عاشتْ بيروت أمس، «تحت تأثير» مناخٍ تفاؤلي مفاجئ أوحى بإمكان أن «تُجمِّد» وكالة «ستاندرد اند بورز» تصنيفَها للبنان عند درجة B- وإرجاء خفْضه إلى CCC+ وفق ما كان جرى ترجيحه في الأسابيع القليلة الماضية.
وفيما ستحمل الساعات القليلة المقبلة جواباً حاسِماً حول الخطوة التي ستُقْدِم عليها «ستاندر اند بورز»، فإنّ التأجيلَ المحتملَ لخفْض التصنيف سيعني واقعياً منْح بيروت «فترة سماح» لنحو 6 أشهر إضافية لترجمة التعهدات بالإصلاح وإثبات الجدية في استكمال المسار التأسيسي الذي جرى إرساؤه عبر موازنة 2019 ويفترض تثبيته في موازنة 2020 لناحية ضبْط العجز وتصحيح وضع المالية العامة ولجم الهدر وإلا عودة خطر الـ CCC+ الذي يعبّر عن ارتفاع مخاطر التخلّف عن السداد وعن البيئة غير الصالحة للاستثمار.
وجرى ربْطُ احتمالِ إعطاء لبنان «فرصةً أخيرة» لتصويب مساره المالي – الاقتصادي بالمباحثات التي أجراها رئيس الحكومة سعد الحريري في واشنطن وحملتْ عنوان حفظ استقرار «بلاد الأرز» وما يستدعيه ذلك من إبقاء «خط الفصل» بين الدولة و«حزب الله» في مسألة العقوبات ومن ترْك مجالٍ لـ«التقاط الأنفاس» مالياً عبر بدء ترجمة مقررات مؤتمر «سيدر» ووضْع «خريطة طريق» الإنقاذ التي جرى رسْم خطوطها العريضة في الاجتماع الرئاسي – الوزاري – المصرفي في قصر بعبداً (قبل 13 يوماً) الذي تزامن مع التسوية السياسية التي أنهتْ 40 يوماً من تعليق عمل الحكومة بسبب الحادث الدموي الذي وَقَعَ في منطقة البساتين – عاليه.
ورغم التقاء غالبية الأطراف في لبنان عند أولوية إعلان «حال طوارئ» اقتصادية – مالية لا مفرّ منها سواء خفضت «ستاندر اند بورز» تصنيفها أم أبقتْه على حاله وهو ما يفترض أن تؤشر إليه مناقشات مجلس الوزراء اليوم في قصر بيت الدين (الشوف)، فإن خشيةً بدأت تسود من أن تشهد فترة «المراوحة على حافة الهاوية» عمليات «شدّ حبال» حول أكثر من ملف بدأت ملامح «الاشتباك» تحوم فوقه. وأمكن في هذا الإطار رصْدُ المؤشراتِ الآتية:
* حرْص رئيس الجمهورية ميشال عون على تظهير إمساكه بمفاتيح الملف المالي – الاقتصادي الذي غالباً ما كان يُعتبر من «اختصاص» رئيس الحكومة سعد الحريري، وسط ترقُّب لما إذا كان هذا التطور ينطوي على ما هو ما أبعد من منافسة على «أبوّة» الخروج من المأزق بحيث يستثير حساسيات قديمة – جديدة ولا سيما بحال انجرّ فريق عون إلى تظهير أن «الإنقاذ» المالي يحصل وفق رؤيته الاقتصادية و«على أنقاض» التجربة الحريرية منذ 1992.
* ارتسام مَعالِم تجاذُب متعدد البُعد بين رئيس البرلمان نبيه بري ومن خلفه «حزب الله» وبين الرئيس الحريري على خلفية «الأمر لمَن» في إدارة ملف التفاوض (عبر الأمم المتحدة وبوساطة أميركية) حول ترسيم الحدود البحرية وبتّ النزاع البري مع اسرائيل، وهو التجاذب الذي خَرَج إلى العلن على خلفية محادثات رئيس الحكومة في واشنطن وكلامه العلني عن هذا الملف وربْطه ضمناً باستكمال تطبيق القرار 1701، قبل أن يتّهم تقرير في إحدى الصحف القريبة من «حزب الله» الحريري بـ«الحرتقة» على بري ومحاولته سحْب الملف من يد رئيس مجلس النواب، غامزاً من لقاءاتٍ سرّية زعَم أن رئيس الحكومة عقدها مع جون بولتون وجاريد كوشنر ومن التزاماتٍ من خارج التفاهم اللبناني على مقاربة الملف وقواعد التفاوض غير المباشر حوله.
ومما عَكس وجود تجاذُب فعلي في شأن هذا العنوان، قول بري أمام النواب الذين التقاهم أمس «ان ما ورد في بعض الصحف ليس مصدره هو وإن كان بعض الكلام يعبّر عن حقيقة في هذا الموضوع»، كما نقل عنه النائب علي بزي مؤكداً أن «بري مكلّف بالتفاوض في ملف الحدود البحرية وما زال مكلفاً».
* استمرار «الغبار» الذي أحدثه كلام الرئيس عون حول الاستراتيجية الدفاعية وتَبدُّل مقاييسها والذي اضطر الى تصويبه تحت وطأة ما يشبه «الاستنفار الديبلوماسي» الذي شهدته بيروت في محاولةٍ لسبر أغوار هذا الموقف (قبل تصحيح المقصود منه) الذي فُهم منه بدايةً أنه تَراجُع عن التعهّد ببحث هذه الاستراتيجية التي تُعنى بسلاح «حزب الله» على طاولة حوار وطني، وهو التعهد الذي يشكّل نقطة ارتكاز في مؤتمرات الدعم الدولية للبنان وفي مقدمها «سيدر».
وبعدما كان كلام عون قوبل داخلياً بمواقف معترضة على ما اعتبرتْه خروجاً عن التفاهمات وتسليماً بورقة ثمينة لـ«حزب الله»، فإن تجديد رئيس الجمهورية التزامه معاودة البحث في هذه الاستراتيجية «في مناخ توافقي» بدا أنه لم يبدد كل الالتباسات حيال مجمل مقاربة رئيس الجمهورية لهذا الملف بعدما رَبط عملياً سلاح «حزب الله» بالسلام في المنطقة كما بالمتغيرات في الجوار اللبناني داعياً إلى التعاطي مع موضوع الاستراتيجية الدفاعية بما يراعي هذه التطورات «وخصوصاً بعد دخول دول كبرى وتنظيمات إرهابية في الحروب التي شهدتها دول مجاورة عدة للبنان».
الراي