قدمت وزيرة الداخلية والبلديات ريا الحسن في الجلسة الاولى لمنتدى المال والاعمال مداخلة بعنوان “مستقبل الاقتصاد اللبناني في ظل المؤتمرات الداعمة”، استهلتها بشكر “المنظمين على دعوتي للمشاركة في منتدى المال والاعمال الذي يتناول في نسخته هذا العام موضوع المؤتمرات الدولية الداعمة للبنان”.
وقالت: “أقف اليوم على هذا المنبر لألقي كلمة تتناول شأنا اقتصاديا، مع أنني في موقع مختلف حاليا. ولكن، في الواقع، أيا كان المنصب الذي أشغله، يبقى الاقتصاد في…داخليتي. ليس فقط لأنني توليت مسؤوليات اقتصادية منذ العام 1992، بل لأن علينا جميعا أن ندرك أن النهوض الاقتصادي هو اليوم أولوية يجب أن تستنفر الحكومة بأكملها من أجلها، كونه يمس حياة المواطنين”.
اضافت: “ومن موقعي كوزيرة للداخلية والبلديات أقول: لا اقتصاد من دون أمن، ولا أمن من دون وضع اقتصادي واجتماعي سليم، ولا وضع اقتصاديا واجتماعيا سليما من دون تنمية محلية يكون للبلديات والسلطات المحلية فيها دور أساس. وبالتالي، فإن الاقتصاد يبقى في صلب مهمتي في موقعي الحالي،
ويجب أن يكون في صلب عمل كل وزير، والعنوان الرئيس للحكومة مجتمعة”.
ولفتت الى أن “الحكومة الحالية تضم خبراء واختصاصيين في الشأن الاقتصادي، ما من شأنه ان يغني الحوار الاقتصادي. واليوم، أتشارك هذا المنبر مع البعض منهم والذين أكن لهم كامل الاحترام والتقدير، لنتناقش حول “مستقبل الاقتصاد اللبناني في ظل المؤتمرات الداعمة”.
وقالت: “يواجه لبنان اليوم تحديا كبيرا من اجل تنفيذ وعوده الاصلاحية التي التزمها في مؤتمر “سيدر” العام الماضي، كمدخل لحصوله على اموال المانحين الدوليين. ولكن، وقبل الحديث عن مؤتمر “سيدر”، فلنعد بالذاكرة الى المؤتمرات السابقة الداعمة للبنان، بدءا من مؤتمر اصدقاء لبنان في العام 1996، مرورا بمؤتمرات باريس 1 و2 و3 في الاعوام 2001 و2002 و2007. بالطبع لن أدخل في تفاصيل هذه المؤتمرات، ولكن استعادة هذه التواريخ تستهدف طرح تساؤلين: أولا: ما هي الاسباب الكامنة وراء لجوء لبنان الدائم إلى المجتمع الدولي طلبا لمساعدته على تخطي ازماته الاقتصادية العميقة؟ وثانيا: ما هي الاسباب التي تدفع بالمجتمع الدولي الى القبول بمساعدة لبنان؟”.
اضافت: “الاجابة على السؤال الاول هي التالية: لأن لبنان يعاني منذ اوائل التسعينات عجزا في موازناته وتراكما في دينه العام. وهنا تكمن أصل المشكلة… وحلها. أما الإجابة على السؤال الثاني المتعلق بالأسباب التي تدفع بالمجتمع الدولي الى القبول بمساعدة لبنان، فهي ببساطة أن لبنان هو من المحظوظين لان لديه اصدقاء كثرا في المجتمع الدولي يحرصون، كما نحن، على تماسكه وعدم انهياره. والدليل على ما أقوله ليس بعدد المشاركين الدوليين في المؤتمرات الداعمة للبنان فقط، إنما بمبالغ القروض الميسرة الممنوحة له وبحجم الاكتتابات في سنداته. لكن، ورغم كثرة المؤتمرات الداعمة الدولية للبنان التي تم تنظيمها منذ العام 1996، الا انها لم تسهم، حتى يومنا هذا، في حل المشكلة البنيوية التي يعانيها الاقتصاد، والمتمثلة، كما أشرت، بعجز كبير في مالية الدولة، وبمستوى مديونية عامة مرتفع جدا. وهو ما كانت له انعكاساته السلبية الكبيرة على الاقتصاد ورتب ارتفاعا في معدلات الفوائد وتقليصا في حجم القطاع الخاص وزيادة في نسب البطالة وتداعيات اخرى كثيرة”.
وتابعت: “صحيح أننا تمكنا، في خلال مراحل متفاوتة في الماضي، من تنفيذ اصلاحات زادت معدلات النمو وحدت من زيادة حجم الدين العام، لكننا، للاسف، فشلنا في كسر الحلقة المفرغة التي ندور فيها وفي وضع هذا الدين على مسار مستدام، وذلك نتيجة لعدم اتخاذ الاجراءات الكاملة الكفيلة بتحقيق ذلك. مع الاشارة هنا الى ان الحل الأمثل لمشكلة المديونية العامة المرتفعة وتنامي العجز المالي، هو تحفيز النمو باعتباره القاعدة الاساسية لأي سياسة اقتصادية من جهة، وكونه يمثل وسيلة لخفض نسبة الدين إلى الناتج المحلي وبالتالي التخفيف من وطأته على الاقتصاد، من جهة أخرى”.
وقالت: “لقد عرضت هذا التسلسل لأقول إن غالبية الدول المانحة، منذ مؤتمرات باريس 1 و2 و3 الى اليوم، كانت تبدي استعدادا لمساعدة لبنان وتطلب منه في المقابل اتخاذ الاجراءات الاصلاحية
التي من شأنها حل مشاكله البنيوية، وأن يعمل من أجل تخفيف حجم الإنفاق وزيادة الواردات وتحفيز النمو. واليوم، اقول لكم، انه بصرف النظر عن هذه المؤتمرات، لا بد لحكومتنا الحالية ان تتخذ خطوات جذرية تنهض بالاقتصاد وتضعه على مسار التعافي والنمو. هذه الاجراءات التي يجب ان تأتي من ضمن سلة متكاملة تكمن في:
اولا: حل مشكلة عجز الكهرباء لوقف استنزافها مالية الدولة.
ثانيا: اقرار موازنة تقشفية تعكس التزام الدولة بتقليص العجز ضمن اطار ماكرو اقتصادي متوسط الاجل.
ثالثا: اقرار وتنفيذ اصلاحات بنيوية لتسهيل عمل القطاع الخاص، وذلك من خلال اتخاذ مبادرات تخفف القيود أمامه وتطلق حركة الاقتصاد الحر.
رابعا: السعي إلى إقامة مشاريع انمائية في كل المناطق بحيث تشكل رافعة لها. وهنا أشير الى نموذج مشروع المنطقة الاقتصادية الخاصة في طرابلس الذي توليت رئاسته على مدى ثلاث سنوات ونصف سنة، والذي يستهدف في الأساس التنمية المحلية ويساهم في خلق فرص عمل كثيرة للشماليين عموما والطرابلسيين خصوصا.
خامسا: الاستثمار في البنى التحتية لتأمين القاعدة الاستثمارية للقطاع الخاص.
والاهم هو ان نبقى متمسكين بسياسة الانفتاح على دول الجوار العربي. فقد بينت السنوات القليلة الماضية أن لبنان يحتاج إلى المستثمر والسائح العربيين من أجل تحفيز اقتصاده”.
وتابعت: “أكثر من مرة في الماضي قالها المجتمع الدولي للبنان بوضوح: “ساعدوا أنفسكم قبل ان نساعدكم”، وهو رددها في “مؤتمر سيدر” أيضا. ذلك أن لبنان الذي التزم في السابق بالاصلاح، فشل في تطبيقه لأسباب معلومة لن نكررها، ففقد بعض مصداقيته أمام المجتمع الدولي”.
وقالت: ” اليوم، لبنان أمام استحقاق مهم لتطبيق الإصلاحات والاستفادة من الدعم الدولي لمساعدته على معالجة مشاكله البنيوية وإعادة بناء بناه التحتية”.
وتابعت: “أريد هنا ان استعيد كلاما كان يردده الوزير الشهيد باسل فيلحان منذ مؤتمر باريس-2 . فهو كان يقول دائما: “كلما أطلنا في ايجاد حلول لمشاكلنا، كل ما باتت اكثر تعقيدا واصبح حلها اكثر صعوبة”. هذا الكلام الذي قاله الشهيد باسل في العام 2002 لا يزال ينطبق على حالنا اليوم، ما يستوجب منا عدم تفويت الفرصة الجديدة امامنا”.
واكدت الحسن ان “علينا في هذه الحكومة أن نقوم بكل ما يلزم للحصول على اموال “سيدر”. والا فلبنان سيفقد هذه الفرصة الكبيرة لاصلاح مشاكله البنيوية، وسيكون عليه مواجهة مشاكل اكبر في المستقبل غير البعيد قد لا تكون حلولها متوافرة في حينه. من هنا، أتمنى من جميع الافرقاء وضع خلافاتهم جانبا، وأن نعمل يدا واحدة لمصلحة هذا المواطن. واؤكد لكم ان الجميع في سدة المسؤولية مدرك للوضع الذي بلغه اقتصادنا.. كما اؤكد لكم أنني من موقعي، سوف أبذل قصارى جهدي لكي أسهم لوضع لبنان على طريق النمو المستدام”.