يستعد «محور الممانعة» في لبنان لاستقبال وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو في زيارته الأولى لبيروت على طريقته الخاصة بالنيابة عن حليفيه إيران والنظام السوري، وأعد له برنامجاً حافلاً بالاتهامات. أولها أن واشنطن مع التوطين المقنّع للنازحين السوريين في لبنان، مستفيداً من تبرير حليفه رئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل لعدم ذهابه إلى بروكسل، لأن المؤتمر يريد تقديم الدعم المالي لمساعدتهم على البقاء في لبنان، كما قال باسيل.
ولن يكون «محور الممانعة» وحيداً في الإعداد لاستقبال بومبيو في هجوم مضاد على السياسة الأميركية في المنطقة. وكان سبقه إلى الهجوم قائد «الحرس الثوري» الإيراني محمد علي جعفري بقوله إن «كل الأراضي الإسرائيلية تحت مرمى صواريخ (حزب الله) اللبناني»، وتزامن هذا التهديد مع إعراب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن القلق الدولي من أن تعرّض أسلحة الحزب استقرار لبنان والمنطقة للخطر، وذلك في أحدث تقرير له بشأن تطبيق القرار 1701.
فـ«محور الممانعة» لن يخلي الساحة السياسية والإعلامية للوزير الأميركي ليكون طليقاً في تشديده على التزام لبنان بالعقوبات الأميركية المفروضة على إيران و«حزب الله»، اللذين يزعزعان الاستقرار في المنطقة من خلال أذرعهما العسكرية في عدد من الدول العربية، وقد بادر هذا المحور، بحسب مصادر لبنانية مواكبة للتوقّعات التي ستسفر عنها محادثاته مع الرؤساء الثلاثة والوزير باسيل، إلى تنفيذ أمر عمليات للتشويش على زيارة بومبيو التي يهدف من خلالها إلى تأكيد واشنطن أن لبنان ليس متروكاً للمشروع الإيراني ولسيطرة «حزب الله». وتؤكد المصادر السياسية لـ«الشرق الأوسط» أن العنوان الأول لمحادثات بومبيو في بيروت يكمن في إصراره على تحقيق التوازن في المعادلة الداخلية لأن الإخلال بها، من وجهة نظر واشنطن، يعني أن سياسة النأي بالنفس التي يلتزمها لبنان أصبحت في خبر كان، وأن هناك من يضغط لإقحامه في النزاعات التي تدور حوله في المنطقة، وبالتالي فإن الخروج من تحييده سينعكس سلباً على استقراره الداخلي ويعيق خطة «سيدر» للنهوض به من تأزّمه الاقتصادي والمالي.
لذلك، فإن «محور الممانعة» وإن كان يعدّ «مضبطة اتهامية» ضد سياسة واشنطن في المنطقة، فإنه يجد في زيارة بومبيو لبيروت فرصة سانحة لتأليب الرأي العام اللبناني، وخصوصاً المسيحي، بحجة أن الإدارة الأميركية تقف إلى جانب توطين النازحين السوريين في لبنان.
ومثل هذا الاتهام، وإن كان يراد منه – بحسب المصادر نفسها – الاستخفاف بعقول اللبنانيين فإنه يلقى تجاوباً لدى فريق منهم في مقابل فريق آخر يسلك الطريق المعاكس ليس دفاعاً عن واشنطن، وإنما استناداً إلى ما لديه من معطيات تنطلق بشكل أساسي من أن النظام السوري لا يريد عودتهم وأن شروط العودة تقع على عاتقه وحده وأن «تطنيش» موقف دمشق هو محاولة للهروب إلى الأمام لتبرئة ذمّتها من بقاء النازحين في دول الشتات المجاورة لسوريا.
ولعل الانقسام الحاد بين اللبنانيين حول من يتحمّل مسؤولية إعاقة عودة النازحين إلى بلداتهم كان الدافع إلى استنهاض «قوى 14 آذار» التي كانت انقسمت على نفسها واستيقظت أخيراً من سباتها لتتوحّد حول تحميل المسؤولية للنظام السوري برفضه عودة النازحين، وهذا ما يحمله العنوان السياسي لمؤتمر النازحين الذي نظّمه منذ أيام الحزب «التقدمي الاشتراكي».
وفي هذا السياق، حرص المشاركون في هذا المؤتمر على إعداد لائحة اتهامية أرادوا منها تدعيم اتهامهم للنظام السوري برفض عودة النازحين بعدد من الوقائع والأدلة، وإن كانوا لا يعترضون على اتصال رئيس الجمهورية ميشال عون بنظيره السوري بشار الأسد لعله ينتزع منه موافقته على عودتهم.
ويسأل مصدر قيادي في «التقدّمي» الوزير باسيل: إن الأسد لا يريد عودتهم وأنت رفضت الذهاب إلى بروكسل لأنه يراد من المؤتمر بقاء النازحين في لبنان، كما قلت، فهل من الجائز أن تبادر إلى تنظيم استضافتهم في عدد من المناطق اللبنانية إلى أن يقتنع النظام السوري بضرورة تبديل موقفه في اتجاه تأمين عودتهم؟
وبدوره، يقول قيادي آخر إن التطابق في وجهات النظر بين حزبي «التقدمي» و«القوات اللبنانية»، وتيار «المستقبل»، ينطلق من وجود قناعات مشتركة لديهم تعزز صحة تحميل الأسد مسؤولية رفضه لعودة النازحين. ويؤكد القيادي نفسه، أننا «جميعاً ضد ربط عودتهم بالحل السياسي للأزمة في سوريا، فهل يقتنع الأسد بملاقاة للرئيس عون في منتصف الطريق للتفاهم معه على خريطة طريق لضمان عودتهم؟».
ويرى هذا القيادي – كما يقول لـ«الشرق الأوسط» – أن لجوء باسيل إلى المزايدة الشعبوية قد يقنع فريقه لبعض الوقت وليس لكل الوقت، وبالتالي فإن صرف الأنظار عن تحميل الأسد المسؤولية الكاملة لن يدوم إلى الأبد.
ويلفت إلى أن إصرار المجتمع الدولي على ربط عودة النازحين بالحل السياسي يعود إلى أن التقارير الواردة من دمشق تحدثت عن أن الآلاف من النازحين الذين عادوا طوعياً إلى سوريا تعرّضوا للاضطهاد والملاحقة والسجن، إضافة إلى أن دمشق تقوم بشطب العدد الأكبر من اللوائح التي يعدّها الأمن العام اللبناني وتتعلق بالذين يريدون العودة الطوعية إلى بلداتهم.
وهناك من يسأل: إذا كانت واشنطن متهمة بتوطينهم في لبنان، فلماذا لا يبادر الأسد إلى التجاوب مع إصرار الرئيس عون على عودتهم، خصوصاً أن المشكلة في دمشق وليست في موسكو؟
(الشرق الاوسط)