فكك عشرات اللاجئين السوريين، الأحد، خيامهم في مخيم بمنطقة دير الأحمر (شرق لبنان)، أقاموا فيه لسنوات، بعد أن أمرت السلطات اللبنانية بإجلائهم عقب اشتباكات مع السكان المحليين.
وقال مسؤولون لبنانيون، الأحد، إن قرار الإخلاء صدر للحيلولة دون وقوع هجمات انتقامية ولتجنب وقوع المزيد من الاشتباكات بعد تهديد سكان المدينة باجتياح المخيم.
وفرض حظر تجول على اللاجئين السوريين الذين يعيشون في دير الأحمر، والذين يقدر عددهم بستة آلاف سوري لمدة يومين، وقامت الشرطة بدوريات في المنطقة.
وفي زيارة ميدانية للعربية.نت إلى المخيم المذكور يوم الأحد، قالت فاطمة: “نزحت أنا وأولادي الـ 14 إلى أحد أقاربنا في بلدة دورس قرب مدينة بعلبك ولا أعلم إن كنت سأبيت الليلة في العراء، لأن خيمته ضاقت بنا”.
هكذا تصف تلك الأم لـ14 ولداً، التي نزحت من ريف حلب هرباً من البراميل المتفجّرة والمعارك الضارية، قبل سنوات، حال عائلتها هذه الأيام.
زوجها فارس الجاسم مُنهمك بفكفكة خيمته بناءً على قرار اتّحاد بلديات دير الأحمر بإخلاء المخيم قبل ظهر الاثنين، وعدم العودة إليه نتيجة الحادث الذي شهده منذ أيام، حيث تعرّض عناصر من الدفاع المدني للاعتداء وتحطيم زجاج سيارة الإطفاء عندما كانوا يخمدون حريقاً اندلع بالقرب من المخيم، ما أدى إلى توتر الوضع مع أهالي القرية الذين توعد بعضهم بمهاجمة الخيم.
أين نذهب؟
بصوت متهدّج قال فارس “لم يبق لنا شيء. حاولت خلال الأيام الثلاثة الماضية ترتيب عملية نقل عائلتي إلى ايعات بالقرب من دير الأحمر، إلا أن البلدية اتّخذت بدورها قراراً بمنع استقبالنا. فأين نذهب؟ واتّحاد بلديات دير الأحمر اتّخذ قرراً أيضاً بمنع انتقالنا إلى مخيمات في نطاق المنطقة؟ فقاطتعه زوجته فاطمة قائلة: “لم أجد وقتاً طيلة الأيام الثلاثة الماضية لتناول الطعام. كنت أتنقّل بين خيمة وأخرى لتأمين الإغاثة لأقاربي وجيراني كي يغادروا المخيم سريعاً. ما هو ذنبنا لتحلّ بنا هذه المُصيبة؟ نحن نعمل بعرق جبيننا في سهل دير الأحمر منذ 8 سنوات، وتربطنا علاقات جيّدة بأهلها وناسها الطيّبين”.
تلاسن.. فرشق بالحجارة
تتدخّل جارتها زهراء في الخيمة المجاورة متحسّرة على 5 سنوات من “الجيرة الطيّبة” التي تجمعنا، لكن يبدو أنه حان موعد الافتراق، لأنه من الصعوبة أن نجتمع مجدداً في مخيم واحد كما تقول.
تسألها عن سبب الحريق والروايات المتضاربة في شأنه فتقول “كنّا مجتمعين من مخيمات عدة في المنطقة احتفالاً بعيد الفطر، فاندلع حريق بالقرب من مخيمنا، تحديداً في حديقة الاستقلال التي تضمّ عدداً كبيراً من شجر الأرز التي زرعها اتّحاد بلديات دير الأحمر منذ أشهر. فسارعنا إلى طلب النجدة واتّصلنا بالدفاع المدني، لكن للأسف تأخّر عن الوصول، ومن كثرة غضبنا وخوفنا على امتداد الحريق إلى المخيم عاتبنا العناصر الثلاثة في الدفاع المدني، لكن حصل تلاسن في الكلام، فرشق عدد من أبناء المخيم بالحجارة العناصر الثلاثة فأُصيب السائق برأسه، وبعد هرج ومرج تدخّل الجيش اللبناني لفضّ الإشكال، خصوصاً بعد أن بدأ أهالي دير الأحمر يتجمّعون بالقرب من المخيم الذي يقع على تخوم البلدة”.
لا ينسى جاسم وزوجته فاطمة وجارتهم زهراء توجيه التحية لعناصر الجيش اللبناني المتمركزين على بعد أمتار قليلة من المخيم، لأنهم “أمّنوا لنا الحماية في تلك الليلة وطلبوا منا أن نتجمع في خيمة واحدة”، بحسب ما قالوا.
كما شكروا رئيس شرطة بلدية دير الأحمر سمير ديب لمعاملته الحسنة، بحسب تعبيرهم.
في المقابل، أكدت رنده التي حُرقت خيمتها ليلة الخميس، علماً أن المخيم الذي يضم نحو 90 خيمة كان يسكنها قرابة الـ750 نازحاً حُرقت منه خيمتان، بحسب ما بدا من جولة “العربية.نت “الميدانية، “أن من افتعل الحريق ليس سكان المخيم كما يروّج وإنما “مجهولون” لا يريدون الخير لنا”.
وأسفت “لأن أهالي الدير يتّهموننا بأننا نملك السلاح، في حين أن همّنا تأمين لقمة عيشنا لا التسوّل في الطرقات”.
وعند سؤالها عن سبب عدم عودتها إلى سوريا التي غاب القصف عن بعض مناطقها، أجابت “إلى أين نعود؟ إلى أرضنا وبيوتنا التي حرقها النظام السوري؟”.
وتابعت: “رغم أننا نتعرّض هنا للإهانة، لكن يبقى لبنان من الناحية الأمنية أفضل من سوريا”.
يذكر أن استجابة المنظمات والجهات المانحة لاحتياجات النازحين من مخيم دير الأحمر ضعيفة، بحسب النازحين الذين تواصلت معهم “العربية.نت” في المخيم.
ولا تملك تلك العائلات النازحة خيارات عديدة لتأمين مكان إقامة بديل، ويعتبرون أنهم لا يستطيعون تفكيك خيمهم قبل شهرين على الأقل، لاسيما أن أصغرها مساحة تتجاوز الستين متراً، وفيها أدوات كهربائية يحتاج نقلها إلى شاحنات خاصة.
“القرار اتخذ”
في المقابل، أوضح رئيس اتحاد بلديات دير الأحمر جان فخري لـ”العربية.نت”: “إن النازحين هم من قاموا بإخلاء المخيم بعد الاعتداء على عناصر الدفاع المدني، بعدما أدركوا حجم الخطأ الذي ارتكبوه”، لافتاً إلى “أن القرار اتّخذ بعدم السماح لهم بالعودة بشكل نهائي، وكان هناك تنسيق بهذا الخصوص مع الأجهزة الأمنية والوزارات المختصّة، حيث خرج هؤلاء إلى خارج نطاق دير الأحمر في اتجاه قرى بعلبك”.
وعلى إثر الحادث، عقد رؤساء بلديات ومخاتير وفاعليات منطقة دير الأحمر اجتماعاً، أعلنوا في ختامه أنه نتيجة للغضب الشعبي العارم وحفاظاً على سلامة النازحين، ومنعاً لتكرار مثل هذه الحادثة التي قد تؤدّي الى ما لا تحمد عقباه، تقرر عدم عودة أي من النازحين السوريين إلى المخيم الذي سبق وأخلي إثر الحادثة المستنكرة تحت أي ذريعة.
كما أشار فخري إلى “أن 80 بالمئة من قاطني المخيم هم من عمّال الورش والأراضي الزراعية، وما قمنا به من تدابير لمنع أي احتكاك بالأهالي ولحمايتهم”، نافياً “ما يروّج عن حرق للمخيم”، معتبراً أن ما تم تداوله عبر وسائل التواصل الاجتماعي عبارة عن صور وفيديوهات لحريق قديم لأحد المخيمات، والأمور عادت إلى طبيعتها، وورشة تفكيك المخيم قائمة، مع العلم أنه يوجد في منطقة دير الأحمر 6 آلاف نازح سوري يعيشون بصورة طبيعية ولم يتعرّض لهم أحد”.
من جهته، أوضح رئيس شرطة البلدية سمير ديب لـ”العربية.نت”: “أنه يُشرف شخصياً على عملية إخلاء المخيم، ولم نسمح لأحد بالتعرّض للنازحين خلافاً لما يروّج”.
إلى ذلك، أضاف “كنت أزور المخيم بشكل شبه يومي للوقوف على حاجات سكّانه، وتربطني بهم علاقة جيّدة بحكم تفويضي من البلدية لإدارة شوؤنه والاستجابة لطلباتهم، لاسيما الإنسانية كالطبابة وتأمين الدواء”.