لا صوت يعلو في بيروت فوق الضوضاء السياسية التي انفجرتْ على تخوم عنوان مكافحة الفساد الذي تكتمل تباعاً في سياقه عمليتا «الانتشار الهجومي» من «حزب الله» و«التموْضع الدفاعي» من فريق رئيس الوزراء سعد الحريري، وسط بدء تكشُّف الأبعاد السياسية لـ «تدشين» الحزب مرحلة «مقاومة الفساد» بتصويبٍ متعدّد الهدف على الرئيس السابق للحكومة فؤاد السنيورة وتَوالي التشظيات الداخلية على واقع «المهادنة» التي كانت قائمة بين «حزب الله» وتيار «المستقبل» كما على علاقة الأخير بفريق الرئيس العماد ميشال عون.
وحملتْ الساعات الماضية إشاراتٍ إضافية إلى أن قضية الفساد مرشّحة لأن تتحوّل «كرة ثلج» يُخشى أن يصيب «لهيبُها» التسويةَ السياسية التي كانت جاءت بالعماد عون رئيساً (2016) وأعادت الحريري الى السلطة ثم سمحتْ «نسختُها» الثانية نهاية يناير الماضي بولادة الحكومة الجديدة، في ظلّ خشيةٍ كبيرة لدى أوساط سياسية من أن يطيح هذا المناخ المتشنّج بمحاولات لبنان «استلحاق» فترة الأسابيع المحدَّدة دولياً له لبدء إجراءت إصلاحية «شَرْطية» للاستفادة من مخصصات مؤتمر «سيدر 1» (البالغة نحو 11 مليار دولار) الذي «توعّده» حزب الله بـ «المطاردة» مشروعاً مشروعاً وقرْضاً قرضاً من ضمن قرارٍ بتعزيز «استحكاماته» في الوضع الداخلي من بوابة المال والاقتصاد. فبعدما أحكم سيطرته على الإمرة الاستراتيجية، يتّجه في «طريق العودة» الى الداخل لـ «القبض» على مفاصل إضافية في لعبة السلطة و«مفاتيحها».
ومن أبرز «الإشارات الساخنة»:
* إعلان عون أمام زواره أن «ثمة اندفاعاً ومقاومةً لمعركة الفساد كما لاحظتم، لكننا مصمّمون على ربْح المعركة (…) ولا سيما أن لا حصانة لأحد مهما علا شأنه كما لن يكون فيها تمييز».
* رسْم مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان بعد زيارته الحريري «خطاً أحمر» بالعريض أمام أي مساس او استهداف للسنيورة عبر ملف إنفاق الـ 11 مليار دولار إبان حكومتيْه (بين 2006 و2009)، وهو الملف الذي فتحه «حزب الله» ويلاقي عنوان الحسابات المالية للدولة منذ 1993 والذي لا يمكن، بحسب الأوساط السياسية، عدم استشعار محاولة لـ «النفاذ» من خلاله لـ «محاكمةِ» مجمل مرحلة النهوض التي شكّل الرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري «رافعتها».
فالمفتي دريان أعلن «أن ملف الفساد يجب ان يعالَج ضمن أطر مؤسسات الدولة، أما موضوع المزايدة في هذا الأمر او النيل السياسي من هذا الملف أو ذاك فهذا أمر مرفوض». وأضاف: «أقول وهذه رسالة واضحة مني، ان دولة الرئيس فؤاد السنيورة هو خط أحمر لأنه رجل دولة بامتياز (…). وفؤاد السنيورة هو قيمة وقامة كبيرة، نعتز ّبها وندافع عنها ضدّ أي افتراء».
وجاء موقفا عون ودريان غداة «انفجار» سجال بـ «الواسطة» بين «المستقبل» و«التيار الوطني الحر» على خلفية مقدّمة نشرة أخبار «او تي في» التي أوحت فيها بأن رئيس الحكومة «تخلى» عن السنيورة، معتبرة أنّ الأخير «يخوض معركة استباقية بأسلحة الماضي ورجالات الماضي الغابر (…) وهو يخشى سوء العاقبة وفتْح الأوراق القديمة في عهد الأب بعدما تخلّى عنه الابن وأفرد من النيابة والوزارة ورئاسة الوزارة واستفرد في الفساد من دون سائر العباد (…)».
ورغم ما قيل عن اتصال أجراه رئيس «التيار الحر» الوزير جبران باسيل بالحريري لتأكيد أن مقدمة «او تي في» هي «اجتهاد الشخصي لا سياسي»، جاء ردّ «المستقبل» صاعِقاً وبأعلى سقْف عبر مقدمة نشرة أخبار تلفزيونه مساء الأحد معلناً «السنيورة اليوم هو تيار المستقبل، وهو الحزب والموقع، وهو رئاسة الحكومة وهو الطائفة التي يمثّلها إذا شئتم»، ومعتبراً ان «ما طالعتنا به أو تي في لا يمكن وصفه إلّا بمحاولاتِ تفرقة رخيصة (…) فؤاد السنيورة كان ولم يزل خطَ الدفاع عن حقوق الدولة وسيادتها ولم يقدم حقوقَ الدولة هدايا مجانية للمحاور الاقليمية. والذي يتطاول على السنيورة يتطاول على الرئيس الحريري وعلى كل ما يمثّله السنيورة في تاريخ الحريرية السياسية. أما الابراء المستحيل، فيمكنهم ان يبلّوه ويشربوا المياه الآسنة التي نشأتْ عنه (…) تقديمٌ لحزب الله أوراق اعتماد جديدة للمعارك السياسية المقبلة. هذا شأنكم».
وفي موازاة ذلك، كان «حزب الله» بلسان قياديين فيه يبلْور «حربه على الفساد»، معلناً أنه أمام مسؤولية جديدة «ألا وهي مقاومة الهدر والفساد كما مقاومة الاحتلال والعدوان»، ومؤكداً «المضي في هذه المعركة حتى النهاية (…)» رغم «التهويل التجييش السياسي والطائفي»، فيما ذهب نائبه حسن فضل الله الى تأكيد «ان الفساد مثل الاحتلال سنواجهه عبر القضاء ونحن في هذه المعركة خصمنا ليس أي قوة أو حزب أو جهة سياسية»، وملمحاً في سياق تأكيد هدف «إلقاء القبض على الفاسدين» الى ان «لدينا بالطبع مرحلة ثانية وثالثة في حال لم يَقُم القضاء بواجبه».
من ناحية ثانية، بحث السفير الروسي لدى لبنان ألكسندر زاسبكين مع باسيل التحضيرات لزيارة عون لموسكو.
الراي