استضافت عين التينة حيث مقر رئيس المجلس النيابي نبيه بري نوعين من لقاءات المصالحة والحوار حتى الآن:
٭ النوع الأول ينتمي الى مرحلة ما قبل الانتخابات الرئاسية وما قبل التسوية عندما كان بري يجمع ممثلين عن المستقبل وحزب الله، ونجح في إطلاق حوار جانبي في عز الحرب السورية وكان الحوار السني الشيعي الوحيد في المنطقة. ونجح هذا الحوار في تحقيق أهدافه إن لجهة منع وصول الحريق السوري الى لبنان وتمدد الصراع المذهبي الى أرضه، أو لجهة تثبيت الاستقرار السياسي والتفاوض عبر هذه القناة الخلفية حول موضوع رئاسة الجمهورية، وقد أسهم هذا الحوار في رسم معالم التسوية وخطوطها.
٭ النوع الثاني ينتمي الى حقبة ما بعد الانتخابات النيابية التي أعادت خلط أوراق الأحجام والعلاقات وما بعد قيام حكومة العهد الثانية التي أظهرت وجود تغيير في معادلة الحكم وطريقة إدارة الوضع وتعمق الخلاف بين رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وحزب الله. تدخل الرئيس بري لوضع حد لهذا الخلاف الذي أوصل العلاقة بين الطرفين الى مرحلة القطيعة، ولكن نتائج اللقاء لم تكن على قدر ما كان بري يأمله. فالأمور بقيت على حالها ولم يتغير شيء في مسار العلاقة، ولم يحصل لقاء جديد ولم يتطور الأمر الى جلسات حوارية بين الاشتراكي وحزب الله على غرار ما جرى بين الحزب والمستقبل.
وبعد الدخول على خط خلاف درزي ـ شيعي، يدخل الرئيس بري الآن على خلاف درزي ـ سني هو الخلاف الناشب بين جنبلاط والحريري، والذي كان وصل قبل أسابيع الى مرحلة متقدمة من التشنج والاصطدام السياسي المباشر على خلفية الشكوى الجنبلاطية من دور ومسؤولية للحريري في حالة التطويق والاستهداف التي يتعرض لها بسبب ما يظهره من ضعف وتنازل مع الوزير باسيل، وبسبب تفاهمات جديدة أبرمها الحريري مع باسيل شملت التعيينات الإدارية الأخيرة وتقرر فيها إعطاء خصوم جنبلاط الدروز حصة فيها، وألا يظل جنبلاط مستأثرا بالحصة الدرزية.
اللقاء الثلاثي في عين التينة، والذي يذكر بلقاء مماثل عقد سابقا في كليمنصو، كان مقررا قبل الأحداث الأخيرة في الجبل، وكان مخصصا لإجراء مصالحة بين الحريري وجنبلاط برعاية بري وحل النقاط العالقة. ولكن ما حدث على أرض الجبل أعطى هذا اللقاء نكهة مختلفة ومضمونا جديدا وأبعادا سياسية. فقد أدت هذه الأحداث الى:
٭ تحسين شروط جنبلاط التفاوضية مع الحريري بعدما أصبح في موقع أفضل وكسب الجولة بعدما قرر الانتقال الى المواجهة والتصدي لما يعتبره مخططا لتطويقه وإضعافه ورسم بالنار والدم حدود اللعبة معه والخط الفاصل بين مرحلتين: مرحلة التراجع والاستضعاف… ومرحلة التصدي والاستقواء.
٭ انكشاف وضع الرئيس سعد الحريري على مزيد من الضعف والارتباك في إدارة الوضع حكوميا (ملابسات تأجيل جلسة الحكومة) وسياسيا (صعوبة التوفيق في الموقف بين جنبلاط وباسيل)، كما انكشف الوضع على مزيد من التفسخ في علاقته مع الوزير باسيل، الى حد أن قناعة باتت تترسخ لدى الحريري بأن استمرار العلاقة على ما كانت عليه صار صعبا ومكلفا، وأن عليه إجراء تعديل في سياسته وعلاقاته، ومن ذلك كسر ثنائية التفاهمات مع باسيل وتحسين العلاقة مع جعجع والتقرب أكثر من جنبلاط والاحتكام مجددا الى مرجعية بري.
لقاء عين التينة هو أكثر من لقاء مصالحة، ولكنه يبقى أقل من لقاء تأسيسي لـ «حلف ثلاثي» جديد ـ قديم، مما لا شك فيه أن بري يستعيد مجددا زمام المبادرة السياسية، وهو المستفيد الأبرز من المسار السياسي الجديد الذي يمنحه قدرة أكثر على التأثير والتدخل، ولكنه ليس في وارد الذهاب الى إبدال ثنائية الحريري باسيل بثلاثية جديدة يمكن أن تثير توجسا وقلقا لدى الرئيس ميشال عون. فجنبلاط ليس وحده من يشكو من مخطط لتطويقه وإضعافه. الرئيس عون يشعر أيضا أن هناك من يعمل على تطويقه وإفشال عهده، لاسيما من الجهات التي لم تشارك في انتخابه أو التي شاركت على مضض.
الانباء