من خلْف «غبار» المعارك الصغيرة التي استعادها مجلس الوزراء على تخوم مناقشات مشروع موازنة 2019 الذي يبدو أنه لن يولد إلا «قيصرياً»، ومن فوق زنّار الحزن الذي يعمّ لبنان على رحيل البطريرك الماروني السابق مار نصر الله بطرس صفير الذي يُودّع غداً في مأتمٍ يراد أن يكون تاريخياً، فإن «نفير الحرب» الذي يُدقّ في الخليج، بدأ يُرْخي بثقله على المَشهد في بيروت على وقع يوميات «البريد الساخن» الذي تعتمده إيران بـ«الواسطة» في إطار عملية ترسيم «الخطوط الحمر» بوجه محاولات منْعها من «الموت اختناقاً» بالعقوبات.
وفيما لم تكن «دزينة» الجلسات الحكومية التي استمرّت أمس الثلاثاء كافية لإنهاء المناوشات المُضنية للموازنة والتي اتخذت في الساعات الأخيرة منحى متباطئاً تحت وطأة تَسارُع حرة الاعتراض في الشارع، «حضرتْ» المنطقة على الطاولة في بيروت مع الزيارة التي بدأها المُساعد الأول لوزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد ساترفيلد وعلى جدول لقاءاته اجتماعات عدة أبرزها مع رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيسي البرلمان والحكومة نبيه بري وسعد الحريري.
ورغم أن العنوان المعلن لزيارة ساترفيلد، الذي يحْفظ الواقع اللبناني وتعقيداته عن ظهر قلب، هو الخلاف الحدودي البري والبحري بين لبنان وإسرائيل، فإن أوساطاً سياسية اعتبرتْ أن من الصعب فصل هذه المحطّة عن الوقائع الساخنة التي ترْتسم في المنطقة التي تبدو وكأنها على حافة حربٍ في ضوء التوتر غير المسبوق بين الولايات المتحدة وحلفائها وبين إيران في سياق مواجهةٍ متدحرجة يشكّل «حزب الله» أحد أهدافها مع ما يعنيه ذلك من مخاطر على لبنان.
وإذا كان موقف ساترفيلد، الذي يستعدّ لتسلُّم مهماته كسفير لبلاده في تركيا، معروفاً من «حزب الله» كامتدادٍ لسياسة الإدارة الأميركية حيال الحزب كما تجاه إيران وهو موقفٌ سبق أن عبّر عنه وزير الخارجية مايك بومبيو من بيروت في مارس الماضي ويكرّره دورياً، فإنّ زيارة الديبلوماسي الأميركي كانت محط رصْد من زاوية أخرى أيضاً باعتبار أنها جاءت بعد أيام من تسلُّم سفيرة الولايات المتحدة في بيروت إليزابيت ريتشارد من الجانب اللبناني ورقة تتضمّن موقفاً موحداً (وافق عليه الرئيس بري) من الآلية التي تراها بيروت مناسبة لحلّ الخلاف الحدودي مع إسرائيل وترتكز على التزامن بين الترسيم البري والبحري (وليس في البر قبل البحر)، بدءاً من نقطة الخلاف المركزية في رأس الناقورة، باعتبار أن هذه النقطة البرية تشكّل مفتاح عملية الترسيم البحري وتحديد توزيع الحصص في المنطقة الاقتصادية الخالصة وخصوصاً البلوك النفطي رقم 9 الواقع في المنطقة المتنازَع عليها بين البلدين.
وكانت بيروت تترقب إذا كان ساترفيلد، الذي قدّم التعازي بالبطريرك صفير، يحمل معه جواباً إسرائيلياً حول المقترحات المقدمة في الآلية اللبنانية التي كشفت صحيفة «النهار» أنها تقوم على «تشكيل لجنة ثلاثية تضم لبنان واسرائيل والأمم المتحدة بمتابعة أميركية، وعقد اجتماعات في مقر القيادة الدولية في الناقورة، وإطلاق عملية الترسيم البري والبحري بالتزامن»، أم أن الديبلوماسي الأميركي سيعاود التأكيد أمام المسؤولين اللبنانيين ما كان أبلغه بحزم الى وفد لبناني قبل أسابيع في واشنطن لجهة أن ترسيم الحدود الجنوبية مشروط بالقبول بالولايات المتحدة وسيطاً وحيداً وبخط فريديرك هوف (الذي يمنح لبنان نحو 500 كيلومتر مربع من المنطقة البحرية المتنازع عليها مقابل 360 كيلومتراً مربعاً لإسرائيل) وبفك الربط بين الحدود البحرية والحدود البرية.
وكان لافتاً أنه بالتزامن مع محادثات ساترفيلد كشفت جمعية المصارف في لبنان حصيلة زيارة وفد منها لواشنطن ونيويورك ولقاءاته مع كبار المسؤولين في وزارة الخزانة الأميركية ووزارة الخارجية المعنيّين بالشأن المصرفي والمالي إضافة إلى أعضاء في مجلس النواب الأميركي ولجنتي الخدمات المالية والشؤون الخارجية ومكافحة الإرهاب في الكونغرس الأميركي، وبعضهم من أصل لبناني.
وحسب البيان فقد «أكَّد المسؤولون الأميركيون جميعاً خلال هذه اللقاءات دعم لبنان وتقوية دوره كنموذج في المنطقة. وركّزوا على أهمية القطاع المصرفي اللبناني كونه يشكِّل مع الجيش اللبناني عنصرَيْ استقرار البلد، ومن الضروري المحافظة عليهما مع تقديم كل الدعم اللازم على هذا الصعيد. وكرّروا الإشادة بدور القطاع المصرفي الرائد لجهة حُسنْ احترامه للقواعد المصرفية العالمية، ومنها بخاصة تلك المتعلّقة بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب».
ومن جانبه، تمنّى الوفد المصرفي اللبناني على مختلف هذه الجهات الأميركية الرسمية «ألا يكون لأيّ إجراء عقابي محتمل (في سياق مسار العقوبات على حزب الله) أيّ تأثير سلبي على القطاع وعلى البلد ككل، تأكيداً للموقف الرسمي الأميركي الحريص على استقرار لبنان واستمرار نجاح القطاع المصرفي فيه. وقوبل هذا الطرح بإيجابية من الجهات الرسمية الأميركية».
الراي