استقبل مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار في مكتبه في دار الفتوى في طرابلس، وفدا من اللقاء التشاوري لملتقى الأديان والثقافات للتنمية والحوار وشبكة الأمان للسلم الأهلي، في إطار جولة قام بها الوفد في مدينة طرابلس لتأكيد التضامن مع أبنائها في مواجهة الإرهاب والتضامن مع الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي.
وضم الوفد الأمين العام لملتقى الأديان للثقافة والتنمية والحوار الشيخ حسين شحادة ممثلا العلامة علي فضل الله، رئيس نادي الشرق لحوار الحضارات إيلي سرغاني ممثلا المطران عصام درويش، رئيس المركز الثقافي الإسلامي الدكتور وجيه فانوس، عضو المكتب السياسي في الحزب العربي الديموقراطي مهدي مصطفى، رئيس المنتدى القومي العربي في الشمال فيصل درنيقة، منسق اللجنة الأسقفية للحوار المسيحي الإسلامي في الشمال جوزف محفوض.
الشعار
وعقب اللقاء أدلى الشعار بتصريح قال فيه: “جولتكم في مدينة مثل طرابلس ومحافظة مثل الشمال تدل على عمق الترابط بين ابناء المجتمع، وأنا عندي أمل كبير ان يكون اللبنانيون يوما عائلة واحدة نسميها لبنان، كل المناطق والطوائف والثقافات والأحزاب ينبغي ان تصب في مصلحة واحدة إسمها مصلحة الوطن الذي يحتضننا جميعا”.
أضاف: “ان لبنان بلد أكثر من مميز، إن له فرادة وتألقا، والكلام الذي اشار إليه قداسة البابا ذات يوم أن لبنان ليس فقط وطنا، وإنما وطن ورسالة، هذا عطاء وإعلام بأننا يمكن ان نمثل حجر الأساس، ليس فقط بالنسبة الى السلم الأهلي ولكن السلم العالمي. ذهب اللبنانيون إلى الطائف وكانوا عشرين طائفة، وعادوا طائفة واحدة، وهذه الطائفة التي تتمثل بهذا الدستور إسمها لبنان”.
وتابع: “نحن ينبغي ان نمارس ثقافتنا وتربيتنا وفهمنا الديني. وأنا أترجم اليوم ما يدور في أذهانكم وثقافاتكم، نحن كلنا نعود إلى اصل واحد في النشأة، وقد ورد في القرآن الكريم (يا ايها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) إذن نحن نعود إلى اصل واحد، وكلمة تعارفوا في اللغة العربية هي صيغة مفاعلة، يعني ان كل واحد منا يجب ان يتقدم خطوة نحو الآخر ليتعارفا، إذن المسألة تتطلب جرأة أدبية وشعورا واندفاعا مع الآخر.
نحن عندنا أصول مشتركة في قيمنا الدينية، ونعتبر أن كل الرسالات السماوية تتكامل، فكل رسالة جاءت لتكمل ما قبلها، ومجموع هذه الرسالات هو الدين الذي انزله الله تعالى على انبيائه ورسله. نحن قيمنا واحدة ومشتركة وبيننا قواسم مشتركة”.
وقال: “يجمعنا وطن واحد، وأعتقد ان اللبنانيين على العموم عندهم تألق في موضوع الفكر والثقافة، والانفتاح على الآخر، وهذا لا يجوز ان يبقى نظريا، فسلوك الإنسان هو الصورة الحقيقية لثقافته وتربيته وفهم الدين تجاه الآخر، ويخطىء من يعامل الآخر بثقافته هو”.
أضاف: “نحن في لبنان ينبغي ان نحافظ على هذا الوطن، وفرصة لنا بهذا التعدد، وليس هناك من سني اختلف مع شيعي في قضية دينية. القصة من 1400 سنة هل اليوم انتبهنا؟ لا، هذا خداع، ولكن هناك استخدام للعاطفة الدينية والمعتقد الديني والشعائر الدينية من اجل تفجير الأحقاد، وهذا لا يليق على الإطلاق. نحن قوم ينبغي ان نبرهن عن رقينا وتحضرنا، نحن مميزون ليس فقط في بيوتنا وفي اناقتنا، بل في اخلاقنا وروحنا الوطنية، وهذا امر في غاية الأهمية”.
وشكر الحضور واعتبر زيارتهم “ترجمة حقيقية للعاطفة التي آلمت جميع اللبنانيين، وقد إستقبلت في الأيام الماضية الكثير من المسؤولين وكنت اركز على امر أساسي معهم، أنه لا يكفي ان اقول لا إرهاب في طرابلس، فالكل يعلم ذلك، نحن ينبغي ان ننتقل إلى خطوة امامية ونقول ما هي الأسباب التي أدت إلى ان يمارس هؤلاء الشبان الإرهاب وان يضحوا بحياتهم؟ هناك حرمان وظلم وفقر وضغط، والدولة مسؤولة، ويجب ان تفكر في هذا، والمريض يحال على المستشفى للعلاج، وحتى المتطرفون الذين لديهم تطرف فكري الدولة هي المسؤولة عنهم، ومؤتمنة عليهم لإعادة تأهيلهم من أجل تنشئتهم من جديد وصقلهم وتوعيتهم”.
وختم: “أعتقد أن الإرهاب كلمة طارئة علينا، وليس له وجود في قيمنا، وقد سرني جدا ما سمعته من البابا “أن هناك متطرفين من كل الطوائف ولكن ليس هناك من دين يدعو إلى التطرف”. هذا صحيح، وهناك عدم معرفة للناس بحقيقة الدين، ولو عرفوا ذلك لجمعتهم المحبة والإنسانية والرحمة، ينبغي ان يفكر المسؤولون في لبنان بهذا الأمر.
وهناك أمر أخير أحب ان اركز عليه: لبنان مر بمراحل صعبة جدا، والإرهاب ليس الممارسة العسكرية والقتل فقط، هناك إرهاب فكري وسياسي وثقافي، وفي بعض الأوقات ليس لدى الإنسان قدرة ان يقول رأيه امام تيار من المعقدين في قضية معينة، لا، نحن ينبغي ان نعمل في إطار تنمية الثقافة التي هي محضن جامع، وليس بإمكان المسلم ان يجمع كل الوطن ولا المسيحي ايضا، ولكن الثقافة والفكر، ومصلحة الإنسان يمكن ان تدفع كل الناس لكي يجتمعوا، وكلما نمت الثقافة تتسع المدارك، وإذا اتسعت المدارك تصبح هناك نظرة ابعد، وعندها يمكن كل واحد ان يتكلم، وبالتالي يجد الآخرون ان فلانا يتحدث بضمير لأن الثقافة اتسعت، وآمل ان يكون هناك دور إيجابي في العمل وتشجيع الإطار الثقافي والفكري، وان نرفع الصوت امام الممارسات السياسية التي فيها نوع من الإحتقان، فنحن أقوياء عندما يقف كل منا امام الدستور والقوة ليس بتجاوز الدستور لأن اللبنانيين إتفقوا على ان يكون الدستور مرجعهم”.
شحادة
وتحدث الشيخ حسين شحادة فتوجه إلى الشعار قائلا: “كأن سماحتك كنت تتحدث باسمنا جميعا، وتمثل الشيعة والسنة والمسيحيين بخطابك الفكري المتسامح، وقد لفتتني العلاقة بين اللبنانيين، فهي كعلاقة الجسم الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الاعضاء بالسهر، هذا التداعي هو مسؤولية الجميع عن الجميع، مسؤولية التعاون والتعارف الذي يفضي إلى التفكير المشترك، ولعل أقدس مسؤولية كالذي شهدناه في المناخات التي لامست الجريمة التي حدثت في طرابلس، هي مسؤولية الكلمة، نحن نشكر دعوتك ونعدك بزيارة خاصة نتابع فيها اوضاعنا المشتركة”.