صحيح ان عملية تأليف الحكومة بعد 252 يوما من التخبط، تركت ارتياحا كبيرا لدى عواصم القرار الكبرى، الغربية منها والعربية، التي سارعت الى “المباركة” للبنان بالانجاز الذي تحقق، الا ان هذه المواقف الايجابية لا تكفي للجزم بأن بيروت استعادت مكانتها على الخريطة الدولية والاممية، ولا انها ضمنت انطلاق قطار المساعدات الخارجية، نحو بيروت. فهذان المكسبان، الضروريان لإنقاذ لبنان من الواقع الاقتصادي – المالي الصعب الذي انحدر اليه بفعل أشهر الشغور المؤسساتي، مرتبطان في الواقع بسلسلة اجراءات سيتعيّن على الحكومة اتخاذها سريعا.
وبحسب ما تقول مصادر دبلوماسية مطّلعة لـ”المركزية”، العيون الخارجية فُتحت منذ لحظة اعلان ولادة الحكومة، على أدائها، والدولُ المانحة المهتمة بالملف اللبناني وضعت مجلس الوزراء العتيد، تحت مجهرها. وعلى قاعدة “المكتوب يقرأ من عنوانه”، هي ترصد اليوم البيان الوزاري الذي ستتم صياغته، وتنتظر في التحديد ما سيتضمّنه في بندين:
أولا، الاصلاحات الاقتصادية. فبعد ان تعهّد لبنان خلال مؤتمر سيدر باتخاذ خطوات اصلاحية تكافح الفساد وتحقق نموا في الاقتصاد، تراقب الدول المانحة اليوم ماهية هذه الخطوات والآلية التي ستضعها الحكومة للاصلاح. وهنا، المطلوب اجراءات جدية وعملية لا سيما على صعيد وقف النزف في الكهرباء، من ضمن ورشة متكاملة لخفض العجز في الموازنة، الى النصف في فترة أوّلية، وصولا الى سدّه نهائيا في مرحلة لاحقة. وقد يكون من المفيد لتحقيق هذا الهدف، وضع توصيات دراسة “ماكينزي” قيد التنفيذ.
ثانيا، التوجهات السياسية الكبرى للبنان الرسمي. وهنا، تشير المصادر الى ان سياسة “النأي بالنفس” تُعدّ الكلمة – المفتاح لا بل “المعادلة الذهبية” الجديدة في البيان الوزاري، في نظر المجتمع الدولي. فتثبيتها في البيان وانضباط القوى السياسية المحلية كلّها تحت سقفها، أكثر من ضروري، لتشجيع الخارج، العربي والغربي، على دعم لبنان والاستثمار فيه. واذ تؤكد ان التقيّد الفعلي بالحياد، أهمّ من إدراجه في البيان، تقول المصادر إن المطلوب أيضا تجديد الالتزام بالقرارات الدولية الخاصة بلبنان وأبرزها الـ1701 والـ1559.
واذا كان البيان سيعطي مؤشرا أوليا الى الطريق الذي ستنتهجه الحكومة في المرحلة المقبلة، فإن تحديد الخارج موقفه النهائي من كيفية التعاطي مع لبنان، سيحصل بعد “فترة سماح” ستُعطى له من قِبل الدول الكبرى، تكشف المصادر ان مدّتها 6 أشهر، ستتابع خلالها العواصم، عملَ مجلس الوزراء ومدى تقيّده بالورشة الاصلاحية الاقتصادية ومقتضياتها من جهة، وبالحياد والنأي بالنفس عن الصراعات والملفات الاقليمية، وبالمباشرة في مناقشة الاستراتيجية الدفاعية من جهة أخرى.
فإذا سار على “السراط المستقيم”، بادرت الدول المانحة الى رفده بالاموال والمساعدات والاستثمارات والسيّاح، كما فعّلت حضورها السياسي والدبلوماسي في بيروت، على شكل زيارات لرؤسائها، لعلّ أبرزها زيارة منتظرة للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ومسؤولين أميركيين. أما إن بقيت المناكفات السياسية القديمة – الجديدة تعرقل مجلس الوزراء وتُعطّل الاصلاح البنوي المطلوب، اقتصاديا وسياسيا و”استراتيجيا”، فعندها وجود حكومة او عدمه، سيّان!
المركزية