عقد وزير البيئة فادي جريصاتي مؤتمرا صحافيا، في مكتبه في الوزارة، خصصه لشرح خارطة الطريق للادارة المتكاملة للنفايات التي أقرها أخيرا مجلس الوزراء. وإستهل المؤتمر بالقول: “موضوع النفايات حساس ويعني كل الشعب اللبناني ونفهم حماوة النقاش الدائر حوله، واذا أردت وصف الواقع فأنا ورثت اليوم الف مكب عشوائي موزعين على كل الاراضي اللبنانية، وهذا الوضع كلفته البيئية عالية جدا وهذا لا يحتمل. صحيح أن هناك مشكلة ثقة بين الدولة والشعب وهذا أتفهمه وهو ناتج من تراكم أخطاء مدى 40 عاما بمعالجة ملف النفايات، إنما أسأل كل اللبنانيين: ما هي خياراتنا اليوم غير العودة لنثق ببعضنا واعادة بناء البلد اذا لم يعط المواطن فرصة للدولة واذا لم يثق المواطن بحلول الدولة؟”.
واضاف: “إن موضوع النفايات يتطلب منا إتخاذ قرارات غير شعبية، وفي هذا الامر نتحمل مسؤولياتنا ونأخذ حصتنا من قلة الشعبية ولا نتهرب من المسؤولية ولا من المواجهة بل نتخذ القرارات اللازمة. لدينا الف مكب عشوائي وهناك دراسة قامت بها شركة ماكينزي لشرق آسيا، وتبين أن كلفة المكب العشوائي البيئية والصحية هي 375 دولارا للطن، وهذا أمر يجب أن يعرفه الشعب اللبناني وهو يدفع ثمنها بالعصارة في الارض والتخمير وبالانبعاثات والغازات وبمعالجة هذه المكبات مستقبلا ولا خيار لنا الا بتحويل المكبات الالف الى 25 مطمرا صحيا. وهذه المطامر لديها عازل عن الارض، ومن لديه خوف على المياه الجوفية نتفهم خوفه، إنما ثلاثة ارباع لبنان اذا لم يكن كله لديه مياه جوفية، ومن ينفي ذلك ليثبت لنا ذلك وأن نصف اراضي لبنان ليست كارسية.المشكلة ليست وجود مياه جوفية بل في عدم المعالجة وعدم وجود عازل للارض، هذا ليس سحرا بل هو تقنية متبعة ومطمر الناعمة تجربة ناجحة وهو أكبر مطمر صحي احتمل نفايات لبنان مدى 17 عاما ويولد كهرباء لسبع قرى مجاورة، وبالتالي شيطنة المطامر الصحية هي خطأ والشيطنة يجب أن تكون للمكبات العشوائية التي غزت منطقة الشمال”.
نفايات الشمال
وتابع: “أسأل أبناء الشمال والاقضية المعنية هل كانوا يعالجون نفاياتهم آخر 30 عاما؟ عاشوا على مكب عدوة هل كان مطمرا صحيا ومقبولا؟ وهل نقل النفايات من الاودية وجمعناها في مكان واحد بعد عزل الارض واغلاق سطحها بالرمل لمنع الانبعاثات والعصارة، هل هذا أفضل أو أسوأ ؟ والسؤال نفسه لابناء بعلبك والفاكهة وعرسال وكل السلسلة الشرقية؟ هل تحرق النفايات في الليل وينبعث منها الديوكسين؟ هل المطمر الصحي يؤدي الى سرطان أم حرق النفايات في مكبات عشوائية؟ هذا قرار جريء على الشعب اللبناني أن يتخذه بالانتقال من عادات سيئة برمي النفايات في الاودية الى 25 مطمرا صحيا تتحمل مسؤوليتها الدولة اللبنانية وتتحمل وزارة البيئة مسؤولية الرقابة”.
وقال ” قدمنا اقتراحا ب 20 موقعا بينها 10 مواقع متوافق عليها و15 لا توافق عليها. وهنا أتوجه الى كل اصدقائي النواب: نحن امام خيارات صعبة، وكل خيار يؤيدون فيه الدولة سيخسرهم اصواتا في مكان ما إنما اذا أردنا بيئة بالتراضي فلن نحمي البيئة ، واذا أردنا الاستمرار في سياسات ” الجمهور عايز كده” لن نأتي بإجماع في أي مكان على حل ولا يمكن الوصول الى توافق وطني وأن تقبل البلديات بموقع واحد من هنا جاءت لامركزية النفايات في القانون الرقم 80 بحيث يعالج كل قضاء أو قضاءين نفاياتهما اذا قدما عقارا لانشاء معمل”.
مرسوم الفرز من المصدر
واضاف الوزير جريصاتي ” للمرة الاولى في تاريخ لبنان أصدرنا مرسوم الفرز من المصدر وقد بات واقعا وحقيقة. وهذا يشكل نقلة نوعية وهو ليس خيارا بل واجبا وطنيا يتيح لنا استرداد جزء من الكلفة لأنه يمكننا من بيع كل ما يمكن تدويره. وهذا يتيح لنا طمرا اقل للنفايات، وبالتالي التسبيخ بحيث ان ما ينتج من بيروت وجبل لبنان غير صالح للزراعة من خلال الحصول على Grade A .وأطلب تغيير عاداتنا وتخصيص 3 براميل للفرز والرابح سيكون جيبتنا وبيئتنا”. وقال: “الفرز من المصدر هو بداية أي حل وقد بدأنا تدريب البلديات على الفرز والحريص على البيئة مدعو الى مواكبة هذه الورشة وعلى البلديات مسؤولية في التنفيذ، والمسار طويل وهناك أناس ليس لديهم مصلحة بالفرز اذا إستمررنا في طمر 94 في المئة”.
وتحدث عن دفاتر الشروط للكنس والجمع، وقال: ” هذه ايضا نقلة نوعية لتوحيد المعايير وقد وضعنا دفتر شروط نموذجيا لتعميمه على البلديات”. وأوضح أنه ” تمت الموافقة على تلزيم استشاري دولي للقيام بدراسة التفكك الحراري، واليوم هناك توافق على موقعين وليس على ثلاثة، وننتظر موافقة على موقع جنوب بيروت في مهلة 15 يوما لتختاره القوى السياسية، وهذا قرار سياسي يحتاج الى غطاء من الاكثرية. وبعد ذلك يأتي دور العلم والأثر البيئي، وعندئذ يعرض الامر علينا.أما دورنا في معمل التفكك الحراري في بيروت فيأتي بعد تعيين الموقع النهائي وبعد تعيين بلدية بيروت الاستشاري الذي سيدرس الأثر البيئي وتُقدم الينا الدراسة ، وهذا يندرج ضمن اللامركزية التي تسمح لبلدية بيروت بإعتماد المعالجة التي ترغب فيها، ودورنا كوزارة هو دراسة الاثر البيئي ثم إجراء الرقابة ولسنا كوزارة من يلزم ويحدد السعر أو التقنية التي ستستعمل ، وهذه فرصة لأقول إنه لأول مرة صارت هناك استراتيجية للنفايات وقد أنجزناها ، وهذا علمي وينقل لبنان الى مكان آخر ، وباتت لدينا أهداف منها أنه ممنوع بعد اليوم طمر اكثر من 30 في المئة وهذا هدفنا على أن ينزل مع السنوات الى 20 في المئة وأكثر .هذا هو الحوار الذي سنجريه وهذه هي المناقصات التي سنجريها ، ونحن في الوزارة لم نرفض أي حلول او تقنية.هناك تفكك وغير تفكك ، والكل له الحق بالتقدم بالحل الذي يناسبه”.
الرسوم للبلديات
وتطرق الى موضوع الرسوم لاسترداد جزء من الكلفة، فسأل: “هل يعلم أحد كم ندفع كلفة معالجة النفايات كدولة لبنانية وهي بحدود 300 الى 350 مليون دولارا. وقد أعلن وزير المال في مجلس الوزراء عن عجز في هذا القطاع بقيمة 3000 مليار ليرة ، هل سألنا أنفسنا من يدفع هذه الكلفة؟ هل تدفعها قوى أجنبية أو عظمى؟ نحن وأنتم ندفعها فهل ترغبون في الاستمرار بهذا العجز وهذا المنحى؟ النفايات خدمة تقدمها الدولة اللبنانية مثل الكهرباء والمياه. من هنا اقترحنا رسوما للبلديات المنتخبة من الشعب تبدأ بخمسة آلاف ليرة الى عشرة آلاف وتصل الى 15 الف ليرة شهريا. والبلديات ليس لديها امكانات بمعظمها واذا كنا مقتنعين بضرورة وقوف البلديات على قدميها علينا أن نعطيها امكانات كي لا يبقى الكلام شعرا”.
وأضاف: “عندما نتكلم على تخفيف النفايات كيف نفعل ذلك؟ نضع رسوماً على المنتجات غير الصديقة للبيئة ونعفي من الرسوم كل ما هو صديق للبيئة . لدينا رسوم على 99 منتجا غير صديق للبيئة مثل اكياس النايلون وقنينة البلاستيك وهناك إعفاءات للمنتجات الصديقة للبيئة كما فعلنا مع السيارات الكهربائية والهجينة.
وهناك ايضا مبدأ الملوث يدفع حيث كل طرف يدفع بقدر ما يلوث، ولدينا صناعات تلوث ولا نريدها أن تقفل بل أن تشغل شبابنا إنما لديها كلفة بيئية وانبعاثات تتحمل الدولة مسؤوليتها سواء بفاتورة صحية أو بيئية. ولدينا مثل حوض الليطاني حيث تراكمت النفايات ومجارير الصرف الصحي في مجرى النهر وزادت الازمة نتيجة النزوح السوري، واليوم سنطلب قرضا من البنك الدولي بقيمة 500 مليون دولار لمعالجة الامر فهل هذه كلفة بيئية أو لا؟ هذا مشروع قانون ولدينا شهر مع وزارتي المال والداخلية لاجراء دراسة اخيرة لموضوع الرسوم وتقديم المشروع الى مجلس النواب، ولمن يسأل اذا سنبدأ بالدفع من يوم غد أجيبه لا يوجد شيء قبل شهر وقبل صدور القانون ، واذا الشعب اللبناني يريد خدمة نوعية فعليه ان يفكر يدفع ثمنها ، هذه معادلة سهلة وواضحة “.
المواقع
وعن اختيار المواقع قال: “هناك مهلة شهر للسلطات المحلية للموافقة على المواقع، وطلبت وأطلب من كل النواب أن نكون مسؤولين والامر ذاته لاتحادات البلديات وكل من يعترض على موقع عليه اقتراح البديل .وبعد شهر على الدولة أن تتحمل مسؤوليتها وليس وزارة البيئة.لسنا متمسكين بأي موقع ولا نعتبر موقعا منزلا ولا بديل له. تختارون موقعا فتعطونا فرصة لنكشف عليه ونحوله الى مطمر صحي.إنما أعطونا فرصة وثقة. وهل انتبه احد ان في الخطة بندا عن النفايات الخطرة أو السامة أكانت طبية أم صناعية؟ وهل إنتبه أحد أن مرسوما صدر حول النفايات التي تأتي من المستشفيات وترمى مع النفايات المنزلية، هذا أخطر شيء، وللمرة الاولى في لبنان، بات لدينا مرسوم مثلما فصلنا، للمرة الاولى، الكنس والجمع عن المعالجة، وهذه نضعها للمرة الاولى في المناقصات التي ورثناها حيث كانت الشركة ذاتها تقوم بكل السلسلة”.
حوار
وردا على أسئلة الصحافيين، قال الوزير جريصاتي: “حاولت إعفاء البلديات من ديون شركة “سوكلين” وانا مقتنع بانه كان هناك ظلم على البلديات واذا النواب قادرون على الاعفاء فهو يطاول جبل لبنان وبيروت”.
وأكد “أن التحدي الاكبر هو أن أكسب ثقة الشعب اللبناني ، وضميري مرتاح وأطلب من السلطة السياسية ان تقف الى جانبنا وتتخذ قرارات وليس التعامل على قاعدة “الجمهور عايز كده” لأنهم يعدون اصواتا. وبناء على هذا الامر “فينا نغير الصورة”.
وأضاف: “السؤال هو هل مصلحة اكثرية الناس ستطغى على مصلحة الاقلية؟ لا خيار لنا سوى الذهاب الى المطامر الصحية. ليقرر اهل القضاء أين يريدون الموقع وقد غيرنا 9 مواقع في الشمال ، هل هذا يعني أننا متمسكون بخيار معين؟ أيهما أفضل ان تكون النفايات موزعة على أقضية الشمال وبين البيوت أو مركزة في مكان واحد؟”.
وعن المحرقة، قال: “الموضوع ليس موضوع تكنولوجيا بل هو الثقة بمن سيراقب ويتولى الصيانة. ووزارة البيئة هي من سيراقب وبلدية بيروت مطلوب منها ان تجيب الناس عن كل التساؤلات لتبديد الهواجس”.
وختم: “نحن قادرون على تغيير الصورة التي انتشرت على CNN حول النفايات. ومن المعيب ان نبقى كشعب لبناني في سنة 2019 في أزمة بهذا الحجم وبهذا الخلل في المعالجة، الامر ليس صعبا بل يتطلب ارادة سياسية وثقة من الشعب اللبناني، وقد سألت في بداية المؤتمر ما هو خيارنا اذا لم نعط ثقة لبعضنا، وكيف سنعمر بلدنا اذا لم نعط فرصة للحكومة او لهذا الوزير، لم تعد لدينا فرصة أخرى فهذه هي الخرطوشة الاخيرة وإلا يمكن أن تعود النفايات الى الشارع في كل دقيقة وكل ساعة ، اليوم أخذنا 90 في المئة من الخطة وبقي 10 في المئة وهي اساسية وليست تفصيلا”.