قال السفير الفرنسي في لبنان برونو فوشي إنه “حتى لو أقلع “سيدر” متأخرا لا خطر من أن يختفي المال” الذي خصصه المانحون لمساعدة لبنان.
ورأى فوشي في حديث لـ”الحياة” أن الموازنة التي تناقشها الحكومة اللبنانية “يجب أن تكون صادقة، فيها توازن يتناسب مع الالتزامات التي فرضتها الحكومة على نفسها”، وأن “موازنة تتسم بالوضوح ستكون مقبولة من أولئك المستعدين للاستثمار في لبنان”. وأسف لعدم تحقيق جملة خطوات عددها، التزمت الحكومة اللبنانية بها منها عدم تعيين الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء.
واعتبر فوشي أن “التعقيدات الإقليمية يجب ألا تحول دون تطبيق مبدأ الاستراتيجية الدفاعية”. وقال إن فرنسا تتحدث إلى إيران حول المواجهة بينها وبين الولايات المتحدة الأميركية… وأعرب عن خشيته من أن الأحداث الأخيرة (في إشارة إلى التفجيرات ضد ناقلات نفط على شاطىء دولة الإمارات وضد أنابيب النفط في السعودية) “متصلة ببعضها البعض… ودخلنا في ألاعيب صغيرة خطرة جدا”. كما لفت إلى رسائل فرنسية إلى “حزب الله تحذره من أن “قد تنجرون إلى حيث يمكن أن تجروا لبنان معكم”.
وهنا نص الحديث مع فوشي:
س: الموازنة الجديدة كانت مع خطة الكهرباء، من شروط انطلاق “سيدر”. هل تعتقد أن خفض العجز سيكون مقبولا؟
ج: أذكر بأن الحكومة رسمت لنفسها خارطة طريق. وجرى تبنيها في 15 شبامن البرلمان وهي خارطة طريق اقتصادية وسياسية للحكومة ولكل لبنان. لا نسعى على فرض أي شيء على لبنان. نطلب فقط أن يحترم لبنان الالتزامات التي أعطاها لنفسه، ومنها الإصلاح في الكهرباء لأنها جزء مهم من عجز الموازنة ومن الدين وتشكل 40 في المئة من الدين و40 في المئة من عجز الموازنة. تشكل المساعدة المالية السنوية للكهرباء بليوني دولار وهذا رقم مهم. من الملائم تعديل طريقة إدارة هذا القطاع. ولهذا قلنا إنه أولوية.
بلغت نسبة العجز في السنة الماضية 11.4 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، وهذا ضخم، حصل انزلاق متواصل ويجب الرجوع إلى مسار يسمح بالعودة إلى التوازن. لبنان تعهد أن يخفض هذا العجز بمعدل 1 في المئة سنوياً، على مدى 5 سنوات، وننتظر منه أن يقدم موازنة تتطابق مع تعهده. فهمت أن الحكومة تريد الذهاب أبعد من ذلك. أي أنها تسعى لخفض العجز إلى نسبة تقل عن 9 في المئة. هناك جهد حقيقي من الحكومة لتقديم موازنة فيها خفض جوهري للعجز.
المانحون ما زالوا هنا
ولهذا سنكون متنبهين لنتأكد من التزام لبنان بهذا التعهد. ففي الكهرباء هناك حاجة إلى مشتريات وإلى الفيول. يجب احتساب المال لأجلها في الموازنة. وإذا لم تذكر هذه النفقات سيؤدي ذلك إلى الانزلاق مجددا وهو ما يجب تجنبه. يجب أن تكون موازنة صادقة ، فيها توازن يتناسب مع الالتزامات التي فرضتها الحكومة على نفسها.
س: خفض الموازنة والإنفاق على القطاع العام، أطلق احتجاجات شعبية. هل تخشون من اهتزاز الاستقرار في لبنان فيما حفظ الاستقرار واحد من مبادئ سياستكم حياله؟
ج: تحرص فرنسا على استقرار لبنان طبعا. وهو خاضع لتوترات أخرى غير الاقتصادية، نحن متيقظون جدا حيالها. ليس من الضروري أن تجر التدابير الهادفة إلى خفض العجز إلى تحركات اجتماعية أو إلى أثمان ذات مفعول قوي.
هناك تدابير تسمح بتقاسم العبء بين الجميع من دون التسبب بسيناريوهات من نوع هز الاستقرار الداخلي عن طريق حركات اجتماعية واسعة، وآمل ألا نذهب إلى هذا الحد. وتعديل الإنفاق في القطاع العام لا يتحقق في سنة واحدة. هو التزام لسنوات، ويمكن برمجة خفض الإنفاق على القطاع العام على سنوات عدة، ومن المهم وجود استراتيجية للموازنة، متماسكة ومنظمة، فيها تصور لإلقاء العبء ليس على الأضعف، بل على الذين بإمكانهم فعليا احتمال التخفيض. لدي الانطباع بأن هذه الاستراتيجية غير واضحة. أي موازنة تتسم بالوضوح ستكون مقبولة من أولئك الذي ينظرون من الخارج إلى الاقتصاد اللبناني ، والمستعدين للمجيء إلى لبنان للاستثمار فيه، والذين يحتاجون إلى طمأنتهم إلى متانة تعهدات الحكومة القائمة.
س: بعد تأخير تأليف الحكومة وإقرار الموازنة، هل سيتمكن لبنان من الإفادة من تمويل “سيدر” عام 2019 أم أن الأموال المخصصة له ستتناقص لأن هناك تعب من لبنان؟
ج: أسباب التعطيل كانت غير مبررة نسبةً إلى التحديات. كان يمكنكم أن تشكلوا حكومة بأسرع مما حصل. هناك حالة ملحة وشعب يعاني من الوضع الاقتصادي، وأناس يهاجرون، وغياب النمو. والاستثمارات معلقة. إضاعة 9 شهور كان مفرطاً.
مع هذا فإن المانحين الذين أعلنوا في باريس أنهم سيقدمون الدعم للبنان، ما زالوا هنا. وحتى لو أقلع “سيدر” متأخرا، الأساس هو أن يقلع وبشروط جيدة، بشفافية، وبجهد من قبل الحكومة التي أعلنت برنامج عملها. إذا سلكت الحكومة هذا الطريق فإن المانحين حاضرون، ولا خطر من أن يختفي المال.
أما التعب من لبنان فقد يأتي من عدم وفائه بالتزاماته التي وافق عليها في بيان “سيدر” الختامي في باريس، والتي استعاد معظمها البيان الوزاري للحكومة..
دوكين… وآلية المراقبة
س: تردد أن السفير بيار دوكين حين زار بيروت لم يكن راضيا عن عدم تعيين الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء. هل هناك خيبة لديه؟
ج: زار السفير دوكين لبنان لتكرار ما ننتظره من اللبنانيين من خطوات، لاحظ أنها لم تنفذ. أولا تحديد الأولويات في مشاريع “سيدر”، الأمر الذي لم يحصل. هناك 280 مشروعا في برنامج الاستثمارات تحتاج لتحديد الأولويات في التمويل. كما طلب قيام الهيئات الناظمة لا سيما في الكهرباء. نأسف بشدة لأن هذا لم يحصل، ولا نفهم الأسباب.
وكنا نتوقع رفع تعرفة الكهرباء بدءا من 2019 . لم نطلب أن تخضع فواتير المساكن المتواضعة للارتفاع، لكن هناك إمكانية للتمييز بين الذين لديهم قدرة على ذلك بدءا من 2019 وبين من لا قدرة له. ونأسف لأنه جرى استبعاد ذلك. طلبنا أن يكون هناك هيئات ناظمة في ما يخص الطيران المدني والاتصالات، وأن يزود مجلس الخصخصة (PPP ) بالإمكانيات ولم يحصل شيء. هذه مطالب مكررة ولم تكن نزوات اللحظة الأخيرة.
وتعرفون أن هناك آلية أعلنت في “سيدر” من 3 أوجه:
– إنشاء موقع إلكتروني يتمتع باستقلالية نسبية لإعلام الرأي العام عن التقدم في “سيدر”، وكي يتمكن من الوثوق بالمعلومات التي يقدمها. ولاتقدم في هذا المجال.
– قيام آليه متابعة محلية، تلاحق تقدم المشاريع. من المهم بالنسبة إلينا أن نتمكن من مراقبة تطبيق التقدم، واللجنة يجب أن تنشأ في سرعة.
– الآلية الثالثة هي قيام لجنة المتابعة الدولية التي ستجتمع خارج لبنان، لتقييم التقدم في الإصلاحات والمشاريع بصورة منتظمة، تنفيذا إليه ل”سيدر”. هذه اللجنة مهمة لأن ما ستقوله سيعبر عن تقييمها لما آل “سيدر”.
س: بعد إقرار الموازنة ما هي الخطوة الأولى تطبيقا ل”سيدر”؟
ج: الموازنة ليست شرطا مسبقا للتنفيذ. يعود للحكومة أن تطلق المشاريع المطروحة في برنامج الاستثمارات. “سيدر” بدأ لكن المشكلة أن الآليات التي ترافقه لم تنشأ.
زيارة ماكرون
س: زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون تأجلت بفعل التأخر في تطبيق الإصلاحات. ماذا تقول؟
ج: نعم. لكن هذا ليس عقاباً. الرئيس كان يرغب في المجيء في سرعة لكن الأحداث اللبنانية جعلت الأمر غير ممكن. لم يشأ المجيء كي يقول للفرقاء اللبنانيين عليكم أن تؤلفوا حكومة. يجب الإفادة من زيارة رئاسية من أجل بناء إطار التعاون الكبير مع لبنان لعشر سنوات مقبلة في مجالات التعليم، الثقافة والتعاون العسكري. زيارة رئاسية من هذا النوع مهمة. ولذلك يجب عدم تبديدها، وفضّل تأجيلها، كي تتم في ظرف يستطيع فيه أن يضع تصورا لمستقبل علاقة لبنان مع فرنسا. يجب ألا ننسى أن لفرنسا أجندتها الوطنية، من السترات الصفر، إلى الإصلاحات، الحوار الوطني، الانتخابات الأوروبية، والرئيس أجّل الزيارة والتزم المجيء في نصف السنة الثاني.
س: الأمين العام للأمم المتحدة أكد مجددا على نزع سلاح “حزب الله”في تقريره الأخير عن القرار الرقم 1559. هل تعتقد ذلك ممكنا في ظل تصاعد الصراع الأميركي الإيراني؟
ج: هذا مرجع مهم بالنسبة إلينا يملي جزءا من سياستنا في هذا البلد. نعترف بالسلطات الشرعية. ندعم الجيش اللبناني وحصر القوة في يد الجيش اللبناني . لدينا علاقات أكيدة مع “حزب الله” مع الجناح السياسي، وليس مع الجناح العسكري.
علينا أن نؤكد على هذا المبدأ، لأنه مغزى القرار 1559 وال1701 والاستراتيجية الدفاعية يجب إقامتها، فالرئيس (عون) تعهد بها، وحسب معلوماتي “حزب الله” لا يعارضها، ونحن نساند إرادة الرئيس في القيام بجولة جديدة من التفاوض كما سبق للرئيس ميشال سليمان أن فعل.
التعقيدات الإقليمية يجب ألا تحول دون تطبيق المبدأ الاستراتيجية. قد يكون صحيحا أن المناخ الإقليمي يعقد الأمر، لكن هذا لا يعني أن نحرم أنفسنا من تطبيق هذا المبدأ الأساسي، في دولة سيدة ، لجيشها أن يحتكر الأمن على أراضيها.
الرسائل إلى إيران و”حزب الله”
س: كيف تنظر إلى الانعكاسات السياسية والاقتصادية للعقوبات الأميركية ضد “حزب الله”، على لبنان وهل تناقشها باريس مع واشنطن؟
س: ليس لدينا التحليل نفسه مع واشنطن حول “حزب الله”. واشنطن تعتبره إرهابيا وانضمت إليها أخيرا بريطانيا. والرئيس ماكرون أكد مجددا أننا نميز بين الجناح السياسي والجناح العسكري للحزب. ليست لدينا اتصالات مع الجناح العسكري، ونعتبر أنه يجب أن نناقش مع الجناح السياسي ل “حزب الله” الأوضاع وتمرير الرسائل إليه ، كونه يمثل جزءاً مهماً من الشعب اللبناني، في البرلمان و الحكومة. مفيد التحدث إليه، والقول له عدم الرد على الاستفزازات، وعدم التصعيد. وهذا من ضمن ما تقوم به فرنسا التي تتحدث إلى إيران والمملكة السعودية، وتحاول تقريب وجهات النظر عبر التواصل مع كل اللاعبين.
س: التعقيدات الإقليمية بعد الموقف الإيراني الأخير حيال موجبات الاتفاق النووي والذي رفضته فرنسا، مع التطورات اليومية، تطرح خطر التصعيد العسكري. هل يمكن استثناء لبنان منه؟
ج: أولا نحن نتحدث مع إيران وثانيا مع “حزب الله” في شأن المواجهة بين إيران والولايات المتحدة. ونقول لإيران إننا نأسف لأن أميركا خرجت من الاتفاق النووي، لأنه اتفاق جيد على رغم أننا نعتقد بوجوب استكماله إلى ما هو أبعد من تاريخ انتهائه بعد 10 سنوات، ويجب تناول القضايا الإقليمية، والصواريخ الباليستية من أجل استكماله. كما نقول لإيران لا تخرجوا منه لأن هذا خطر. الجواب الذي قدمه الرئيس روحاني قبل أيام يمكن أن يؤدي إلى انزلاق . وكل الأحداث التي تحصل (في اليومين الماضيين) في نظري متصلة ببعضها البعض، ويجب ألا تكون لدينا أوهام، لأننا دخلنا في ألاعيب صغيرة خطرة جدا، في وقت قلنا أيضا لإيران لستم وحدكم، وأن الآخرين لم يتركوا الاتفاق ونسعى معكم لإنشاء آلية التفاف على العقوبات الأميركية سميت “إنستكس”، في فرنسا، وتتطلب قيام غرفة موازية في إيران. هذه الآلية ترتبط بإقرار إيران نصوصا تتعلق بالشفافية المالية وفق معاهدة “باليرمو” و”غافي”. .
سلسلة الرسائل هذه لإيران مع شركائنا الأوروبيين، تترافق مع حلقة ثانية من الرسائل إلى “حزب الله”. قلنا لهم، أنتم الذين تتواصلون مع إيران وتدركون خطورة الوضع وقد تنجرون إلى حيث يمكن أن تجروا لبنان معكم، احذروا جيدا لأن هذا خطر. لكني أعتقد أنه مع وضع “الحرس الثوري” على لائحة الإرهاب ووقف استثناءات العقوبات على تصدير النفط ، تشعر إيران أنها محاصرة، وردة فعلها على خنقها يقود إلى سباق نحو الظلمة.
مزارع شبعا والاستراتيجية الدفاعية
س: أعيد طرح موضوع مزارع شبعا في وقت لا تبدي سورية ليونة في ترسيم الحدود. هل يمكن العودة إلى جهد من أجل انسحاب إسرائيلي منها وتسليمها إلى “يونيفيل” في انتظار تسوية وضعها؟
ج: يعاد طرح هذه المسألة لأن الولايات المتحدة تقوم للأسف، بخطوات متواصلة بدءا بنقل السفارة إلى القدس، والاعتراف بضم الجولان من قبل إسرائيل، الأمر غير مقبول لأنه لا يتفق والقانون الدولي والمواقف التي نأخذها. الجولان أرض محتلة وليس أرضا إسرائيلية. واعتراف واشنطن بملكية إسرائيل لها لا يرضينا. قضية مزارع شبعا أعيد طرحها لمناسبة هذه المبادرة الأميركية غير الملائمة. نتمنى أن يكون هناك تفاوض بين الفرقاء لمعالجة الخلاف حول الأراضي، وكذلك أن يتم التوصل إلى اتفاق حول الحدود البحرية والبرية. “يونيفيل” موجودة حتى لا تتسمم الأجواء في انتظار هذا الاتفاق.
خوف النازحين
س: الرئيس عون قدم للجانب الأميركي آلية تفاوض حول الحدود البحرية، والرئيس بري قال إن الموقف اللبناني موحد، بطلب رعاية الأمم المتحدة وأميركا التفاوض.
ج: نحن مع أي آلية يقبل بها الطرفان. لا يمكن الحلول مكانهما. يجب إيجاد أرضية تفاهم، بين الأطراف كافة.
س: الحل السياسي في سورية ليس قريبا. هذا سيبقي النازحين في لبنان. كيف يمكن لفرنسا أن تساهم في نقل المساعدة المالية للنازحين إلى الأراضي السورية الهادئة بدلا من تقديمها إليهم في لبنان، كما يطلب الرئيس عون؟
ج: نحن نعي العبء الذي يحمله لبنان، لكن الأمر ليس سهلا إلى هذه الدرجة. هناك مقاربتان. البعض يقول السوريون حاضرون للعودة من أجل المشاركة في إعادة إعمار منازلهم ويحتاجون بعض المساعدة للذهاب إلى المناطق الهادئة، وسيذهبون إلى هناك بسرعة. وهناك ما نراه نحن، حيث نجري استقصاءات مع الناس في مناطق عدة من سورية، وكل الأجوبة التي جاءتنا هي نفسها: الناس تخاف. ليس الوضع الاقتصادي الذي يدفعهم إلى العودة، بل الخوف هو الذي يمنعهم من العودة، لأن لا ثقة لديهم بالحكومة الحالية. ولا ثقة لديهم بالإجراءات التي تتخذها السلطات السورية، ولأن خطابات الرئيس بشار غامضة ولا تدفعهم للعودة.
لا يمكن حصول العودة إذا لم يكن هناك حل سياسي شامل. ربما يعتقد النظام أنه ربح الحرب على المدى القصير، لكنه إذا ربحها فإنه فعل مع 5 ملايين من النازحين، و5 ملايين لاجئين خارج منازلهم من دون ضمانات بقدرتهم على العودة. الحرب لم تنتهِ وستستمر بوسائل أخرى. وفي كل الأحوال إعادة الإعمار لن تمول من قبلنا طالما لا حل سياسيا يلائم اللاعبين السوريين.
وليد شقير- الحياة