لم يكن صدر تقريرُ «ستاندرد اند بورز» حول التصنيفِ الائتماني للبنان، حتى بدت بيروت وكأنها تقف وجهاً لوجه أمام «الحقيقة المُرّة»… فرغم الاستكانة الداخلية إلى أن الوكالة الدولية ستُبقي اليوم على تصنيف لبنان في خانة B- مع تأجيل خفْضه إلى CCC+، فإنّ مُفارَقَةً «سوريالية» طَبَعَتْ المشهد الداخلي قبيل «المفاجأة غير المفاجئة» تمثّلت في اعتبار المراوحة ضمن دائرة «السيئ» وتَفادي الانتقال، موقتاً، إلى «الأسوأ» بمثابة… «انتصارٍ».
وفي الوقت الذي بدا أن مجلسَ الوزراء الذي انعقد أمس في قصر بيت الدين (الشوف) «أَخَذَ علماً» بما سيرسو عليه تقرير «ستاندرد اند بورز»، فإنّ حيثيثات هذا التطوّر لن ترتكز على إيجابياتٍ في الواقع المالي بقدر ما أنها ستعبّر عن أن درجة الـ CCC+ صارت أشبه بقرار متَّخَذ «مع وقف التنفيذ» وعلى قاعدة إعطاء لبنان فسحةً لـ 6 أشهر كحدّ أقصى لتطبيق «الوعود» الإصلاحية والمضي بخطوات التصحيح المالي.
وفي موازاة الحرص على تَفادي تظهير «نجاة» البلاد مرحلياً من خفْض التصنيف على يد «ستاندرد اند بورز» (وسط رصْد لتقريرٍ مرتقب لوكالة «فيتش») على أنها «المُحَفِّز» لورشة الإنقاذ التي يفترض أن تبدأ على قاعدة استكمال المسار الذي أرستْه موازنة 2019 في موازنة 2020 وإيجاد آليات تنفيذية لخريطة الطريق التي وُلدت من الاجتماع الرئاسي في قصر بعبدا (9 أغسطس)، فإن غالبية الأوساط السياسية تتعاطى مع «فترة السماح» الجديدة لبيروت على أنها باتت محكومة بما يشبه «دفتر الشروط» الذي يضع لبنان ضمنياً تحت «وصاية دولية» مشدَّدة كانت لاحت أولى مؤشراتها مع الموجبات القاسية التي حدّدتْها الدول المانحة في مؤتمر «سيدر».
ولم تتأخّر مصادر مطلعة عن طرْح علامات استفهام كثيرة حيال كيفية تَلَقُّف السلطة السياسية «الفرصة الأخيرة»، وهل ستكون على قدر التحدي «شبه الوجودي» فتستخدم هذا «الوقت الذهبي» لضمان إيصال البلاد إلى «شاطئ الأمان»، أم أنها ستعود إلى التراخي والغرق في «المعارك الداخلية» وتفوّت على لبنان حصول «التقاطع الثمين» بين تمديد واشنطن سياسة فصل (في العقوبات والمساعدات والدعم) الدولة عن «حزب الله» وبين إرجاء «ستاندرد اند بورز» خفْض التصنيف الذي كان سيسبّب متاعب خطرة على أكثر من مستوى ويدفع البلاد نحو طريق الهبوط الذي يصعب الصعود منه.
وما عزّز «نقزة» هذه المصادر من ألا تُغَيِّر القوى السياسية «عاداتها»، بروز «تَنافُس» مكتوم على أبوّة «إنجاز» الإبقاء على تصنيف B- واقتران ذلك بحملة إعلامية على رئيس الحكومة سعد الحريري اتهمتْه بإبرام «صفقاتٍ» مع الإدارة الأميركية ودفْع «أثمان سياسية» لقاء «إقناع» ستاندرد اند بورز بإرجاء خْفض تصنيف لبنان، وهو ما اعتبرتْه مصادر رئيس الحكومة تشكيكاً يخدم «أجندة غير لبنانية» ومحاولة للتخريب الداخلي.
وفيما استوقف المصادر المطلعة الحملة على الحريري تارةً من هذه الزاوية وطوراً من باب الغمز من «تفاهمات سرية» عقدها في واشنطن بملف ترسيم الحدود البحرية وبت النزاع البري مع اسرائيل وسعيه لسحْب هذا الملف من يد رئيس البرلمان نبيه بري، رأتْ أن هذا التصويب المتوالي على رئيس الحكومة سواء كان في إطار أجندة خارجية أو من باب جعل الحريري في «وضعية دفاعية دائمة» ربْطاً بمسار العقوبات الأميركية وإمكان تَوَسُّعها لتشمل الحلفاء المسيحيين لـ«حزب الله» فهو يعكس الصعوبات التي تعترض الطريق الشاق أصلاً لتنفيذ الخطة الإنقاذية.
وإذ عكستْ جلسةُ مجلس الوزراء أمس بعضاً من ملامح الصراع السياسي الذي لن يستكين عبر تعيين حصة الحكومة في المجلس الدستوري وإقصاء مرشح «القوات اللبنانية» التي عبّرت عن «غضبةً» من غياب «الاخلاقيات السياسية»، استمرّت التحريات عن خلفيات المقاربة الجديدة لرئيس الجمهورية ميشال عون لمسألة الاستراتيجية الدفاعية (سلاح حزب الله) في ضوء كلامه عن «تبدُّل مقاييسها» ربْطاً بالتحولات في الجوار اللبناني، رغم معاودته تأكيد التزامه بحث هذا الملف على طاولة حوار وطني وبمناخٍ توافقي. وربطت بعض الدوائر بين كلام السفيرة الأميركية اليزابيت ريتشارد حول «اننا مؤمنون بقوة بالجيش اللبناني وآمل في أن يؤمن كل لبناني به أيضاً» وبين إحياء عنوان الاستراتيجية الدفاعية التي يُعتبر السعي لبلوغ تفاهم حولها يوصل إلى حصرية السلاح بيد الجيش من ركائز الدعم الدولي لـ«بلاد الأرز».
وجاء كلام ريتشارد خلال حضورها مناورة بالذخيرة الحيّة نفّذها الجيش في مجمع العاقورة العسكري وشاركتْ فيها القوات الجوية وأفواج المدفعية الأول والمدرعات الأول والمضاد للدروع، بحضور قائد الجيش العماد جوزف عون الذي لفت إلى «أنّ مستوى التدريب الذي ظهر خلال هذه المناورة يثبت جهوزية الجيش الدائمة لمواجهة كل التحدّيات التي قد يواجهها سواء على الحدود أم في الداخل».
وفي موازاة ذلك، تنشغل بيروت اليوم بزيارة وزير خارجية تركيا مولود جاويش اوغلو (وصل مساء أمس) الذي سيلتقي كبار المسؤولين في محطة تكتسب أهمية في توقيتها في غمرة التطورات المتسارعة في سورية.
وفي نيويورك، أكدت ممثلة لبنان الدائمة لدى الأمم المتحدة السفيرة أمل مدللي، خلال مناقشة لمجلس الأمن بعنوان «صون السلام والأمن الدوليين: تحديات الأمن والسلام في الشرق الأوسط» انه «على النقيض من التزام لبنان بالقرار 1701، تواصل إسرائيل انتهاكاتها اليومية للسيادة اللبنانية من دون عقاب، وقد اتخذت هذه الانتهاكات منعطفاً خطيراً، لأن إسرائيل تواصل استخدام المجال الجوي اللبناني للقيام بعمليات عسكرية ضد سورية، أحدثها وقعت في 1 يوليو، عندما خرقت 9 طائرات إسرائيلية السيادة اللبنانية لشن هجوم صاروخي على سورية».
الراي