استهل النائب أنور الخليل كلمته في جلسة مناقشة الموازنة العامة في مجلس النواب بعرضه ثلاثة مؤشرات في الموازنة معتبرا أنها “لا تزال تشكل إستنزافا وأزمة حقيقية على الوضع المالي في موازنة 2019 وهي حسب أهميتها: حجم الرواتب ولواحقها، كلفة الدين العام ودعم مؤسسة كهرباء لبنان وتبلغ 394 20 مليار ل ل تمثل 79.89 % من مجموع النفقات المرتقبة و 105.4 % من مجموع الإيرادات كما هي مبينة أدناه:
العناصر الأساسية المؤثرة على مالية الدولة القيم بمليارات الليرات نسبتها إلى مجموع النفقات نسبتها إلى مجموع الواردات
حجم الرواتب ولواحقها وتعويضات نهاية الخدمة ومعاشات التقاعد..582 9 37.5 % 49.5 %
كلفة الدين العام 312 8 32.5 % 43 %
دعم مؤسسة كهرباء لبنان 500 2 9.8 % 12.9 %
المجموع 394 20 79.89 % 105.4 %
ورأى الخليل أن “العشرين بالمئة من الموازنة لا يجوز أن تأخذ كل هذا الوقت، وأنا سأركز في مداخلتي على بعض الأسس العامة دون الدخول في تفاصيل الأرقام والمقارنات كما كنت أفعل سابقا. أقول بالعودة إلى كنف الدستور، لأنها المرة الثالثة التي يقدم مشروع الموازنة فيها بعد انقضاء أكثر من سبعة أشهر عن المهلة الدستورية المحددة لتقديمه، فلا يتاح الوقت الكافي لدراسته، والمحدد دستوريا بما بين شهرين ونصف على الأقل، وثلاثة أشهر ونصف على الأكثر، وأقول بالعودة إلى الدستور، لأنها المرة الثالثة التي يكافأ فيها المخالف لأحكام القوانين الضريبية ويظلم الملتزم بأحكامها، فالإعفاءات من الغرامات سمة موازناتنا منذ أن عدنا إلى نظام الموازنة في العام 2017، ومع ذلك نعيد تكرارها مع عبارة “خلافا لأي نص آخر، وبصورة استثنائية، ولمرة واحدة فقط”، فإذا بالمرة الواحدة تصبح اثنتين وثلاثا ولا ندري إلى أي مرة سنصل، وإذا بمبدأ المساواة في تحمل التكاليف العامة الذي كفله الدستور يطعن في الصميم. فمتى سنكف عن التشريع لمصلحة المخالف ولتشجيعه على التمادي في ارتكاب المخالفة؟ وأنا هنا أريد أن نقسم بعد عبارة “ولمرة واحدة وبصورة إستثنائية”: والله العظيم، والله العظيم، والله العظيم”.
اضاف: “أقول بالعودة إلى الدستور، لأذكر بأن ما يجب أن تمتاز القوانين به، ولا سيما الضريبية منها، هو الشمولية والعمومية والمساواة، فإذا بالتشريع يصبح بناء على الطلب كما ورد في أكثر من مكان في الأسباب التبريرية للنصوص التي أدرجت في مشروع قانون الموازنة. وأقول بالعودة إلى الدستور، لأذكر بمضمون المادة 87 التي توجب على الحكومة تقديم حسابات مالية سنوية يعتبر إقرارها قيدا دستوريا على نشر قانون الموازنة بعد تصديقه من السلطة التشريعية”.
وتابع: “أقول بالعودة إلى القانون، لأثني على ما ورد في تقرير لجنة المال والموازنة الذي تلاه رئيسها باسمنا جميعا، من أن حشر أكثر من 86 مادة في مشروع قانون الموازنة يخالف أحكام المادة الخامسة من قانون المحاسبة العمومية التي حددت مضمون قانون الموازنة فنصت على ما يلي:
“قانون الموازنة هو النص المتضمن إقرار السلطة التشريعية لمشروع الموازنة.
يحتوي هذا القانون على أحكام أساسية تقضي بتقدير النفقات والواردات، وإجازة الجباية، وفتح الاعتمادات اللازمة للانفاق، وعلى أحكام خاصة تقتصر على ما له علاقة مباشرة بتنفيذ الموازنة”.
فإذا بمشروع قانون موازنة العام 2019 يصبح مجالا للتشريع في جميع المجالات دون ترابط وانسجام مع النصوص النافذة في معظم الأحيان، وإذا بالحكومة ترى في مناسبة تقديم هذا المشروع إلى المجلس النيابي فرصة لتمرير نصوص لا تمت إلى الموازنة وتنفيذها بأية صلة. وأقول بالعودة إلى القانون لنخرج من أعراف وممارسات جرى التمادي في اتباعها خلال الفترة الماضية لدرجة خيل للبعض أنها الأصل وأنها المرجع على صعيد المالية العامة”.
واردف: “لقد استبشرت خيرا عند مناقشة وإقرار موازنة العام 2018 من لحظ قانون برنامج، (بالرغم من عدم قانونية لحظه)، يرمي إلى تخصيص اعتماد بقيمة /750/ مليار ليرة لتشييد أبنية للادارات العامة (منها 3 مليار ليرة لبناء مجمع حكومي في حاصبيا) وكنت آمل في حينه أن يتاح لمنطقتي العزيزة حاصبيا أن تنعم بتشييد سراي حكومي فيها على أرض قدمتها البلدية هبة من أجل إتمام هذا المشروع، لكنني أصبت بخيبة أمل من جراء إرجاء قانون البرنامج المذكور في مشروع موازنة العام 2019 ، مع أن من شأنه بعد إنجازه، الذي كان محددا بخمس سنوات، أن يوفر ما لا يقل عن ثمانين مليار ليرة تدفع سنويا بدلات إيجار أبنية الإدارات الرسمية”.
وقال: “تعود بي الذاكرة إلى العام 1993 عند تأليف أول حكومات الرئيس الشهيد رفيق الحريري رحمه الله، حيث توليت مهام وزير دولة لشؤون الإصلاح الإداري، فكنا أمام الخيار ما بين إنشاء جهاز للاصلاح الإداري، أو تحديد مهمة محددة تنتهي بتحقيق الغاية منها، فمزجنا بين الخيارين، لأن أجهزة الرقابة التي كان من المفترض بها أن تقوم بعملية الإصلاح الإداري آنذاك كانت بحاجة إلى إصلاح نظرا لتجذر البيروقراطية فيها، فوضع مكتبنا دراسات في مواضيع مختلفة أبرزها التوصيف والتصنيف الوظيفي وتحديث هيكليات بعض الإدارات العامة، ومشروع دمج الرواتب والتعويضات ووضع سلاسل رواتب جديدة، وتعديل دوام الموظفين، ووضع مشروع حديث وهادف لتقييم أداء الموظفين يغنينا عن وضع آليات غير مقوننة لتعيين الموظفين وترفيعهم. أما اليوم وبعدما تحولت التسمية من الإصلاح الإداري إلى التنمية الإدارية، فقد أصبح المكتب بحاجة إلى إصلاح بعدما استبدلت مهمته من الإصلاح الإداري والتنمية الإدارية إلى الاهتمام بشؤون النفايات البلدية وتعميم أجهزة المعلوماتية”.
واضاف: “وعلى سبيل التذكير أيضا، إذ ربما كان فيه بعض الإفادة، أذكر بما سبق أن قلته أثناء مناقشة مشروع قانون موازنة العام 2018 عن موضوع القطاع الزراعي وتراجعه سنة بعد سنة من جراء الهجمة العمرانية على المساحات الزراعية من جهة، ولعدم اهتمام الحكومة بالمزارع ومتطلباته لتمكينه من التمتع بحياة لائقة دون حاجة أو عوز من جهة ثانية. فقد وضعت خطة خمسية لدعم القطاع الزراعي، إلا أنها بقيت حبرا على ورق. وأخص في هذا المجال زراعة الزيتون التي يشتهر بها لبنان، ولا سيما منطقة حاصبيا، لا لأنني أحد أبنائها فقط، بل لأنني ممثلها في المجلس النيابي بعد تمثيلي للبنان كله كنائب عن الأمة اللبنانية. ولذلك أدعو الحكومة إلى إيلاء القطاع الزراعي ما يستحقه من دعم لتثبيت المزارع في أرضه والحد من النزوح من الريف إلى المدن، كما أدعوها إلى وضع مخطط توجيهي شامل للحفاظ على الثروة الزراعية من الهجوم العمراني المتواصل”.
وتابع: “إن الاهتمام الذي أولاه الدستور لشؤون المالية العامة، ولا سيما ما يتعلق منها بموازنة الدولة وتحديد مهلتي تقديمها ودرسها ومناقشتها بالفترة الممتدة من منتصف شهر تشرين الأول ولغاية آخر شهر كانون الثاني من السنة التالية، ناجم عن كون موازنة الدولة هي عبارة عن برنامج عمل الحكومة لمدة سنة، ومنحها إجازتين للجباية والإنفاق خلال هذه السنة، ومن الضروري إيلاء هذا البرنامج كل العناية والاهتمام بأدق تفاصيله قبل إجازته وإقراره”.
واردف: “وعلى ذلك أدعو الحكومة إلى أمرين أساسيين:
أولهما، تقديم مشروع موازنة العام 2020، ومشاريع موازنات الأعوام اللاحقة ضمن المهلة الدستورية، مما يتيح للمجلس النيابي بهيئته العامة ولجانه المختصة الوقت الكافي لدرس مشروع الموازنة ومناقشته وإقراره، وتصويبه إذا دعت الحاجة، عملا بمبدأ التعاون بين السلطات المكرس في مقدمة الدستور.
وثانيهما، إرسال مشاريع القوانين ومشاريع قوانين البرامج بصورة مستقلة عن مشروع قانون الموازنة، مرفقة بالأسباب التبريرية الكافية وبالانعكاسات التي يمكن أن تتركها على الأوضاع المالية والاقتصادية والاجتماعية. فتعود موازنة الدولة بذلك إلى كنف الدستور والقانون. وعلى أمل أن تستجيب الحكومة إلى هذين المطلبين.