ألقى الرئيس نجيب ميقاتي الكلمة التالية في الجلسة النيابية العامة لمناقشة البيان الوزاري للحكومة:
النائب نقولا نحاس تحدث في المواضيع الإقتصادية بإسم كتلتنا، والنائب علي درويش تحدث في الشؤون الإنمائية لطرابلس. وأنا رغبت أن أتحدث من القلب لأقول: خلال مسيرتي النيابية والوزارية، تابعت الكثير من البيانات الوزارية، والبيان الوزاري الحالي يحمل فيها الرقم 12، سبع مرات كنت نائباً وثلاث مرات وزيراً ومرتين رئيساً للحكومة. والتسلسل المتبع أن الحكومة تتشكل بعد جهد جهيد، وتتفاءل الناس الى أن نأتي الى البيان الوزاري، الذي غالباً ما يكون حافلاً بالوعود. وعندما نصل الى مناقشة البيان الوزاري تصاب الناس بإحباط كامل نتيجة الكلام الذي يقال والذي لا علاقة للحكومة الجديدة به، ويتركز الكلام على الحسابات والرواسب الماضية، بينما لم نر بعد خير الحكومة من شرها. الكل يبدأ بجلد الحكومة التي لم تتألف إلا وكان هو يطالب بالمشاركة فيها، على غرار العروس التي تترك منزل أهلها باكية، ومع ذلك تذهب الى منزل زوجها. الكل يطالب بأن يكون ممثلا بهذه الحكومة، ومع ذلك يقف هنا ويجلد الحكومة والبلد. وفي النهاية فإن النتيجة المؤسفة لكل ذلك أن صورة الدولة هي التي تتعرض للتشويه. عندما تكون عناوين الصحف “الدولة الفاسدة-الدولة الفاشلة” فهي لا تتحدث عن أشخاص، بل عن الدولة ككل. والسؤال بعد هذا الكلام من سيثق بالدولة. دورنا اليوم أن نعزز دور الدولة، ولا ننسى حضرات الزملاء أنه في الإنتخابات الأخيرة فإن ستين في المئة من اللبنانيين لم يشاركوا في الإنتخاب لأن لا ثقة لهم بنا، وإذا لم نعمل على استعادة ثقة الناس بالدولة وبالبلد فسنكون أمام مشكلة كبيرة لا يمكننا الخروج منها.
البيان الوزاري جيد ومليء بالوعود ونتمنى أن تطبق في مكانها الصحيح، ودولتك قلت أنه ستكون هناك جلسات عامة شهرية للمجلس، ونتمنى من الحكومة أن تقدم في كل جلسة مراجعة للوعود التي أوردتها في البيان الوزاري وما تم تنفيذه منها، وسنضع جداول واضحة في هذا الإطار لنراجع الحكومة على أساسها، لا سيما في المواضيع التي تتعلق بالهيئات الناظمة وتعيين مجالس إدارة والنفط … وعلى سيرة النفط أذكر أنه في العام 2000 كان يقال في المجلس النيابي أن الهاتف الخلوي هو نفط لبنان، وما أخشاه اليوم أن يدار النفط الموعود مثلما يدار قطاع الخلوي حالياً. لهذا السبب نحن نطالب الحكومة بأن نكون أشد مراقبة وشفافية في إدارة هذا الملف.
يحزُّ في قلبي كثيراً أن أسمع كلاماً من مثل “المشكلة في هذا الدستور وهذا النظام”. نحن نتحدث دائماً عن إتفاق الطائف ونذكر كلمة الطائف، لأن مدينة الطائف جمعت اللبنانيين على كلمة سواء لوضع إتفاق نتج عنه دستور. وهذا الدستور الذي ينتقده البعض فيه 27 مادة لم تنفذ بعد، كمثل من يشتري آلة كهربائية ويريد أن يستعملها من دون وصلها بالتيار الكهربائي. الدستور لا يطبق كما يجب لكي ننتقده، وهو لا يطبق في أكثر من مجال لا سيما أخيراً في عملية تشكيل الحكومة.
فخامة الرئيس قال بنفسه في بكركي أن تجاذبات سياسية تخلق أعرافاً وتقاليد جديدة في تأليف الحكومة، وهذه الأعراف والتقاليد يجب التخلي عنها والعودة إلى الأساس وهو الدستور اللبناني الذي يحدد أسس تنظيم الحياة السياسية، وإلا نتحمل جميعاً مسؤولية عدم تطبيق أحكام الدستور.
هناك مسائل أساسية في الدستور لم تطبق ويجب تطبيقها، مثل إلغاء الطائفية السياسية وإنتخاب مجلس النواب خارج القيود الطائفية، وإنتخاب مجلس شيوخ يحفظ حقوق الطوائف، واللامركزية الإدارية والتنمية الشاملة والمداورة في مناصب الفئة الأولى. المؤسف اليوم أنه لم يعد المدير العام هو المسيطر على مديريته، بل أيضاً صار الوزير نفسه من طائفته. كما بتنا أمام نمط جديد أن كل سفير في الخارج يجب أن تكون طائفته من طائفة الدولة التي سيكون فيها. فكيف يمكن أن تدور عجلة البلد ونحن أمام هذا الواقع.
اليوم أنا أثمن الحديث الذي حصل والدعوة الى مد اليد للتعاون بيننا جميعاً لإنقاذ هذا البلد، فلا أحد منا سيخلد. بالأمس ودعنا الزميل روبير غانم الذي كان حتى الأمس القريب بيننا. البلد وحده الباقي وإذا لم نتعاون لإنقاذه فعبثاً نأمل بالنهوض. الحكومة الماثلة أمامنا ممنوع أن تفشل، وأقول هذا الكلام ليس من باب المهادنة أو المسايرة، وعلينا جميعاً أن نشبك الأيادي لإنقاذ البلد، وهذه رسالتي للجميع.
سأتطرق الى أمر حصل عند تشكيل الحكومة. فخامة رئيس الجمهورية هو رمز البلد ورئيس كل السلطات، ويحزُّ في قلبي أن يقال “هناك عدد من الوزراء يسميهم فخامة الرئيس”. كيف ذلك وهو رمز وحدة البلد والقائد الأعلى للقوات المسلحة، فهل يجوز أن يختصر نفسه بعدد من الوزراء.
ليس هدفنا أن نحجِّم رئيس الجمهورية ونراه مكرّماً بأحكام الدستور من خلال قسم اليمين، وهو إجراء يمتلكه وحده، حفاظاً على لبنان. لذلك نرى أن دور فخامة الرئيس أكبر من عدد محدد من الوزراء.
ورد في البيان الوزاري موضوع العفو، وهو مهم جداً ويجب القيام به بأسرع وقت لأنه يرفع الظلم عن الكثير من اللبنانيين القابعين في السجون من دون محاكمة. الأساس لدينا إحقاق الحق لطرابلس وإنصافها وهناك الكثير من أبنائها في السجون، والتلاقي الذي يحصل بيننا وبين سائر النواب في طرابلس، من المؤكد أنه سيوصلنا الى تحقيق ما يصبو إليه أهلنا.
تبقى كلمة، نحن سعداء جداً بمعالي وزيرة الداخلية السيدة ريا الحفار الحسن، وبوجودها في الفترة الأخيرة في طرابلس تعرَّفَت عن قرب الى حاجات طرابلس وأنا متأكد أنها ستكون اليد التي ستعطي طرابلس حقها بالتعاون مع سائر الوزراء، وفي مقدمهم الوزير عادل أفيوني الذي يمثلنا وتكتل الوسط المستقل في الحكومة، وهو سيكون مميزاً بوطنيته وغير متحيز لأحد، إلا لمصلحة لبنان بكل شفافية ووضوح. وشكراً.