رغم قرْقعة السلاح في المنطقة وضجيج ديبلوماسية البوارج، فإن لبنان الغارق في معركة الموازنة وموجبات تفادي الانهيار المالي – الاقتصادي يديرُ ظهْرَه لما قد يصيبه من ارتداداتِ بلوغ المواجهة الأميركية – الإيرانية مستويات غير مسبوقة واحتمالات تَطَوُّرها في اتجاهاتٍ أكثر دراماتيكية أو الذهاب بها إلى طاولة المفاوضات.
الدوائر المراقبة في بيروت لا تقلّل من شأن «الأوعية المتصلة» بين مَظاهر المواجهة المتعاظمة في المنطقة وما قد يصيب لبنان من جرائها، وخصوصاً أن «حزب الله» يشكّل واحدةً من خطوط التماس نظراً لكونه رأس الحربة الأهمّ في مشروع إيران ونفوذها في المنطقة وموطئ قدمها المتقدّم على المتوسط.
وفي تقدير هذه الدوائر أن لبنان لن ينجو من حِمم هذه المواجهة الآخذة في التدحْرج، سواء إذا قرّرتْ الولايات المتحدة المضي قدماً في حربها الناعمة عبر مزيدٍ من العقوبات على إيران و«حزب الله» في إطار السعي لخنْقهما، أو إذا انزلقتْ تلك المواجهة مع أي «رصاصةٍ طائشة» أو خطوة غير مسبوقة إلى حربٍ ما زال يتجنّبها الطرفان ومعهما اسرائيل و«حزب الله».
وتأخذ هذه الدوائر على لبنان الرسمي اختياره الجلوس في المَقاعد الخلفية وكأنه غير معنيّ بما يجري من حوله رغم الضغوط المتزايدة التي يتعرّض لها للحدّ من وهج خيارات «حزب الله» التي تلفح المسار العام في البلاد وتُقَلِّص المسافة بين الدولة والحزب، وهي تحذيراتٌ أميركية انضمّت إليها دول أخرى كبريطانيا وفرنسا.
ومَن يراقب يوميات بيروت يكتشف أن لا صوت يعلو الآن فوق الضوضاء التي تشكّلها المناقشات في ساعاتها الأخيرة لموازنة 2019 وسط حَرَجِ حكومي من إقرار إجراءات أكثر إيلاماً لتفادي الانهيار، وغضْبةٍ متصاعدة في الشاعر احتجاجاً على تلك الإجراءات.
وفي هذا الإطار كانت العيون شاخصةً على الجلسةِ المسائية التي عقدتْها الحكومة ليل أمس الأحد لاستكمال مناقشة مشروع الموازنة والتي كانت التقديرات تشير إلى أنها يفترض أن تكون توصّلتْ إلى تصوُّر نهائي حيال النقاط «الساخنة» التي كانت عادت إلى الطاولة من ضمن آلياتِ خفض العجز، وأبرزها رواتب الموظفين في القطاع العام والمتقاعدين والتقديمات الاجتماعية، على أن يتم تكريس الصيغة الكاملة للمشروع في جلسةٍ مرجّحة اليوم الاثنين برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون ما لم تطرأ أي مفاجآت.
وفي موازاة الإصرار الرسمي على الخروج بموازنةٍ تعكس جدية الحكومة في الوفاء بالتزاماتها بإجراء إصلاحاتٍ وافقتْ على أساسها الدولُ المانحةُ على تخصيص أكثر من 11 مليار دولار للبنان في مؤتمر «سيدر» على شكل قروضٍ ميسرة ومساعدات ما زالت on hold بانتظار «إشارة الإصلاح» (عبر الموازنة)، فإنّ الشارع بدا «على سلاحه» الاعتراضي لمواكبة أي إجراءاتٍ يُخشى أن «تعود من النافذة» بعدما ساد اعتقادٌ أن الباب أقفل عليها. وفي هذا السياق يتم التركيز على مسألة اقتطاع او تجميد نسبة من الرواتب وسط استمرار الترقّب لخريطة الطريق التي ستُعتمد بإزاء مثل هذا الإجراء والمشمولين به وفترته الزمنية وإذا كانت اي مبالغ سيُعلَّق دفْعها سيعاود سدادها مع فوائدها بعد انتهاء التجميد، إلى جانب رصْد ما سيطال السلك العسكري على صعيد التدبير رقم 3 وبعض المخصصات والامتيازات لكبار الموظفين، وذلك بعدما كان بند رفع الضريبة على فوائد الودائع من 7 إلى عشرة في المئة ناهيك عن المعلومات حول مرونة القطاع المصرفي حيال الاكتتاب بسندات خزينة بفائدة صفر في المئة اعتُبر في سياقٍ قد يكون تمهيدياً لما سيشمل الرواتب في القطاع العام.
وفي حين طالبت هيئة التنسيق النقابية بمواكبة مقررات جلسة الأحد داعية «الأساتذة والمعلمين والموظفين والمتقاعدين للبقاء على الجهوزية التامة للتحرّكات التصاعدية التي ستعلن في حينها إضراباً واعتصاماً وتظاهراً، وصولاً للإضراب المفتوح والخيارات الموجعة»، فإن العسكريين المتقاعدين يعقدون لقاء حاسماً بين ممثليهم ووزير الدفاع الياس أبو صعب صباح اليوم الاثنين وذلك على وهج دعوة «الهيئة الوطنية للمحاربين القدامى» إلى تحرك ابتداء من السادسة صباحاً يتضمن سلسلة وقفات واعتصامات وإقفال مَرافق «لتوجيه إنذار للحكومة لعدم المس برواتب التقاعد أو متمماتها أو التقديمات الاجتماعية المنصوص عليها في القانون».
وحذّرت من «أن هذا التحرك الكبير هو بداية تحركات ستشل العمل في كل المناطق اللبنانية»، طالبة «من المتقاعدين الجهوزية التامة والمشاركة الكثيفة في عملية السيل الجارف».
الراي