أجّلت السلطة المشاريع الإستثمارية من العام الحالي إلى أعوام لاحقة إضافة إلى التوقّف عن الدفع للشركات التي تُقدّم خدمات أو سلعاً للدولة. وما يحصل في موضوع المستشفيات ومع المقاولين ما هو إلّا مثال صغير عمّا يواجهه القطاع الخاص من خطر الإفلاس نتيجة وقف دفع الدولة مُستحقاتها المالية. في الواقع الإجراءات الإقتصادية التي قامت بها الحكومة في الموازنة هي إجراءات تذهب في عكس النموّ الإقتصادي وكل إنكماش سيُسجّله لبنان في نهاية هذا العام والعام المُقبل تتحمّل السلطة المسؤولية الكاملة عنه.
على الصعيد المالي، وقف المشاريع الإستثمارية ووقف الدّفع في الأشهر السبعة الأولى من هذا العام، أدّى إلى خفض الإنفاق إصطناعيًا، فمُستحقات الموردين هي ديون وبالتالي، سيكون الإنفاق العام المُقبل أعلى بكثير ممّا هو عليه هذا العام بحكم أنّ المبالغ تتراكم من الوقت. وهذا الأمر يطرح السؤال عمّا إذا كان في نيّة هذه السلطة وضع رزمة ضرائب جديدة في موازنة العام 2020 وكلنا نعلم مدى فشل الضرائب التي وضعتها هذه السلطة في العام 2017 بمواكبة إقرار سلسلة الرتب والرواتب.
على صعيد الكهرباء، على الرغم من المسرحيات الإعلامية، لم يتغيّر شيء إذ إنّ مساهمة الدولة في قطاع الكهرباء ما زالت على المستوى نفسه. 2700 مليار ليرة لبنانية من الهدر والفساد الواضح مقابل خدمة لا ترتقي إلى تسميتها خدمة، وهذا ما يُحمّل المواطن اللبناني عبء فاتورة المولدات الخاصة.
أمّا على الصعيد الإجتماعي، فالبطالة إلى إرتفاع مُستمرّ، وكل حديث عن خلق فرص عمل للبنانيين هو تضليل للرأي العام. هناك 30 ألف مُتخرّج من الجامعات في لبنان، وغياب الإستثمارات لا يستطيع تأمين فرص عمل لهم. في الواقع هناك 3000 فرصة عمل ناتجة عن التقاعد بالدرجة الأولى وعن بعض الشركات التي ما زالت تُراهن على لبنان وتقبل الإستثمار فيه. وماذا نقول عن الفقر الذي وبحسب أرقام البنك الدولي فاق الـ36% من سكان عكّار ويُمكن القول إنّ أكثر من 33% من الشعب اللبناني يعيش تحت عتبة الفقر.
خدماتيًا، لا يُمكن الحديث عن خدمات عامّة كما هو منصوص عليها في الكتب الإقتصادية والإجتماعية. فالطرقات مليئة بالجُوَرْ وغير مضاءة مع حوادث سير كل يوم تحصد حياة عشرات الشباب سنويًا. والمياه موجودة في كل مكان إلّا في حنفيات المنازل حيث لا نزال نتساءل كيف أنّ بلد المياه لا مياهَ في منازله!
أمّا على صعيد التلوّث فحدّث ولا حرج. النفايات تُطمر في البحر وفي الأنهر وتُلوّث المياه الجوفية والهواء والتربة وتُسبّب أمراضاً سرطانية للمواطن إذ يكفي رؤية عدد الإصابات بمرض السرطان في بر الياس في البقاع لمعرفة أنّ 5% من عدد سكانها مُصابون بالسرطان! والمرور في مناطق المكبات أي برج حمّود والكوستا برافا، يُشير الى أننا في مناطق منكوبة بيئيًا.
جبال لبنان التي تغنّى بها وديع الصافي وسعيد عقل وغيرهما أصبحت مطمورة بالنفايات ما يُلوّث الينابيع ويُشكّل خطرًا على صحّة المواطن. ولا يُمكن نسيان الخطر الذي تُشكّله خطوط التوتّر العالي التي تمتدّ فوق رؤوس المواطنين في المنصورية وغيرها على رغم أنف المواطنين.
دراسة حديثة أظهرت أنّ كلفة التلوّث البيئي على لبنان تبلغ الـ 1.45 مليار دولار أميركي، وإذا ما أردنا إزالة قسم من هذا التلوّث فإنّ الفاتورة ترتفع إلى 6 مليارات دولار أميركي. أين وزارة البيئة من تطبيق قانون حماية البيئة (رقم 444) الذي يشترط إجراء دراسة بيئية قبل القيام بأيّ مشروع والإستحصال على موافقة وزارة البيئة؟ هل وافقت وزارة البيئة على كسّارات عين دارة؟
حتى إنّ العدوّ الإسرائيلي يعتقد، كما أوردته صحيفة هاآرتس، أنه لا حاجة للقيام بحرب على لبنان إذ إنه يتّجه نحو الإنهيار من الداخل (Implosion) الإقتصادي والمالي والإجتماعي والبيئي.
الوضع المالي مُتردٍّ والسبب يعود بالدرجة الأولى إلى الفساد المُستشري. فالتهريب الجمركي على مرفأ بيروت (70% من تجارة لبنان مع العالم) يُخسّر الدولة أكثر من مليار دولار أميركي سنويًا. وكل يوم هناك فضائح يُطلعنا عليها الإعلام والدولة لا تُحرّك ساكنًا. المناقصات العامّة لا ترتقي حتى لتسميتها مناقصات عامّة ونحن الذين طالبنا أن تمرّ كل مناقصات الدولة بإدارة المُناقصات، لكن الظاهر أنّ الإتفاق بالتراضي هو سيّد الموقف والمال العام مُستباح.
ما نراه على وسائل الإعلام هو تغطية «توتيرية» لتصاريح الوزراء والنواب وهجومهم على بعضهم البعض ليتحوّل بذلك الوزير من وزير يرعى شؤون المواطنين إلى مدير حساب «تويتري». هل يُعقل أن تتعطّل الحكومة وتتوقف عن الإجتماع لإدراة شؤون المواطنين بغض النظر عن السبب وإذا كان مُحقاً أو لا؟ لقد أصبحت الدولة اللبنانية تُدار على منصات التواصل الإجتماعي وهذا الأمر لا يُبشّر بالخير.
وإذا كان منطقياً القول إنّ الفساد والهدر والوصول إلى هشاشة الدولة هو نتاج تراكم أزمات دون خطط وإستراتيجيات وتدوير زوايا، إلّا أنه من غير المنطقي بعد التسويات التي حصلت والتي أتت بالأكثرية النيابية والوزارية الموجودة اليوم في السلطة، والوعود بمحاربة الفساد أن لا نرى أيَّ مسؤول يُحاسَب! نعم من غير المقبول أن يُحارَب الفساد على قاعدة «كل حالة على حدة»! ومن غير المقبول أن يُعَطَل البلد من أجل تصفية حسابات بين أحزاب السلطة! ويبقى الأهمّ أنه من غير المقبول ألّا تقدّم السلطة إستراتيجية واضحة للنهوض بالدولة!
إنّ الإستمرار على هذا النحو في إدارة شؤون الدولة سيؤدّي حتمًا إلى نتائج غير محمودة خصوصًا على الصعد الإقتصادية، والمالية والإجتماعية والبيئية. من هذا المُنطلق نطرح السؤال: ألم يحن الوقت لإجراء إنتخابات نيابية جديدة للإتيان بسلطة قادرة على إدارة شؤون الدولة اللبنانية؟