ليست الصورة وردية، كما يتمنّاها كل اللبنانيين، لكنها في الوقت نفسه، ليست قاتمة أو ميؤوساً منها. فلدينا الإمكانات والقدرات للانتقال بهذه الصورة، في فترة زمنية قصيرة، الى واحة الإنفراج والانتعاش. بهذه الخلاصة، يشخّص وزير المال علي حسن خليل حقيقة الوضع الاقتصادي والمالي في لبنان. فالعلاج في رأيه موجود؛ بالتأكيد ليس بجرعات مسكّنة بين حين وآخر، تُبقي على المرض وأسباب استفحاله، وليس في انتظار احد من الخارج، ايًّا كان هذا الخارج، لكي يمدّ لنا انابيب الحياة، بل في الثبات على السكة السليمة. ولعلّ موازنة عام 2019 هي الخطوة الأولى في الاتجاه الصحيح، ووضعت ما يمكن اعتباره اللبنة الاولى لبناء جدار التحصين الاقتصادي المطلوب، والرهان الأكبر يبقى على موازنة عام 2020 للتقدّم خطوات اضافية ونوعيّة على هذا الطريق. وبمعزل عن تصنيفات وتقارير الوكالات الخارجية، فلبنان في وضع صعب، ولكنه ليس بلداً مفلساً، ولا خوف على الليرة، على ما تروّج بعض «الغرف السوداء»، لإثارة البلبلة والقلق عند الناس. فللبنان خصوصيته، ويختلف عن كل دول العالم، فلا هو قبرص ولا هو اليونان، ولا هو على الطريق المؤدية الى اي منهما، بل على العكس ما زلنا بخير، ونصبح بخير اكثر اذا ما مضينا في الاستفادة من الفرصة الإنقاذية المتاحة لنا حالياً. ُيدرك وزير المال الصعوبات الموجودة، فلا يمكن تجاهلها او القفز فوقها او الاختباء خلف الاصبع او دفن الرؤوس في الرمال، هو يعرف أنّ مهمته ليست سهلة، وتتطلب نفساً طويلاً، وسهراً وعملاً وتعباً، ومقاربات نوعية وعلمية، لانّ مشوار العلاج طويل، وليس بين ليلة وضحاها. فالمهم هو ان نخطو الخطوة الاولى في هذا التحدّي الكبير الذي يقود الى فسحة الفرج في آخر النفق. لكنه يدرك ايضاً، انّه لا يستطيع ان يصفّق وحيداً، بل انّ المسؤولية هي مسؤولية مشتركة بين الجميع من دون استثناء، فكل مكونات البلد، في مركب واحد، ومحكومون بتوفير عناصر نجاته من الغرق بعيداً من الاستعراضات والمزايدات والشعارات الشعبوية؛ صحيح انّ الأزمة اقتصادية وخانقة، حالنا كحال الكثير من دول العالم، الّا انّ تفاقم أزمتنا، دائماً ما تكون اسبابه سياسية، او نتيجة لخلافات أهل السياسة؛ فالسياسة هي مفتاح الحل وقفله في آن معاً، والاستقرار المطلوب هو وصفة العلاج الاولى، وبقاء الوضع السياسي على ما هو عليه من تباينات ومناكفات وانقسامات وتعطيل للسلطات، سيبقي اقتصادنا وماليتنا عرضة للتراجعات والانتكاسات. فالمطلوب فقط وقبل اي امر آخر، توفير عنصر الأمان السياسي للوضع الاقتصادي، وعندما يتوافر ذلك فسيحلّ نصف المشكلة إن لم يكن اكثر. اما النصف الآخر، فيتطلب الإرادة الجدّية والصادقة لإحداث صدمة يحتاج اليها البلد اكثر من اي وقت مضى، لحماية المال العام، والمكافحة الجادة والحازمة للفساد، واستعادة الدولة بما تعنيه هذه الكلمة، وكذلك استعادة ثقة المواطن بها.
التقت “الجمهورية” وزير المال علي حسن خليل وأجرت معه الحوار الآتي:
* كيف تقيّم موازنة 2019 ؟
– هذه الموازنة لم تأتِ من فراغ، بل كانت نتاج نقاش طويل مع القوى السياسية والكتل النيابية كافة، وقُدّمت في موعدها الدستوري، أي قبل نهاية شهر آب 2018، لكن الظروف السياسية التي مرّت بها البلاد وأخّرت تشكيل الحكومة، أدّت الى تأجيل النقاش فيها، ما أفقدها جدواها.
لذلك اتخذت اجراء، رغم بعض الملاحظات الدستورية عليه، يقضي بمنع الانفاق، ومنع عقد النفقات في الوزارات المختلفة حتّى لا يصبح نقاش الموازنة غير ذي جدوى، وغير ذي معنى، فلو تمّ نقاش الموازنة، وكان الإنفاق قائماً بطريقة عادية، لكنّا أمام موازنة أُنفق معظمها، وبالتالي لا جدوى فيها ولا في أي نقاش حول تخفيض الإنفاق.
* ماذا عن مضمون الموازنة اليوم؟
– نستطيع ان نقول بكل صراحة، إننا اليوم، أمام موازنة ابتعدت كل البعد عن التِهم التي أُلصقت بها؛ من تخفيض للرواتب والأجور، ومن فرض ضرائب جديدة، ومن استهداف للأجهزة العسكرية والجيش والمتقاعدين، بل على العكس من ذلك، تبيّن أنّ كل هذه الإجراءات لم تقترحها أصلاً وزارة المالية، وبالتالي لم يحصل ذلك، ولم تصدُق أي من تلك التهم.
* هل انت راضٍ فعلا عن هذه الموازنة؟
– أعتقد أننا اليوم أنجزنا الأرقام، وتأكّدنا أننا أمام عجز مقبول، مقتنعين به كوزارة مالية، يلبّي المتطلبات والأهداف المرسومة مع المؤسسات الدولية، والهيئات المانحة، ويفتح المجال لبدء معالجة الوضع المالي.
* ماذا عن الخطوات الاصلاحية؟
– أرسينا في هذه الموازنة مساراً لتخفيض العجز، بصرف النظر عن قيمته. وأرسينا قدرة الدولة على ضبط الإنفاق والحدّ منه، تحديداً الإنفاق غير المجدي. وبدأنا الخطوات التي تصيب كل المكامن التي تشكّل خللاً في تركيبة هذه الموازنة، وأبرزها تخفيض عجز الكهرباء بنسبة محدودة، لكنّه جزء من مسار سيتوسّع عام 2020 ليصل الى صفر عام 2021، لأنّ عجز الكهرباء ما زال الثغرة، او بمعنى أدق الثقب الأكبر في هذه الموازنة، كونه يصل الى حدود 32 % من مجمل العجز، صحيح أنّ قيمته 11 % من حجم الموازنة، لكنه كعجز يصل الى 32 %، وكل المؤسسات الدولية التي نتواصل معها، ترى أننا اذا لم نصل الى مرحلة ننهي فيها عجز الكهرباء فلن نتمكن من تصحيح مسارنا.
وإضافة الى الكهرباء، بدأنا التصويب على الأماكن المنتفخة في الادارة، والرواتب غير المشروعة التي تتفاقم نتيجة تعويضات وإضافات ليست مبررة، مكّنت جزءاً من الجسم الوظيفي العام في الدولة من الاستفادة على حساب ذوي الشرائح الوسطى والدنيا.
وفي موازاة كل ذلك، وضعت الموازنة قاعدة لإعادة البناء الوظيفي الشامل في البلاد، والمسح الشامل يجعلنا ننتقل الى مرحلة الدولة الأكثر حداثة، والأكثر قدرة على مواكبة التطوّر والاعتماد على الوسائل العلمية في الادارة، كي تهيئ الدولة نفسها لمرحلة الحكومة الالكترونية، فالدول المحيطة خطت خطوات جدّية لبدء الحكومة الالكترونية، ونحن لا نزال نتعثّر في هذه الخطوات، اليوم نحن في هذا التوجّه والعمل الجدّي قد بدأ.
* هل تعتقد أنّ الناس اقتنعت بهذه الموازنة؟
ـ موازنة الـ 2019 لا تعبّر عن طموحنا، لكنها تعبّر عن قناعة واقعية بأننا خطونا خطوة نحو الإصلاح الحقيقي، تضعنا على مسار تصحيح الوضع المالي والدولة ومؤسساتها، وفتحت الباب أمام معالجة الثغرات الكبيرة في واقعنا الاقتصادي، المتمثّل بمشهد بسيط هو العجز الهائل في الميزان التجاري، إذ أننا نستورد بقيمة 20 ملياراً ونصدّر فقط بقيمة 3 مليارات و300 مليون دولار في أحسن الأحوال. لذلك تراجع ميزان المدفوعات الى حدّ كبير وارتفع عجزه، وهذا يشكّل ضغطاً على استقرارنا النقدي من جهة، وعلى وضع المالية العامة من جهة أخرى، وبناءً على كل ذلك صار بإمكاننا الانتقال الى واقع أسلم عام 2020 .
* أُخذ على موازنة 2019 أنّها رقمية وتفتقد الى الرؤية الاقتصادية.
– لا أؤيّد هذه النظرية، لأنّ الموازنة لا يمكنها أن تختصر كل سياسات الدولة، الرؤية الاقتصادية تتطلب من الحكومة في أولى جلساتها أن تضع الدراسة التي أعدّتها “ماكينزي” على طاولة البحث في مجلس الوزراء، لنناقش خطة الاصلاح الاقتصادي التي تستوجب تحديد نظرة الدولة الاقتصادية، هل نريد أن تكون دولة استهلاكية فقط، أم نريدها انتاجية؟
تحدث الجميع في جلسات الموازنة عن رؤية اقتصادية، لكن أساس الموازنة أن تعكس واردات الدولة ونفقاتها ونظرتها للقطاعات المختلفة وكيفية ادارتها. ولكن في الواقع حين تكون أرقام موازنتنا موزّعة على 35 % رواتب، و35 % خدمة دين، و11 % خدمة كهرباء، و8 % نفقات استثمارية، فلا يمكنك أن تتحدّث عن نشاط اقتصادي في البلاد بـ8 % نفقات استثمارية، وبالتالي هنا تكمن أهمية ضخّ الأموال بمشاريع استثمارية كبيرة مثل “سيدر” أو من خلال القروض والهبات والتمويل الميسّر لعدد من المشاريع.
* هل بدأ إعداد موازنة 2020؟
– وزارة المال، خلال الساعات الـ 24 المقبلة تكون قد أنجزت مناقشة أرقام موازنة 2020، كما بدأنا وضع مسوّدات المواد القانونية، والتوجّهات الاقتصادية والمالية والنقدية، وانا كوزير مالية اؤكّد التزام تقديم هذه الموازنة الى مجلس الوزراء قبل نهاية آب المقبل، أي ضمن المهلة الدستورية ليتسنى لنا مناقشتها في مجلس الوزراء، وقد أخذت التزاماً مباشراً من رئيس الحكومة سعد الحريري أن يكثّف الجلسات الحكومية، لإقرارها قبل بداية شهر تشرين الأول، كي نستقبل العام المقبل، للمرة الأولى منذ سنوات بعيدة، بالتزام المواعيد الدستورية لتقديم الموازنة.
* تتحدّث عن بدء مسار التصحيح، فهل نملك ترف الوقت كي نبدأ الاصلاحات في الاعوام المقبلة؟
– لنكن واضحين، لبنان ليس مفلساً، التحدّي الأكبر أمامنا هو رفع نسبة النمو، وهو الشرط الرئيسي لمعالجة الوضع المالي. اليوم بنينا موازنتنا على تقدير للنمو بنسبة 1.2%، ورغم أنّ التقديرات في الأشهر الأولى من السنة ليست مشجعة، لكنّ فرصة تعديل هذه النسبة في أشهر الصيف وفي الفترة الزمنية الممتدة من الآن حتى رأس السنة ما زالت متاحة، خصوصاً اذا استمر الاستقرار الأمني والسياسي، وتمكنّا من جذب نسبة كبيرة من السياح واللبنانيين المغتربين.
صحيح أننا في ظلّ أزمة كبيرة، لكنّ أبواب الاصلاح لم تُقفل بعد، مؤشرات العجز في الأشهر الخمسة الأولى من العام حسب تقاريرنا مشجعة، وتؤكّد أنّ العجز انخفض بنسبة 400 مليون دولار، لكن هذا لا يكفي، بل هو ليس الحلّ الأنسب، لأننا مضطرون للقيام بالاصلاحات في قطاع الكهرباء، كما ذكرت، وتضخّم سلة الرواتب، كما معالجة خدمة الدين.
* كيف؟
– رغم تشكيك البعض، ما زلت مؤمناً ومقتنعاً بأننا كوزارة مال وبالتعاون مع مصرف لبنان سنتمكن من تأمين الوفر الذي يقارب 750 مليار ليرة لخدمة الدين هذه السنة من خلال الاصدارات بفوائد منخفضة، أو من خلال أدوات أخرى مكمّلة، لا تزال قيد المناقشة مع المصرف المركزي، وسنصل اليها في هذا الوقت الفاصل من الآن وحتى نهاية العام. وأنا مقتنع، أننا ببعض الجدية والتزام تخفيض النفقات وبتفعيل الجهد لتحقيق الايرادات التي وضعناها كأهداف في الموازنة، سنتمكن من المحافظة على نسبة العجز المطلوبة التي حدّدناها في هذه الموازنة.
أما عن ضبط الإنفاق فسنلتزمه أيضاً، يبقى تقدير الواردات وهي خاضعة بشكل أساسي لآليات التنفيذ التي يجب أن تكون سريعة، لأننا خسرنا شهراً من 6 أشهر، ونتمنى ألا تستمر الأزمة الحكومية القائمة كي نتمكن من تحقيق الواردات التي وضعناها.
* فلنشرح للناس قصة الأربعة أشهر، ولماذا التراجع في مقياس الواردات؟
– الواردات باستثناء ضريبة الدخل تراجعت، هذا صحيح، والسبب هو ضياع الأشهر الأولى بسبب عدم تشكيل الحكومة. أضف أنّ المؤشرات لم تكن مؤشرات انفراج، لذلك الواردات لم تنفرج، وبالتالي الاستهلاك تراجع، وحين يتراجع الاستهلاك تتأثر باقي القطاعات، فيتراجع الاستيراد وواردات الضريبة على القيمة المضافة (Tva)، لذلك لا أستغرب هذا الأمر، وكان ضمن حساباتنا.
* اذا، كيف تمّ توفير الـ 13 % من فوائد الديون الداخلية؟
– الفوائد لا تتوزع بالتساوي بين الأشهر، وبالتالي هذا ليس مقياساً، الفوائد هي على مقياس الكلفة في العام كاملاً.
* لكن الدولة تعمل في الكتلة النقدية نفسها؟
– طبعا، ولكن علينا ألا ننسى أننا وفّرنا هذا العام 250 ملياراً في عجز الكهرباء، واذا سارت الخطة كما هو مرسوم لها، فسنكون عام 2020 أمام انخفاض للعجز بقيمة ألف مليار ليرة لبنانية.
* يفهم من كلامك انّ موازنة الـ 2020 طموحة؟
– يجب أن نستمر في المسار عينه، كي نصل الى تخفيص أكبر للدين وتحريك أسرع لعجلة الاقتصاد، لأننا اذا أصبحنا اليوم بمستوى نمو 1.5 في المئة و2 في المئة، فهذا الأمر كان متوقعاً، والتجارب أثبتت أنّ لبنان قادر على دفع عجلة الاقتصاد بسرعة الى الأمام.
* تقول إنك مطمئن للوضع الاقتصادي، فيما التصنيفات الدولية الأخطر ستصدر قريباً، هل لديك معلومات في هذا الاطار؟
– لا أحد يمكنه أن يتوقّع أو يضبط ما يمكن أن يصدر عن مؤسسات التصنيف الدولي، نحن في انتظار تقرير الـ s&p (ستاندرد أند بورز)، الذي يفترض أن يصدر في 23 آب المقبل، وسيكون محطة مفصلية للبنان، نأمل أن يأخذ إنجاز الموازنة في الاعتبار، والخطوات الحكومية المكملة لها، كذلك النتائج التي يمكن تحقيقها على صعيد خدمة الدين والاصدارات الجديدة، أو على صعيد المراسيم التنفيذية والتطبيقية للموازنة.
أذكّر بأنّ هناك خلية تعمل بشكل جدي بين وزارة المال ومصرف لبنان ورئاسة الحكومة للتعامل مع مؤسسات التصنيف. وعلى الرغم من أنّ أرقام موازنة 2019 شكلت عاملاً إيجابياً ومؤثّراً، الّا أنها تعتبر “خطوة” نحو الأمام، لا يمكن أن يقاس مستقبل بلد على موازنة واحدة، أقرّت في ظروف استثنائية، وبعد 6 أشهر من انقضاء العام والتحديات التي مرت فيها البلاد، ووضع المنطقة وانعكاسه على الدخل.
* يقال اننا على شفير الافلاس، فهل يكون مصيرنا كاليونان؟
– لبنان ليس كاليونان، قطاعنا المصرفي متين وصلب، وحيوي ومؤثّر في اقتصادنا وماليتنا، ولدينا احتياط مقبول في البنك المركزي، إضافة الى الارادة الجدية الموجودة للقيام بخطوات اصلاحية. لذلك أنا مطمئن، الّا أنّ المسألة ليست سهلة، لكنني مؤمن أنه ومع قليل من الجدية يمكننا أن نحدث فرقاً شاسعاً، ونحن حريصون على أن نحقق هذا الفرق.
في المعطيات الرقمية، ورغم ارتفاع الفوائد لم يصل مستوى فوائد ديننا الى 7 في المئة، بالمقارنة مع الدول التي صنفت مثلنا كدولة ناشئة، فنحن لا نزال متقدمين عنها، وهذا مؤشر لا يمكن تجاهله.
* تقول انك مطمئن؟
– باختصار، لبنان لا يزال بإمكانه الخروج من أزمته، شرط ان تكون هناك إرادة سياسية جدية تواكب الخطوات الاقتصادية المقترحة.
* في الحديث عن الارادة السياسية، ألم يكن مُحرجاً لك، كوزير تمثّل طرفاً سياسياً فاعلاً، أن تقول انه لا يمكننا إقفال المعابر الـ136؟
– بصراحة، قلت انه بإمكاننا اقفالها، لا يصحّ اليوم بوجود 130 ألف عنصر من جيشنا وأجهزتنا الأمنية أن نكون غير قادرين على اتخاذ اجراءات لإقفال هذه المعابر، لاسيما أنّ قوانا العسكرية تغلبت على الارهاب، وضبط الحدود ونالت إعجاب دول العالم، وبالتالي لا يجوز أن نسمح للمصالح الشخصية بأن تعطّل اقفال هذه المعابر، وتمعن بطريقة أو بأخرى في ضرب اقتصادنا وماليتنا.
* هل ثمة إجراء يمكن ان تقدمون عليه؟
– أقول لك الآن، انني سأطلب في أول جلسة لمجلس الوزراء وضع خطة زمنية واضحة من شأنها إقفال هذا الملف، وهناك تصوّر جدي لمجموعة من الخطوات تمكننا من أن نصل في هذا الملف الى حدوده الدنيا، فلا أحد يمكنه أن ينهي ظاهرة التهريب بشكل كامل، إلا أنّه من غير المسموح أن تكون المسألة مفضوحة بهذا الشكل القائم في لبنان، المنظومة الكاملة للاقتصاد مهددة.
* تضعون الكرة في ملعب القوى الأمنية، في حين نعلم أنّ أحداً لا يمكنه القيام بهكذا أعمال اذا لم يكن محمياً بقرار سياسي؟
– في المعلن لا أحد يملك الجرأة لتغطية هذه الأعمال، لذلك علينا القيام بواجباتنا، لذلك أدعو الى إجراءات تنفيذية لاقفال هذه المعابر.
* كيف تقرأ حركة العسكريين والكلام العالي النبرة، هل هم مظلومون؟
– قيل انّ هناك ضريبة فرضت على رواتب العسكريين المتقاعدين، لكن الحقيقة أنّ الضريبة فرضت على رواتب التقاعد لكل الموظفين في القطاع العام. ولنكن حاسمين للمرة الأخيرة كل ما طرح في الاعلام، والشعارات التي رفعها العسكريون هدفها التشويش على مسألة غير واقعية على الاطلاق.
العسكريون لا يطالهم الحسم ولا الضرائب أبداً، من رتبة جندي الى رتبة ملازم لن يدفعوا ليرة على الاطلاق، وهذا واضح لأنّ كل عسكري لا يتخطى مدخوله الـ 3 ملايين ليرة لا يدفع ضريبة أبداً أبداً.
أمّا العميد الذي يتقاضى راتباً قدره 6700 ألف ليرة، فإنّ ضريبته هي 83 ألف ليرة، هذا جلّ ما في الأمر.
* لماذا لم تساهموا أنتم أيضاً كوزراء ونواب بضريبة على رواتبكم؟
– أنا طرحت تخفيض رواتب السلطات العامة الى 50 في المئة، لكن لجنة المال والهيئة العامة عدّلتها، وأنا مقتنع بوجوب أن يساهم السياسيون قبل غيرهم. لذلك استحدثنا أحد البنود الاصلاحية في الموازنة، وهي وضع سقف للرواتب المرتفعة، ومنع الازدواجية ووضع ضريبة على الشطر الأعلى.
* هل ترى فعلاً أنّ سلسلة الرتب والرواتب ساهمت في الأزمة الاقتصادية؟
– من الطبيعي أن تكون سلسلة الرتب والرواتب قد رتّبت أعباء كبيرة. في المقابل، ليس صحيحاً أنه لم يكن هناك تقدير دقيق للواردات، لكن يجب ألا ننسى أنّ هناك طعناً حصل في المجلس الدستوري في 3 مواد من الواردات التي أقرّت، الأمر الذي أدى الى عدم تحقيقها. وما ترك أثراً كبيراً هو الزيادة غير الطبيعية على “التقاعد المبكر”، لأنه لدى صدور السلسلة ارتفع عدد المتقاعدين خلال عام واحد الى 3 أضعاف، وبالتالي ارتفعت تعويضات نهاية الخدمة من 350 مليار ليرة في السنة الى 1015 ملياراً، ورتّب التقاعد علينا عبئاً إضافياً، لأنّه لم يأخذ اقتراحنا بتجميد التقاعد المبكر في الاعتبار، لكنه عاد وأقرّ الآن، هذه إحدى “القنابل” الكبيرة التي تركت أثراً سلبياً على السلسلة.
* ماذا عن وضع الليرة؟ وماذا يقول صندوق النقد الدولي في هذا الإطار؟
– في نقاشنا مع صندوق النقد، لم يطرح وقف دعم الليرة وتحريرها على الاطلاق. في لبنان لم يطرح هذا الأمر، ولم يقارب لا من قريب ولا من بعيد، والدولة اللبنانية ملتزمة بشكل حاسم وفي البيان الوزاري بحكومتها، وبتوجيهات وزارة المال الحفاظ على استقرار سعر صرف الليرة. أنا أطمئن اللبنانيين انّ الليرة بخير.
* ماذا عن الودائع في المصارف، نحن البلد شبه الوحيد الذي يستدين من نفسه؟
– ليس بالضرورة أن يكون ذلك نقطة ضعف، بل يجب أن تكون نقطة قوة، وهذا يجعل الالتزامات والأعباء أقل، وأكيد لا مشكلة على الاطلاق في الحفاظ على ودائع اللبنانيين في المصارف. وأؤكد لكم انّ لبنان لم يتخلّف تاريخياً، ولن يتخلّف حالياً، عن الالتزام بتسديد مستحقاته. نحن من الدول القليلة التي لم تتخلف يوماً عن تسديد سنداتها، وحتى تاريخه نحن ندفع سنداتنا بالعملات الأجنبية واللبنانية بشكل طبيعي ولا نواجه أيّ مشكلة في هذا الموضوع إطلاقاً.
* هل تطمئن أصحاب الودائع في المصارف؟
– لا خوف، ولا قلق، على ودائع اللبنانيين في المصارف.
* ماذا عن ضريبة 3 في المئة؟ الناس يعتبرونها ضريبة كبيرة!
– كنت مقتنعاً بأنّ الرسم الأمثل هو الرسم النوعي على البضائع التي تنتج محلياً أو يمكن انتاجها محلياً، وبذلك نقوم بحماية الصناعة اللبنانية والزراعة ما يساهم في تخفيض العجز في الميزان التجاري، وتكون أعباؤها على الناس أقل، لكننا أصبحنا بعد النقاش أمام واقع تمّ تلطيفه الى أقصى درجات ممكنة بطريقة لا يؤثر على المواطنين. انّ ضريبة الـ 3 في المئة ذات جدوى في تأمين الواردات للخزينة، ولن تمس بالطبقة الفقيرة والمتوسطة لأنها لا تطال السلع التي فرضت عليها tva، والبنزين وكافة المواد الأولوية والزراعية والصناعية. وبالتالي، نحن أمام رسم مؤقت لمرحلة انتقالية، ولا يصيب السلع الأساسية والضرورية للناس، ويخدم تأمين الايرادات.
* لننتقل الى السياسة، ماذا عن حادثة قبرشمون وتداعياتها، وما هو الحلّ للأزمة الحكومية؟
– القاعدة الأساس أن ننظّم حياتنا السياسية بطريقة تبقي الخلافات منضبطة، ضمن إطار المؤسسات الدستورية. واذا لم نتمكن من الوصول الى هنا سنبقى رهن الأزمات المتراكمة.
أبشع دليل هو الحادثة المؤسفة التي خسرنا جميعنا من خلالها، لذلك دعَوْنا من اليوم الأول الى أن يأخذ القضاء مجراه والمعالجة السياسية دورها، لكن ويا للأسف بدل أن نركّز جهودنا على هذه المسارات، تعطّل عمل مجلس الوزراء. والتأخير بانعقاده يؤدي الى تراكم الملفات ما يترك أثراً على ثقة الناس في الدولة والمؤسسات، وعلى مجمل المسارات الاقتصادية والمالية ومصالح الناس، فيما الأطراف السياسية المعنية ترفع السقوف في السياسة والقضاء، وهذه التصرفات غير مبررة، لذلك أدعو الى العودة الى طرح رئيس مجلس النواب نبيه برّي، بأن يأخذ القضاء مجراه، ويؤدي الأمن دوره في ضبط الوضع، والأهم العمل على تعزيز العلاقات الداخلية بين الطائفة الواحدة وبين الطوائف المختلفة، لأنّ الأولوية هي الحفاظ على الوحدة الوطنية، والتجارب أثبتت أن لا أحد يقدر على إلغاء الآخر، أو مصادرة دوره، باختصار لا كبير في البلد سوى البلد نفسه.
الجمهورية