من خلال دعوته الضمنية للفصل بين «الجناح الإقليمي» لـ«حزب الله» و«جناحه الحكومي» إرساء معادلة يخاطب من خلالها المجتمعين العربي والدولي، على تخوم 4 محطات أوروبية ورابعة سعودية له في الأسابيع المقبلة، وذلك على قاعدة عدم التخلي عن التمييز بين الحزب والدولة، وتالياً تعزيز الدعم السياسي والمالي والاقتصادي للبنان لتفادي انهياره وترْكه يقع بالكامل في أحضان إيران.
وفيما استوقف بعض الدوائر السياسية تشكيل الإمارات ما يشبه «الرافعة» لمرحلة استنهاض الدعم الخارجي للبنان وذلك رغم التهديدات غير المباشرة التي وجّهها أكثر من مرّة الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله لها على خلفية المواجهة مع إيران تحت عنوان «المدن الزجاجية» و«الاقتصاد من زجاج»، طُرحت سريعاً علامات استفهام حول التأثيرات الداخلية لكلام الحريري «باسم الحكومة» وموقف رئيس الجمهورية و«حزب الله» منها.
ولم يكتفِ الحريري بهذه المقاربة لوضعية «حزب الله»، بل تطرّق أيضاً إلى هجمات الطائرات المسيّرة على المنشأتين النفطيتين في السعودية، واصفاً إياها بأنها كانت «خطوة متهورة وضعت الخليج العربي والسلام الإقليمي على شفا الانفجار»، مؤكّداً «أننا في لبنان نثق بحكمة قيادة المملكة العربية السعودية، التي سلّطتْ الضوءَ على الأهداف المتعمَّدة من هذا العدوان ولم تستجب لمحاولات استفزازها من الجانب الآخر».
واقترح حلاً سياسياً للأزمة عبر الحوار، مشدداً على أنه «يتعين على المجتمع الدولي تحمل مسؤولياته لوقف التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية».
* أما الزاوية الثانية فمالية – اقتصادية، حيث خَضَعَ مؤتمرُ الاستثمار اللبناني – الإماراتي الذي عُقد بمشاركة إماراتية مرموقة عبّرتْ عنها رعايتُه من قبل وزارة الاقتصاد الإماراتية وغرفة تجارة أبو ظبي وحضور عدد من الوزراء ورجال الأعمال والمال من كلا البلدين، لمُعايَنَةٍ دقيقة لخلاصاته بعدما انعقد على وقع آمالٍ كبيرة بأن يُفضي الى جانب تأسيسه لمرحلة جديدة من التعاون الاقتصادي والسياسي إلى حصول لبنان على دعم عينيّ على شكل وديعة، أو شراء أبو ظبي سندات «يوروبوند» لبنانية بما يوجّه رسالة طمأنة وثقة تحتاج إليها بيروت بقوة، علماً أن مجرّد بروز توقعات بتدبير الحكومة لدعم مالي من الإمارات انعكس ارتفاعاً لسندات لبنان الدولارية حيث صعدت السندات الأطول بأكثر من 0.5 سنت، في حين سُجّل انتعاش بورصة بيروت بنسبة 0.5 بالمئة مع انعقاد المؤتمر.
وكان الحريري أكد و«من القلب» في افتتاح المؤتمر، الذي تلاه عصراً، لقاء بينه وبين ولي عهد أبوظبي في قصر البحر، تناول آخر التطورات في لبنان والمنطقة والعلاقات الثنائية وسبل تفعيلها، أنه «إذا جمعنا القطاعين الخاصين اللبناني والإماراتي يمكننا أن ننجز العجائب للبنان خصوصاً وللمنطقة عموماً»، معلناً أن «لبنان موقعه صعب، ولكن لديه في الوقت عيْنه فرصة ويمكنه أن يكون حجر أساس لكل الشركات الإماراتية التي ستستثمر فيه في المستقبل، كي تشارك في ما بعد بإعادة الإعمار في سورية أو العراق انطلاقاً من لبنان. من هنا، نلتقي مع الإمارات كي يكون لبنان مركزاً رئيسياً لإعادة إعمار المنطقة»، ومشدداً على «أننا سننجز كل الإصلاحات التي وضعناها في (سيدر)».
بدوره، قال وزير الاقتصاد الإماراتي سلطان بن سعيد المنصوري، «إننا مؤمنون بأن لبنان قادر، بما لديه من خبرات وإمكانات، على المضي قدماً وإلى مراتب ريادية في مختلف مجالات التنمية. ونحن حريصون على أن نكون شركاء في مسيرة بلدينا نحو التقدم والازدهار، ونتطلع إلى زيادة عدد المشاريع والأنشطة التجارية بين بلدينا خلال المرحلة المقبلة»، ومؤكداً «نحب أن نرى لبنان قوةً اقتصادية صاعدة في المنطقة، ونأمل أن يكون المؤتمر الاستثماري البارز علامةً فارقة في مستوى الشراكة بين بلدينا وشعبينا الشقيقين»، وخاتماً «بعبارة عزيزة على نفسي: لبنان دائماً في القلب».
الراي